شهد معرض بورسعيد السابع للكتاب، الذي تنظمه الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، مساء أمس، تنظيم ندوة بعنوان «تراث البحر»، شارك فيها كل من الشاعر سامح درويش، والشاعر والباحث محمد عبد القادر، والشاعر والمترجم محمد المغربي، وأدار الندوة الكاتب أسامة المصري.
وفي بداية الندوة طرح أسامة المصري سؤال عن المقصود بـ «تراث البحر»؟ مؤكدًا أن التراث البورسعيدي هو تراث البحر في العموم، لافتا إلى أن مسألة «التراث» في بورسعيد إشكالية، لأن بورسعيد مدينة عمرها يقترب من مائة وستين عامًا، بالمقارنة بينها وبين محافظات الصعيد والوجه البحري؛ التي تمتلك حكايات وأغاني وأساطير، وعادات وتقاليد متجذرة أو مطمورة، تكون المقارنة ظالمة؛ لأن الحيز الزمني ضيق.
وتابع: «على الرغم من ذلك نجد ملامح تراثها واضحًا في شعر الشعراء المبدعين، وبناء المهندسين المهرة، ورسوم الرسامين وإنتاج المسرحيين، وجمعت بورسعيد بين فئات كثيرة من دمياط والمنزلة والصعيد، ومن الأجانب اليونانيين والإيطاليين من الباحثين عن الاستقرار أثناء الحرب العالمية الأولى، ومن اختلاط المصريين والأجانب تكونت الشخصية البورسعيدية، وانطلقت مع السمسمية التي أخذت من الشعراء كلامهم ومن كف الضمة رقصهم، ومن الغناء الذي يعشقه المصريون جميعًا أصبح لنا إيقاعنا مميزًا، وهو الغناء المصاحب للرقص».
ومن جانبه قال الشاعر سامح درويش إن المدن الساحلية، على البحر المتوسط لها مميزات خاصة بها ونجد تشابهًا كبيرًا جدًا بين أهل هذه المدن من شرقها إلى غربها، فأهل مارسيليا يشبهون كثيرًا الإيطاليين واليونانيين، وأهل الإسكندرية ووهران، ويختلفون عن أهل باريس، لافتا إلى أن البيئة تنعكس على تكوين الشخصية.
وأضاف إن البحر المتوسط في مصر- ثقافة البحر المتوسط- يصنع التشابه بين مدينتي الإسكندرية وبورسعيد، وكما يقال في المثل «ميه مالحة ووشوش كالحة»، لافتا إلى أن التراث البورسعيدي، تراث لمدينة صغيرة في السن عمرها قرن ونصف من الزمن، ولكن لها خصوصية تجعلها تختلف عن مدن كثيرة، فما مرت به لم يمر بأمم كبرى وقديمة، ما مر بها منذ افتتاح القناة، وخيانة ديلسبس، والاحتلال البريطاني، والحربين العالميتين، وحرب 1956، وعملية التهجير والعودة، كل هذه الأحداث مرت على مدى قرن ونصف، أحداث متسارعة جدًا.
وأوضح درويش أن بورسعيد بوتقة انصهرت فيها جنسيات وجاليات وثقافات، واندمج معها الإنسان المصري، تعلمنا منهم أشياء وتعلموا منا أشياء، اختلفت ألسن وأتَلفت قلوب.. كيف أثرت هذه الأحداث على الثقافة بشكل عام؟، والموسيقى جاءت متميزة بالسمسمية، والشعر والرواية والمسرح؛ كل هذه الإبداعات تأثرت بهذه البيئة البحرية التي وضعت فيها بورسعيد، فموقعها الجغرافي فريد، وهي ناصية الناصية؛ لأن مصر ناصية العالم القديم.
وتابع: «لقد دعوت الأدباء في بورسعيد أن يهتموا برصد التحولات الاجتماعية في مرحلة التهجير وما بعدها، مثلما رصد الكاتب إبراهيم عبد المجيد التحولات في مدينة الإسكندرية؛ في أعماله وبخاصة روايتيه "لا أحد ينام في الإسكندرية"، و"طيور العنبر"، وهذه الدعوة كانت حصيلة نقاش بيني وبين الكاتب الراحل قاسم مسعد عليوه».
وتساءل الشاعر والمترجم محمد المغربي كيف أصبح التراث البورسعيدي بحريًا؟ وهو وريث التراث العربي وهو تراث صحراوي، وكيف استطاعت بورسعيد أن تهضم هذه الثقافات؟، متابعًا: «لقد ورثنا عن الأجداد والآباء طريقة الحزن والتعبير عن الفرح من التراث المنقول، ولقد جاء الأجداد من البيئة الصحراوية أو من البيئة الزراعية من حاملي تراث مصر القديمة، جاءوا من الصعيد ودمياط والمطرية، وهؤلاء غالبية المجتمع البورسعيدي،و كل الأعراق امتزجت وتجانست ومع معايشة الأجيال نتجت خصائص وسمات، واستطاعت بورسعيد أن تمتص التمايز بين الأعراق المختلفة؛ لأن أثر البحر على الإنسان ينتج سلوكًا منفتحًا على الآخرين، وظهرت مفردات ثقافية مثل: البلكونات الخشبية في حي العرب، ومهنة المصحي الذي يركب الدراجة، ويدور على البيوت في مواعيد دخول السفن، وعمود الأكل للعاملين في الميناء، وسمي حي المناخ باسمه لأن الإبل تنخ به، وفن الحداء لإخراج الطرحة من البحر، ومطلع الأغنية (يا مركب الهند.. يا امو تقاليع) وهي من نماذج التبادل بين البيئات البحرية، ومهنة الصيد وطرقها، ومراكب الغزل وفرق الصيد المائية والتي تسمى بحسب العائلة، وطعام الأسماك والمائدة وآدابها، ومن القضايا شديدة الأهمية هنا؛ القيم الثقافية القادمة من التراث، فالتراث هو محدد الهوية الضروري للتماسك والتضامن الاجتماعي، وتحديد الأحلام والآمال للفرد والجماعة».
واستكمل الشاعر والباحث محمد عبد القادر الندوة قائلًا: لا بد من إعادة الغناء إلى بورسعيد مرة أخرى، مثلما عادت آلة الهَارب المصرية القديمة بصورة السمسمية بعد رحلة بحرية كبيرة. والحكايات الشعبية.وحكى حكاية المرأة التي دارت حول تمثال الشيخ ديلسبس ( لفت سبع لفات ) وأشعلت الشموع، فأنجبت.
ودعا إلى جمع الحكايات من الجماعة الشعبية، وجمع المفردات المحلية؛ لأن كثيرًا من المفردات القديمة اختفت بسبب التحولات الاجتماعية، وتأثير وسائل التواصل.
وأضاف أن تراث الحياة في بورسعيد ارتبط بالصيد وتقاليده، وأدواته وطرقه من الضرب بالشومة، والالتقاط بسيخ الحديد، وقطع القماش إلى السنبك، واللوكس والمركب الشراعي والماتور، والفسخنة بردم السمك في الرمل، وأخذنا بعض الحلويات والأطعمة من الشام، والآيس كريم من اليونان.
واختتمت الندوة بقصيدة «ذكرى من الذكرى» استلهم فيها الشاعر محمد عبد القادر مفردات التراث الثقافي البورسعيدي ومن أجوائها:
عشقت الرملة فى اللفه
وملح الميه يعشقنى
ركبت القلع والدفة
ومن دا الحب زاد شأنى
سقانا البحر ايد من ايد
ولملم فرطنا عناقيد
وعشش سقفنا غابة
وخضر بيتنا لبلابة
وكنا نعاكسه ونغازله
نطب نقب .. نغمز له
وعشنا العمر من غزله
لحقنا الوزنه ف الغطيان
ماكتش الوقه لينا ميزان
ولا السماك فتح دكان
وكان بالجمبه برغوتنا
كأن الزرعه من غيطنا
عاشرنا الدهنة مبرومة
وكان قد تخلل بعض الفقرات الغنائية للفرقة الغنائية المصاحبة للندوة على إيقاع السمسمية؛ التي قدمت بعض الأغنيات الشهيرة من التراث الغنائي البورسعيدي، وهم عازف السمسمية محمود غندر، والعربي الشطوري، ومحمد خلف، ومن الأغاني أغنية «يا مركب الهند»، وأغنية «البمبوطية».