بين الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر صحة قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا»، وهل يحرم تعلم علوم الفلك؟
ما صحة حديث «إِنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب»؟
يقول السائل: ما المراد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا»؟ وهل فيه دليل على عدم جواز الاستعانة بالحساب الفلكي في إثبات الأهلة، أو إبطاله هو أو غيره من العلوم؟
وتابع علي جمعة: روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» -يعني: مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين-؛ وليس في الحديث دليل على عدم مشروعية تعلم العلوم غير الشرعية كاستخدام الحساب الفلكي في إثبات الأهلة وغيرها؛ فالحديث ليس فيه نهيٌ عن الكتابة أو الحساب أو غيرهما أو ذمّهما أو تنقيصهما ولا إشارة إلى إبطال علم الفلك، أو غيره من العلوم، إنما هو يصف مَنْ كانوا في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم من المسلمين؛ حيث كانت هذه هي صفتهم الغالبة، وليس معناه أنّ صفة الأمية صفة متعلقة بالأمة في جميع الأعصار والأمصار.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (4/ 127، ط. دار المعرفة): [قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ» والمراد أهل الإسلام الذين بحضرته عند تلك المقالة، وهو محمول على أكثرهم أو المراد نفسه صلى الله عليه وآله وسلم،.. وقوله: «لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ» تفسير لكونهم كذلك، وقيل للعرب أميون لأنَّ الكتابة كانت فيهم عزيزة؛ قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة: 2].
وأكمل علي جمعة: لا يرد على ذلك أنَّه كان فيهم مَن يكتب ويحسب؛ لأنَّ الكتابة كانت فيهم قليلةً نادرةً، والمراد بالحساب هنا: حساب النجوم وتسييرها، ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضًا إلا النزر اليسير، فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية؛ لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير، واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم مَن يعرف ذلك، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلًا] اهـ.
وشدد علي جمعة أنه يلزم من هذا أنَّه لو كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقومه العرب إذ ذاك من أهل العلم بالكتاب والحساب؛ بحيث يستطيعون أن يرصدوا الأجرام الفلكية، ويضبطوا بالكتاب والحساب دوراتها المنتظمة التي نظمتها قدرة الله العليم القدير بصورة لا تختل ولا تختلف -لأمكنهم اعتماد الحساب الفلكي، وكذا كل من يصل لديهم هذا العلم من الدقة والانضباط إلى الدرجة التي يُوثَق بها ويطمئن إلى صحتها؛ لأنَّ الأمر باعتماد الرؤية وحدها جاء معللًا بعلة منصوصة، وهي أنَّ الأمة أمية لا تكتب ولا تحسب، و"العلة تدور مع المعلول وجودًا وعدمًا"، فإذا خرجت الأمة عن أميتها وصارت تكتب وتحسب يعني صارت في مجموعها ممَّن يعرف هذه العلوم وأمكن الناس خاصتهم وعامتهم أن يصلوا إلى اليقين والقطع في حساب أول الشهر، وأمكن أن يثقوا بهذا الحساب ثقتَهم بالرؤية أو أقوى -فلهم حينئذ أن يأخذوا في إثبات الأهلة بالحساب الفلكي ولا حرج، والحساب الفلكي حينئذ لا شكَّ أنَّه أوثق وأضبط في إثبات الهلال من الاعتماد على شاهدين ليسا معصومين من الوهم وخداع البصر، ولا من الكذب لغرض أو مصلحة شخصية مستورة، مهما تَحَرَّينا للتحقق من عدالتهما الظاهرة التي توحي بصدقهما.