بين الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء والمفتي السابق، 4 قواعد فقهية بينها : «العادة محكمة، المشقة تجلب التيسير، الأمور بمقاصدها».
العادة محكمة
وقال علي جمعة إن أصل هذه القاعدة قوله تعالى: (خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ) [الأعراف:١٩٩]، ويقول ابن مسعود، رضي الله عنه: «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح» وهو حديث حسن، وإن كان موقوفاً عليه فله حكم المرفوع، لأنه لا مدخل للرأي فيه، وفي السيرة النبوية عدة نماذج توضح لنا كيفية التعايش مع العادات المختلفة، فهناك النموذج المكي قبل بعثته ﷺ، وهناك النموذج المكي بعد بعثته، وهناك نموذج الحبشة مع قوم يدينون بدين المسيحية، وهناك نموذج المدينة في عهدها الأول مع تعدد الديانات من يهودية ومسيحية وإسلام، وهناك أخيراً نموذج المدينة في عهدها الأخير قبل وفاته صلى الله عليه وسلم، وكيف انفتح المسلمون على الشعوب المختلفة فتعايشوا معها واندمجوا بها دون أن يفقدوا هويتهم.
المشقة تجلب التيسير
وأشار علي جمعة إلى أن الأصل في هذه القاعدة قوله تعالى: (يُرِيدُ الله بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ) [البقرة:١٨٥]، وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:٧٨]، وقوله ﷺ: «إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلّا زانه، ولا ينزع من شيء إلّا شانه» (أخرجه مسلم)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول في بيتي هذا: «اللّهمّ من ولي من أمر أمّتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به» (أخرجه مسلم)، وعن أبى الدّرداء، رضي الله عنه، عن النّبيّ ﷺ قال: «من أُعْطِىَ حظّه من الرّفق فقد أعطى حظّه من الخير، ومن حرم حظّه من الرّفق حرم حظّه من الخير» (أخرجه الترمذي في سننه).
اليقين لا يُزَالُ بالشك
وبين علي جمعة أن اليقين في الاصطلاح: الاعتقاد الجازم المطابق للواقع الثابت عن دليل، أما الشك فهو التردد بين النقيضين، بلا ترجيح لأحدهما على الآخر، ودليل هذه القاعدة قوله ﷺ: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أَخَرَجَ منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً» (أخرجه مسلم)، وهوية الإسلام وأصوله من الأمور اليقينية فلاشك فيها، فعدد صلوات اليوم والليلة هي خمس، وعدد ركعات كل صلاة أمر متفق عليه، ومقدار الزكاة محدد ومعلوم، والصيام الواجب في شهر رمضان أمر ثابت، والحج إلى بيت الله الحرام في مكة وغير ذلك من ثوابت الدين أمور يقينية لم يشذ عنها عاقل عبر العصور، أما الخلاف في المسائل الفرعية فهو سعة ورحمة تؤكد عالمية الإسلام وشموليته.
الأمور بمقاصدها
وشدد علي جمعة أن الأصل في هذه القاعدة قوله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات» (صحيح البخاري)، ويندرج تحت هذه القاعدة قضية كبيرة ومحورية في بناء الحضارة وهي قضية التغيّر والتغيير، فالفرق بينهما هو القصد والإرادة التي يلزم منهما وضع الخطة والتنفيذ.حيث إن التغيّر يحدث تلقائياً بتبدل الزمان وتغير الناس بالحياة والموت، وجريان الأحداث وتشابكها، أما التغيير فهو ينظر إلى الواقع ويرى فيه شيئاً لابد أن يتبدل، وهنا يظهر القصد والإرادة لذلك التبديل، ويسعى الإنسان لوضع خطة مناسبة ويقوم بتنفيذها حتى يتم مراده أو بعض مراده من هذا التغيير. وتحت عنوان التغيير يقع المصطلحان (الإصلاح والتجديد)، وهما ليسا ضدين لا يجتمعان، ولا يفرح أحدنا بل ينبغي ألا يصنف نفسه مع الإصلاح في مقابلة التجديد أو مع التجديد في مقابلة الإصلاح، أو أن نصنف الناس بأن هذا مصلح وهذا مجدد. لأن التغيير المنشود يحتاج إلى الإصلاح والتجديد معاً. وفي بعض الأحيان تختلف النسبة فنحتاج إلى الإصلاح بنسبة أكبر من التجديد أو العكس، أو نكون على حد سواء في الاحتياج إليهما معاً وبنسبة متساوية