تحل اليوم الثلاثاء الذكرى الثانية والسبعون لـ ثورة 23 يوليو 1952، والتي بدأت تحت مسمى "الحركة المباركة" قبل أن تكتسب اسمها المعروف، حينما عندما قرر الضباط الأحرار تغيير مسار تاريخ مصر وإعادة الاستقلال الوطني، واندلعت الثورة التي نالت دعم الشعب وساهمت في تغيير وجه البلاد بشكل جذري، مما جعل لمصر دوراً محورياً في المنطقة العربية والإفريقية، وأدت الثورة إلى الإطاحة بالنظام الملكي، لتكون نهاية عهد الملك فاروق وبداية العصر الجمهوري.
المصريون يحكمون بلادهم للمرة الأولى
تجسد ثورة 23 يوليو المجيدة تتويجاً لنضال طويل قاده الشعب المصري دفاعاً عن حقوقه في وطن مرفوع الرأس، أسست الثورة الجمهورية الأولى في مصر وأصبحت مصدر إلهام للشعوب العربية والأفريقية، حيث شكلت نموذجاً فريداً للعلاقة بين الشعب وجيشه، وهي علاقة اتسمت بالتلاحم والثقة العميقة عبر عقود، كانت هذه العلاقة تجسيداً للمؤسسة الوطنية التي تدرك مهمتها وتؤديها بكفاءة، مما جعل الثورة مرحلة تحول فارقة واسترداداً للكرامة الوطنية.
تعد حركة الضباط الأحرار حركة سلمية أخذت طابعاً عسكرياً، قادها ضباط الجيش المصري بقيادة محمد نجيب في منتصف ليلة 23 يوليو 1952، نجح هؤلاء الضباط في السيطرة على مبنى هيئة أركان الجيش، وأعلنوا عن قيام الجيش بتحرك لصالح الوطن.
بدأت الثورة بخطوات مدروسة حيث قام الزعيم جمال عبد الناصر بتشكيل مجموعة سرية في الجيش المصري تحت اسم "الضباط الأحرار"، في يوليو 1949، اجتمعت الخلية الأولى بمنزل عبد الناصر، وضم الاجتماع ضباطاً من مختلف الانتماءات الفكرية، في عام 1950، تم انتخاب عبد الناصر رئيساً للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار، ومع توسع التنظيم، تم انتخابه رئيساً للجنة القيادية، وانضم إليه اللواء محمد نجيب الذي أصبح أول رئيس جمهورية في مصر بعد نجاح الثورة.
الضباط الأحرار، أعضاء مجلس قيادة الثورة، هم:
- محمد نجيب
- عبد الحكيم عامر
- يوسف صديق
- حسين الشافعي
- صلاح سالم
- جمال سالم
- خالد محيي الدين
- زكريا محيي الدين
- كمال الدين حسين
- عبد اللطيف البغدادي
- عبد المنعم أمين
- محمد أنور السادات
- جمال حماد
وعقدت اجتماعات أخرى للضباط الأحرار في منزل جد عبد الناصر بقرية بني مر بأسيوط، حيث اجتمعوا على مسطبة طينية، مما شكل نقطة انطلاق للثورة، تم تحديد موعد الثورة في 23 يوليو 1952 الساعة 11 مساءً في منزل عبد الحكيم عامر بمصر الجديدة، لكن بسبب ظروف تكتيكية، طلب تأجيل الثورة إلى الساعة الواحدة، ومع ذلك، جاء الضابط عبد المجيد شديد بقوة مسلحة قبل الموعد المحدد، واكتشف عبد الناصر وعامر أن التأجيل لم يتم استلامه.
واستغل عبد الناصر وجود الوحدة المدرعة الجاهزة وشن هجوماً على مبنى القيادة، حيث سقطت القيادة تحت الاحتلال الإنجليزي، سيطر الضباط الأحرار على القيادة بالكامل، وطلبوا من اللواء محمد نجيب، الذي كان مقرباً منهم ويحمل أعلى رتبة عسكرية في التنظيم، قيادة الثورة.
ثم ألغيت الملكية وأعلنت الجمهورية وحدد الضباط الأحرار ستة مبادئ قامت عليها ومن أجلها الثورة، ولم تعلن هذه المبادئ إلا عام 1956:
- القضاء على الإقطاع.
- القضاء على الاستعمار.
- القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم.
- إقامة جيش وطني قوي.
- إقامة عدالة اجتماعية.
- إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
إنجازات ثورة 23 يوليو
- تأميم قناة السويس: استعاد الشعب المصري سيطرته على أهم ممر مائي في العالم، مما عزز السيادة الوطنية والاقتصاد المصري.
- استرداد الكرامة والاستقلال: تمكنت الثورة من إنهاء السيطرة الاستعمارية واستعادة الحرية المفقودة على يد المحتل.
- السيطرة على الحكم في مصر: أدى نجاح الثورة إلى إسقاط النظام الملكي وتحويل مصر إلى جمهورية.
- إجبار الملك على التنازل عن العرش: تنازل الملك فاروق عن العرش ورحل إلى إيطاليا، منهياً بذلك حكم الأسرة العلوية.
- إلغاء النظام الملكي: إعلان الجمهورية وتأسيس نظام حكم جديد برئاسة اللواء محمد نجيب في 18 يونيو 1953.
- توقيع اتفاقية الجلاء: خروج القوات البريطانية من مصر بعد احتلال دام أربعة وسبعين عاماً.
- بناء حركة قومية عربية: دعم القضية الفلسطينية وتعزيز التعاون العربي لتحرير فلسطين.
- إلغاء دستور 1923: في ديسمبر 1952، تم إلغاء الدستور القديم ووضع أسس جديدة للنظام السياسي المصري.
- تأسيس الهيئة العامة لقصور الثقافة: إنشاء مراكز وقصور ثقافية لنشر الثقافة وتحقيق توزيع ديمقراطي للثقافة في أنحاء مصر.
- إنشاء أكاديمية الفنون: ضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والأوبرا والموسيقى والفنون الشعبية.
- رعاية الآثار والمتاحف: دعم المؤسسات الثقافية والحفاظ على التراث المصري.
- تشجيع الإنتاج الفني المصري: دعم إنتاج أفلام وقصص أدبية مصرية بدلاً من الاعتماد على الاقتباسات الأجنبية.
- مجانية التعليم: إقرار مجانية التعليم العام والعالي، ومضاعفة ميزانية التعليم العالي.
- توسيع التعليم العالي: إضافة عشرة جامعات جديدة في مختلف أنحاء البلاد بدلاً من ثلاث جامعات فقط.
- إنشاء مراكز البحث العلمي: تطوير المستشفيات التعليمية وتعزيز البحث العلمي.
- تحقيق العدالة الاجتماعية: إلغاء الإقطاع وتمصير التجارة والصناعة وتحرير الفلاحين.
- تحسين أوضاع الطبقة العاملة: تعزيز حقوق العمال وتوفير العدالة الاجتماعية.
- إصدار قانون الإصلاح الزراعي: القضاء على السيطرة الرأسمالية في الإنتاج الزراعي والصناعي.
- بناء السد العالي: إنجاز مشروع السد العالي في عام 1971، مما ساعد في تحسين الزراعة وتوليد الكهرباء.
من جانبه، قال المفكر الإستراتيجي، اللواء سمير فرج، إن ثورة 23 يوليو 1952 أحدثت تغييرًا كبيرًا في مصر بشكل إيجابي، مؤثرةً على النواحي الاجتماعية والسياسية، ومنحت البلاد قوة وثقلاً سياسياً كبيراً في الوطن العربي، وأوضح فرج أن القاهرة قادت ثورات التحرر العربية والإفريقية ضد الاستعمار الأجنبي.
وأضاف فرج في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن الثورة لم تمنح مصر ثقلًا سياسيًا إقليميًا فحسب، بل عالميًا أيضًا، فقد كانت مصر من الدول المؤسسة لحركة عدم الانحياز، التي لم تنحز لأي من القوتين العظميين في ذلك الوقت، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وانضمت لها العديد من دول العالم.
وأوضح فرج أن ثورة 23 يوليو حققت أيضًا ضمانًا اجتماعيًا كان غائبًا عن الشعب المصري لفترة طويلة، حيث عملت على رفع مستوى المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين. تم ذلك من خلال قوانين التأمينات، وقوانين العمل، وقوانين تملك الأراضي، والإصلاح الزراعي، ومجانية التعليم، وزيادة عدد الجامعات، بالإضافة إلى مشروع بناء السد العالي وتأميم قناة السويس.
وأكد المفكر الإستراتيجي أن من الأهداف الرئيسية للثورة كان بناء جيش مصري وطني قوي، ليصبح القرار المصري مستندًا على قوة جيشه، بفضل هذا الجيش، تمكنت مصر من تأميم القناة والحفاظ على حقوقها والدفاع عن مكتسباتها، ورد العدوان الثلاثي على مصر. كما أسهمت الثورة في طرد الإنجليز وتوقيع اتفاقية الجلاء عام 1956 والانتصار على إنجلترا وفرنسا في العدوان الثلاثي.