قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم-: "إن لكل عصر ثقافته ولغته التي تعبر عنه وتبرز معالمه وتوضح مزاياه وخصائصه، وتعكس أوجه الحضارة والتطور فيه. ولا شك أن علوم التكنولوجيا هي لغة هذا العصر وثقافته التي تعبر عن روحه وحضارته."
وأضاف مفتي الجمهورية، أن منصات التواصل الاجتماعي تأتي على قمة هرم التطور والتقدم التكنولوجي، حيث أصبحت متاحة للجميع، فهي ثقافة ذات وجهين وسلاح ذو حدين، قابل لأن يُستعمل في نشر العلم والخير بين الناس وقابل أيضًا لأن يُستعمل على وجوه ضارة سيئة كنشر الأفكار المتطرفة والإرهابية أو بث الشائعات والمفاهيم المغلوطة.
جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها بالندوة التي نظمها مجلس الشباب المصري ضمن البرنامج الوطني لمكافحة التطرف والاستقطاب الفكري، حول "استشراف دور منصات التواصل الاجتماعي في صناعة التطرف".
أوضح مفتي الجمهورية أن سهولة استعمال هذه المنصات حتى لمن لا يملك أية ثقافة أو معرفة تكنولوجية قد مثلت خطورة كبيرة على سلامة القيم الدينية والأخلاقية للمجتمعات، خاصة مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي تولي القيم والأخلاق أهمية كبيرة. هذا اللهاث المحموم وراء كسب الشهرة والتريند وجمع المال قد زاد من خطورة هذه المنصات.
وأردف فضيلته قائلًا: "جماعات التطرف والإرهاب، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، لم تألُ جهدًا في تسخير منصات التواصل الاجتماعي في زعزعة الأمن وتهديد الاستقرار ومحاربة قيم الوسطية والاعتدال على المستوى الديني والأخلاقي من خلال استعمال هذه المنصات الرقمية."
وأشار فضيلة المفتي إلى أن تعذر ممارسة الرقابة الصارمة على هذه المنصات نظرًا لاختلاف الأعراف والقوانين المتعلقة بالحريات على مستوى العالم، يجعل من المحتم علينا جميعًا أن نهتم بقضية صناعة الوعي الرشيد الذي يحمي المجتمع، وبخاصة الشباب، من خطورة هذه الأفكار المتناثرة بلا رقيب على منصات التواصل.
وتابع فضيلته: "لقد استغلت الجماعات الإرهابية هذه المواقع في نشر أفكار منحرفة تتضمن تكفير المجتمع والحكم عليه بالجاهلية والخروج عن الإسلام، رغم أن المسلمين يقيمون فروض الإسلام وشعائره ويبنون هذه العبادات على عقيدة قوية وإيمان راسخ وتوحيد لا شائبة فيه. ومع ذلك، تعمدت تلك الجماعات الإرهابية تشكيك الناس في دينهم وعقائدهم، بل وتشكيكهم في علماء المؤسسات الدينية الوسطية المعتدلة، وعلى رأسها الأزهر الشريف وعلمائه الأجلاء ودار الإفتاء المصرية وعلمائها الثقات."
وأكد فضيلة المفتي أن هذه الجماعات استغلت منصات التواصل الاجتماعي الحديثة في تشويه صورة أهل العلم الذين يأخذون بأيدي الناس إلى الله تعالى ويرشدونهم إلى طريق الحق وإلى الصراط المستقيم، وينشرون معالم الوسطية والتيسير بين الناس ويظهرون دين الإسلام على حقيقته من التيسير والسعة وعدم التشديد. وهذا التشويه المتعمد قد عزل بعض المغيبين عن مظلة الإسلام الوسطية وأصبحت عقولهم مبرمجة على ما تبثه هذه الجماعات من أفكار متطرفة، وأصبحوا فرائس سهلة فدخلوا في مسارات التكفير والعنف والإرهاب.
وأوضح مفتي الجمهورية أن هذه الجماعات تعمدت من خلال هذه المنصات محاربة كل نشاط تعليمي أو ديني أو إعلامي أو ثقافي من شأنه أن يرفع من درجة الوعي عند أفراد المجتمع ويجعل لديهم القدرة على التمييز بين الحق والباطل وبين الضلال والرشاد. لذا، قمنا في دار الإفتاء المصرية بخطط طموحة رشيدة ومشروعات واعدة مبنية على الاستجابة الصادقة لنداء فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي حفظه الله تعالى، الذي ينادي بالاهتمام بصناعة الوعي، وبأهمية تجديد الخطاب الديني، وبمحاربة الأفكار المتطرفة بالأفكار المعتدلة، وبضرورة تصحيح المفاهيم المغلوطة.
وأضاف مفتي الجمهورية: "لقد كان ركنًا رئيسًا من أركان عملنا الاستغلال الجيد البنَّاء لمنصات التواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة لكي نصل إلى أكبر قاعدة ممكنة من المستعملين لهذه المنصات، وبخاصة الشباب. كنا نستهدف فئتين من الشباب: الفئة الأولى هي فئة الشباب الذين غررت بهم هذه الجماعات المتطرفة، والفئة الثانية هي الشباب الذين أورثتهم تلك الممارسات المنحرفة أفكارًا مشوهة عن الإسلام فوقعوا في شرَك الإلحاد أو التشكيك في الإسلام ذاته."
ولفت فضيلة المفتي الانتباه إلى أنه من نتائج هذا الحراك في مسارات صناعة الوعي المختلفة أن تغيرت كثير من المفاهيم والأفكار والقناعات الزائفة، مما يدل دلالة واضحة على أن الدعوات المتكررة لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي لمؤسسات المجتمع المختلفة بضرورة الاهتمام بصناعة الوعي وإيقاظ الأمة المصرية، وإحياء أفكار ومفاهيم تدعم سلامة الوطن وتضمن أمنه واستقراره كانت رؤية صائبة تنطلق من شعور وطني صادق وتنبع من حب كبير لوطننا مصر.
وقال المفتي: "لقد أعدنا إلى خارطة الفكر الإسلامي المعاصر النقاش حول مفهوم الحاكمية الصحيح، وأننا نحكم ونعيش بشريعة الإسلام، وأن مفهوم المواطنة مفهوم إسلامي أصيل وصحيح نابع من شريعة الإسلام وأسسه وقد رسخه رسول الله صلى الله عليه وسلم في وثيقة المدينة المنورة. كما قمنا بتصحيح مفهوم الوطن والوطنية الذي اعتبرته تلك الجماعات المتطرفة مفهومًا مناقضًا للإسلام، وبيَّنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان محبًّا لوطنه حزينًا على فراقه والهجرة منه ولو كان ذلك بسبب الهجرة المباركة."
وأكد أن شبابنا الواعي هم أملنا وذخيرتنا للمستقبل، وهم أماننا من المخاطر، وحائط الصد ضد هجمات الأعداء، وإن عقولهم الواعية هي رأس مال الأمة المصرية، وإن تكوينهم تكوينًا علميًّا ودينيًّا صحيحًا يعلي من شأن الوطن، ويدفع مسيرته قدمًا في طريق التقدم والازدهار.
وأضاف مفتي الجمهورية: "كلنا يشهد مدى اهتمام فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بالشباب وبإعدادهم لتحمل المسؤولية المستقبلية. فلنجعل همَّنا الأول كمؤسسات صناعة وعي هو أن نبني جسور الثقة والأمان بيننا وبين الشباب، وأن نرسم لهم معالم مستقبل يبعث في نفوسهم النشاط ويحيي في وجدانهم الأمل والرغبة في التقدم والتعليم والعمل والإنتاج والبناء."
وأكد أنه إذا كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يولي شبابنا اهتمامًا كبيرًا، فلأنه يدعونا إلى إعادة بناء الإنسان المصري الحضاري، حيث إن بناء الإنسان أكبر وأعظم عامل في بناء الأوطان والبنيان. إننا ونحن نسعى إلى بناء مصر الجديدة، مصر الحديثة، مصر الحضارية، لا بد وأن نعلي من قيمة دور الشباب، ونمد أيدينا إليهم بكل ما يساعدهم على تجاوز المخططات الهدامة التي تسعى تلك الجماعات الإرهابية، لا سيما جماعة الإخوان المتطرفة، لعكس دورهم تجاه وطنهم وتوجيههم توجيهًا قبيحًا عبر منصات التواصل الاجتماعي كي يكونوا أداة هدم لا بناء.
واختتم المفتي كلمته بقوله: "ونحن على ثقة بالله ويقين تام أن الله تعالى لا يصلح عمل المفسدين، وأن مصر وشعبها وشبابها وقائدها وجيشها في رباط إلى يوم القيامة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله تعالى وهم على هذه الرابطة الربانية، وعلى هذا العهد الوطني الحضاري، الذي يمثل لنا نحن المصريين طوق النجاة الحقيقي من كل مخططات الأعداء والجماعات المنحرفة."