علي الرغم من ان طريقي في الكتابة فرعوني الا انه من حين لآخر اتلقي عرضا مغريا يصعب عليا رفضه، دعوة سرية لأسطورة يونانية وينجرف شغفي وراءها واجد نفسي متورطة فى متاهة سرد قصص وحكايات الأساطير اليونانية التي تثير فضولي واغامر وأتحدث عنها واخوض في تفاصيلها المشوقة كنوع من التغير والتنوع والاطلاع علي الثقافات الآخري وحتي لا يشعر القارئ بالملل ووقع الأختيار لهذا الأسبوع علي أسطورة داناي الجميلة والساحرة القديسة والعاهرة الابنة الوحيدة للملك أكريسيوس التي حملت مصيرة داخل احشائها و لا تدري من أين لها هذا ! هل حقاً داناي قديسة مثل السيدة مريم ولا تعلم من أين جاء هذا الجنيين التي تحمله في أحشائها أم كانت عاهرة وباعت جسدها من أجل الذهب كل هذا وأكثر في قصة داناي الابنة الوحيدة للملك أكريسيوس من أرغوس من زوجته الملكة يوريديس أو أغانيبي وذلك عندما اصيب الملك أكريسيوس بخيبة أمل بسبب افتقاره إلى الورثة الذكورية ، وذات يومٍ استشار وحيًا للآلهة الملك أكريسيوس كاهنا في دلفي عما إذا كان هذا سيتغير، وأعلن له الكاهن أنه لن يكون له ابن ذكر أبدا، ولكن ابنته ستنجب ولد ، وأنه سيقتل على يد ابن ابنته، وفي ذلك الوقت، كانت داناي بلا أطفال ،واصر على إبقائها كذلك .
كانت داناي فتاة جميلة، أُولع بها والدها أكريسيوس ملك أرجوس، ولعًا شديدًا، ولكن لكي يتحاشى أكريسيوس ذلك المصير ، حبس ابنته داناي في برجٍ، وحرَّم على أي إنسان يتصل بها، فيما عدا خدمها المختارين. بيد أن أكريسيوس ما كان ليفلت بهذه الطريقة من المصير الذي قدَّرَتْه له الآلهة، فأبصر زيوس نفسه تلك العذراء وأحبها. وتقول الأسطورة إن زيوس لكي يصل لداناي أتنكر و ظهر لها أولًا في صورة مطرٍ من الذهب، فلما أكملت مدةَ حملها، ولدت ابنًا اسمه برسيوس.
لما علم أكريسيوس بما حدث، جن جنونه و غضب وثار ، وكان يخشي من ان تتحقق النبوءة وأمر بوضع الأم وطفلها في صندوق خشبي كبير، أحكم إقفال غطائه، وألقى هذا الصندوق بمن فيه في البحر. لم يغُصِ الصندوق، ولكنه ظل طافيًا فوق الأمواج يسير في اليم قُدمًا، كما لو أن ملاك غيرَ مرئي يقوده وسط البحر.
وبعد مدة وصل القارب الغريب إلى جزيرة، حيث استقر على شاطئها، فرآه أحد صيادي السمك. ولما فتح غطاءه دُهش؛ إذ وجد بداخله الأم في حالة إغماء وابنها كاد ينفطر من البكاء ، وأشفق عليهم ، فأخذهما إلى بوليدكتيس ملك الجزيرة، الذي رحَّب بهما وقدم لهم كل العنايةٍ والرعاية.
وبالرغم من هذا، لم تنتهِ متاعب داناي بحالٍ ما، فقد وقع بوليدكتيس في غرام داناي، وعرض عليها أن تتزوجه، ولكنها ظلت ترفض سنة بعد أخرى ، متحججه بتربية ابنها ورعايته. ولَكن عندما كبر برسيوس واقترب من طور الرجولة، عرض عليها الزواج مره اخري ولكنها قالت له ان ابنها من يرفض ، وحينها اعتزم بوليدكتيس أن يتخلص منه، أملًا في أن تغير أمه رأيها إذا ما أزاح ابنها من الطريق.
فكر بوليديكتس في فكرة شيطانية من خلالها يتخلص من بيرسيوس كعقبة في طريق حصوله على داناي وكوريث مش من صلبه لمملكته. بوليديكتس استغل أن بيرسيوس نصف إله وأن أحلام البطولة مالية دماغه وعرض عليه يذهب و يقتل الميدوسا و كانت ميدوسا مخلوقة فظيعة مرعبة وهو الوحش اللي بيحول أي حد يبص له لحجر وهو على يقين أن بيرسيوس مش هيرجع تاني.
ولكن بعد جهد كبير هينجح بيرسيوس في قتل الميدوسا وهيقطع رأسها وهيبقى سلاحه المفضل. وبعد ذلك يعود بيرسيوس لجزيرة سيريفوس وسوف يجد الأفراح والاحتفالات منصوبة ويعلم ان الملك سوف يتزوج من والدته داناي! ولكن جن جنون بيرسيوس ودخل على الملك وجنوده وحاشيته ممسكًا برأس ميدوسا وحولهم كلهم لحجر وأخد أمه وترك الجزيرة .
و بعد مرور سنين عديدة ذهب بيرسيوس ليشارك في مسابقة لألعاب القوى، ولكن بينما كان بيرسيوس يقوم بيرمي القرص هبت رياح حولت مساره ناحية رجل عجوز وسط جمهور المشجعين فالقرص طير رأسه ومات. المثير للسخرية ان هذا الرجل العجوز ده هو أكريسيس ، والد داناي وجد بيرسيوس.
وكان أول شيء لفت انتباهنا في هذه الأسطورة هو مصير أكريسيس اللي ظل يترقب ويعاني ويهرب من مصيرةاللي كان بيحاول يهرب منه وعانى أضعاف ما تنبأت به النبوءة. كعادة النبوءات في الأساطير فهي بتعكس رغبة أو خوف دفين بيراود الشخص صاحب النبوءة، وده معناه أن أكريسيس كلن يخشي من خسارة مُلكه وحياته، ولذلك حبس ابنته الوحيدة (وكاد ان يقتلها لولا خوفه من ربّات الانتقام) بغرض قطع ذريتها. و بدلا من ان يواجه خوفه ويحاول يفهم أسبابه، أكريسيس قرر ان يهرب منه ويقطع أسبابه إلي ان خسر حياته ومُلكه وابنته ايضا .
ولو تعلمنا أي شيء من الأساطير الإغريقية والرومانية فهي استحالة مواجهة القدر اللي قوته كانت تعتبر أكبر من قوة الآلهة أنفسهم.
وهناك تحليل لطيف لهذه الأسطورة في الأعمال الفنية اللاحقة، سواء المكتوبة أو المرئية، داناي اتحولت لصورتين متناقضتين تمامًا.. صورة العاهرة وصورة القديسة. فيه قراءات للأسطورة بتوصم داناي لأنها باعت جسدها مقابل الذهب، وبيستندوا للرواية القائلة إن داناي مارست الجنس مع أحد الأغنياء في المملكة مقابل المال واللي قدر يوصل لها من خلال رشوة الحراس والخادمة وداناي نفسها، ولما حملت منه ألفت قصة زيوس وأمطار الذهب علشان تفسر وجود الذهب في غرفتها. وفيه قراءات أخرى ودي تحديدًا ظهرت بعد دخول المسيحية بترسم داناي في صورة قديسة وبتشبه حملها بحمل السيدة مريم وأمطار الذهب بالنور الإلهي اللي تسبب في الحمل.
صورت شخصية داناي كأنها كامرأة حُصرت بين دورين فقط: يا تكون في براءة وطُهر القديسين، يا تكون عاهرة تبيع جسدها مقابل الذهب، متغاضين عن الظروف التي لحقت بها قهرًا ومتغاضين عن فكرة وجود أدوار عديدة أخرى بين النقيضين وكان الفرق الوحيد بينهم هو الاستسلام والتصرف. يعني لما داناي تقرر الاستسلام للسجن اللي فُرض عليها بلا أي ذنب تبقى قديسة والذهب اللي هبط عليها ده يبقى إلهي، في حين أنها لو اتخذت موقف ما واتصرفت تصرف اخر وهو بيع جسدها مقابل الذهب تتصف بالعاهرة .
لو اطلعنا علي محنة داناي بعيدًا عن الدورين دول هنلاقي أن بيرسيوس كانت تذكرة داناي الوحيدة للنجاة من سجن ابيها ، فحملها ببيرسيوس سواء من زيوس أو أي رجل آخر كان الغرض منه الخروج من السجن اللي كان مُقدر لها ان تظل فيه طول عمرها، وليس كان السعي ورا القدسية و ورا المتعة.
ولم يكن بيرسيوس مجرد تذكرة داناي للخروج من سجن أكريسيس ولكن، كامتداد لها، الذي أصبح مصدر قوتها وبقى هو السبب في الحفاظ على حريتها وتخلصها من بوليديكتس وغيره .ليبقي هو قوتها الحقيقية اللي ولدت من رحم معاناتها، والذهب الحقيقي اللي كسبته.
وكانت صورة داناي وأمطار الذهب تتساقط عليها من أشهر الصور اللي حازت علي اهتمام الرسامين على مر العصور لتنتج مئات من اللوحات، كل لوحة بتفاصيلها تغير بعضاً من المواقف وايضا من شخصية داناي ومن جانب اخر تعكس رؤية الفنان للأسطورة .