ادعى الكاتب العراقي فاضل الربيعي أن موسى عليه السلام خرج بشعبه من اليمن وليس مصر، وهو واحدة من الشبهات التي تكررت وترددت كثيرًا وفي السطور التالية نوضح حقيقة وارتباط قصة الكليم موسى عليه السلام بأرض مصر.
ما المقصود بـ مصر الواردة في القرآن؟
ذكر المفسرون في قول نبي الله موسى عليه السلام لبني إسرائيل: «اهْبِطُوا مِصْرًا {البقرة:61}». وهم في التيه بعد خروجهم من مصر، وهلاك فرعون، وذلك في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} [البقرة: 61، قولان:
ـ أحدهما: أنه اسم لمصر من الأمصار غير معين. قاله ابن مسعود، وابن عباس، وقتادة، وابن زيد، وإنما أمروا بالمصر، الذي طلبوه في الأمصار.
ـ والثاني: أنه أراد البلد المسمى بمصر. وفي قراءة عبد الله، والحسن، وطلحة بن مصرف، والأعمش «مصر» بغير تنوين.
قال أبو صالح، عن ابن عباس: أراد مصر فرعون. وهذا قول أبي العالية، والضحاك، واختاره الفراء، واحتج بقراءة عبد الله.
وسئل عنها الأعمش، فقال: هي مصر التي عليها صالح بن علي.
وقال مفضل الضبي: سميت مصراً؛ لأنها آخر حدود المشرق، وأول حدود المغرب، فهي حد بينهما. والمصر: الحد. اهـ.
وأما غير ذلك من الآيات في قصة موسى، وفي قصة يوسف ـ عليهما السلام ـ فمحل اتفاق بين أهل العلم قاطبة، أن المراد بها مصر البلد المعروف! وإلا فهل يشك السائل في المراد بمصر في قوله تعالى: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الزخرف: 51]. فأين أنهار الطائف، وجبال زهران؟!!
وكذلك قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا } [يونس: 87] لا خلاف في كون مصر المذكورة فيه هي البلد المعروف! وإن حصل خلاف في تعيين المراد من مدن مصر تحديدا.
قال الماوردي في (النكت والعيون) وابن الجوزي في (زاد المسير): في قوله {بِمِصْرَ} قولان: أحدهما: أنها الإسكندرية، وهو قول مجاهد. الثاني: أنه البلد المسمى مصر، قاله الضحاك. اهـ. وهذا لا يختلف؛ فإن الإسكندرية إحدى مدن مصر.
الإفتاء تحسم الجدل عن فرعون موسى
كشفت دار الإفتاء، أن النبي موسى عاش في مصر وعاصر اثنين من الفراعنة؛ فقد كان الشيخ رشيد رضا يرجح أن فرعون موسى هو «منفتاح»، يقول: «المرجح عند المؤرخين الراصدين للعادات والتقاليد المصرية، أن فرعون موسى هو الملك منفتاح، الذي كان يلقب بسليل الإله رع، وفي المتحف المصري هناك أثر محفوظ برقم (43025)، ذكر فيه بنو إسرائيل، ورحج المفسرون والعلماء، أن فرعون الذي عاصر نبي الله موسى- عليه السلام- هو الملك رمسيس الثاني.
حقيقة وجود موسى على أرض مصر
وخلال تواجده ضيفا على برنامج «مصر أرض الأنبياء» قال الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن تحدى موسى - عليه السلام- لفرعون في الحادثة الشهيرة كان في منطقة واسعة مما نسميه الآن الوجه البحري وجزءً من بدايات الصعيد، لأن الصف وميت رهينة وهي منف القديمة فيها قصر فرعون الذي قال إن مصر جميعًا له والأنهار من تحته، وهذا يعني أنه كان يتنقل في أكثر من مكان.
وأضاف «جمعة»، أن قصر فرعون كان في منف وهو المكان الذي دخل فيه موسى ًاولًا مع زوجته بالليل وذهب إلى أمه الحقيقية، ودخل فيه ثانيًا مع هارون، لافتًا: كان من التقديرات لعدد بين إسرائيل في هذه الفترة 100 ألف أو يزيدون، موضحًا أن فرعون لما زاره موسى - عليه السلام- في اللقاء الأول كان لديه حب عظيم مع قلق من موسى- عليه السلام- ، فرعون كان يكره موسي ويتخوف منه وينزله منزله العدو ولكنه كان يحن إليه بقلبه أيضًا. مشيرًا إلى أنه من الطبيعي أن يتم الخوف من فرعون، فهو أظهر لبني إسرائيل العداء، فكان يذبح أبناءهم، ويستحي نساءهم، وكان معروفا عنه الطغيان، فيخشي من مثله.
وأبان« جمعة» أن هناك شائعة انتشرت بين بني إسرائيل عن فرعون أنه لا يموت واستمع بها موسى واخوه هارون - عليه السلام- منذ صغرهم، وساعد عليها أن الله أمد في عمره، لدرجة أنه يقال إن هامان وحده خدمه 100 سنة، لافتًا إلى أن موسى عندما عاد رجع كانت هيئته تغيرت، فيوجد قرائن تدل أنه موسى ولكن ليسوا متأكدين، وهو في ذلك الوقت صادر عليه حكم بالإعدام لقلته المصري، وعلى الرغم من ذلك كان لا يخشي الاقتراب من قصر فرعون لاختراق هذا الحصار. وذكر المفتي السابق أن تحدى موسى - عليه السلام- لفرعون في الحادثة الشهيرة لابد وأنه كان في منطقة واسعة مما نسميه الآن الوجه البحري وجزءً من بدايات الصعيد، لأن الصف وميت رهينة وهي منف القديمة وفيها كان قصر فرعون الذي قال بأن مصر جميعًا له والأنهار من تحته، وهذا يعني أنه كان يتنقل في أكثر من مكان.
ونبه الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء، إن قدس الأقداس كان لا يدخله إلا فرعون والكائن الأعظم، وهو يعني السر الكبير الذي يُمنع معرفته عن عموم الناس، لافتًا إلى أن علماء المصريات بحثوا في هذا الأمر، وجاء رأي بأنه التوحيد.
وتابع خلال برنامجه « مصر أرض الأنبياء»، أنه بناء على هذا يكون فرعون عالم بوجود إله ومؤمن به، وعارف أنه الرزاق المحيي المميت، وهذا يتعلمه في قدس الأقداس الذي يدخله مرة على الأقل في السنة، وأن فرعون فعل ذلك لكي لا يلجأ الشعب إلا إليه ويتمكن من السيطرة عليه، مؤكدًا: المصريون كانوا لا يعبدون الحاكم، ولكن كانوا لا يعرفون حقيقة الأمر، فكان يتم الإخبار عنه بأنه سر غامض، وهذا كان لا يشغل العوام وقتها، فقرروا التصديق بما يقوله الكهنة. وأردف الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء، أن فرعون كان مؤمن بيوم القيامة، ولذلك كان محور الحياة الفرعونية كلها فكرة الموت وما بعده، فبُنيت الأهرامات وحُنطتت الجسس وزُينت المقابر وتُركت المتعلقات بها لهذا الغرض.
وأكمل « جمعة» خلال برنامجه « مصر أرض الأنبياء»، أن فكرة ما بعد الموت كان تتحكم في سلوكياته خاصة، فأن كان يعبد القطة مثلا كإله في الأرض فهو يعلم أنه يوجد إله آخر بعد الموت. وأن مما يدل على إيمان فرعون بيوم القيامة قوله وهو يغرق: «ءامنت بالذي ءامنت به بني إسرائيل»، كما يؤيد هذا أيضًا قوله - تعالى- لموسى وهارون-عليها السلام-: « فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ»، ( سرة طه: الآية 44).
قصة قتل المصري
ونوه الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء، أن الغرض الأساسي من رجوع موسى - عليه السلام- وتوجه وأخيه هارون لفرعون هو إخراج بني إسرائيل وعودتهم إلى ديارهم، وليس دعوة المصريين؛ لذا ذهب إلى فرعون ليأخذ التصريح بالعودة، وأن بني إسرائيل في عصر فرعون وبعدما حدث مع سيدنا موسى - عليه السلام- من قصة قتل المصري استشعروا الذلة والمهانة من ناحية والخطورة من ناحية أخرى؛ فقرروا الرحيل لكن فرعون لم يكن راضيًا عن هذا الرحيل، فاردا أن يظل في مصر ويخدموها بما تعلموا فيها. ولفت عضو هيئة كبار العلماء أن فكرة الدعوة إلي العالمية لم تكن إلا مع سيدنا محمد - صلى اللله عليه وسلم- مستشهدًا بقوله - تعالى-: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»، ( سورة الأنبياء: الآية 107)، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة».وأكد الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء، أن الكاهن الأعظم في عصر فرعون كان يعرف بحقيقة وجود إله، ورغم ذلك كان يضل العامة لكونه ظالما لنفسه ولغيره، مستشهدًا بقوله - تعالى- : « وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ »، ( سورة الشعراء: الآيات 10، 11).
وألمح « جمعة» خلال برنامجه « مصر أرض الأنبياء»، أن سيدنا موسى -عليه السلام- قال لربه كما جاء في آيات الذكر الحكيم من قوله - تعالى-: « قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ قَالَ كَلَّا ۖ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا ۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ »، ( سورة الشعراء: الآيات 12: 17).
وتابع عضو هيئة كبار العلماء أنه بعدما جاء أمر الله - تعالى- ذهب موسى وهارون لمقابلة فرعون، فكارن رده عليهم كما جاء في قوله - تعالى- من سورة الشعراء: « قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ »، (الآية 18: 21).
وأوضح المفتي السابق أن حوار موسى وفرعون في سورة الشعراء هو أطول جدال في القرآن الكريم، وهنا تأتي الأعجوبة، حيث قال -تعالى- لموسي-: « وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي »، ( سورة طه: الآية 39)، ففرعون يريد قلته ولكن تحركه العاطفة بالحب تجاه.
جبل الطور ما زال موجودًا
وردًا على ما آثاره سابقًا عالم المصريات زاهي حواس بشأن وجود الأنبياء في مصر القديمة، وجه الدكتور عبدالغني هندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، رسالة إلى الدكتور زاهي حواس، بعد تصريحاته حول أنه لا يوجد دليل على وجود الأنبياء في مصر القديمة عند الفراعنة، كما ورد في القرآن الكريم.
وقال الدكتور عبدالغني هندي، في مداخلة هاتفية لبرنامج "خط أحمر"، لا أحد ينكر فضل الدكتور زاهي حواس في مجال الآثار الإسلامية على مستوى العالم وخاصة فيما يتعلق بحضارتنا الفرعونية الخالدة، لكن قصة خروج سيدنا موسى من مصر ثابتة وموثقة في القرآن الكريم وتحديدا في سورة البقرة.
تابع عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القرآن الكريم موجود قبل علوم الآثار وقبل أن يفك شامبليون رموز حجر رشيد، لافتا إلى أن الدكتور زاهي حواس، جانبه الصواب موجهًا له رسالة بعدم ربط النص القرآني بالاجتهاد البشري، لأن النص القرآني مُقدس والاجتهاد يتغير وفقا لمعطيات كل زمن، وهناك العديد من الأسرار التي لم نقف عليها حتى الآن مثل سر التحنيط وغيرها، ومصر يوجد بها عدد كبير جدًا من الأنبياء وجبل الطور ما زال موجودًا والآثار تؤكد وجود الكثير من الأنبياء الذين دعوا إلى الوحدانية.
مصر في الكتب المقدسة
بدوره أكد الدكتور أيمن فؤاد، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، أن الدليل على وجود سيدنا موسى في مصر هو الكتب المقدسة، بما في ذلك القرآن الكريم والإنجيل والتوراة، لافتًا إلى أنّه ليس فقط سيدنا موسى، بل جميع الرسل والأنبياء، لا توجد أدلة مادية واضحة على وجودهم في أماكن محددة، وذلك لأنهم ليسوا زعماء سياسيين.
وأضاف أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، في تصريحات صحفية، أن وجود اليهود وانتشار ديانتهم في التاريخ المصري يُعدّ دليلًا ماديًا بجانب ما جاء في القرآن الكريم على وجود سيدنا موسى في مصر.