ما المقصود بقوله تعالى: «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم»؟، أمر بينه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، والمفتي السابق.
ما المقصود بقوله تعالى: «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم»؟
وقال علي جمعة: عباد الله بشّر الله سبحانه وتعالى المؤمنين، وأمر نبيه الكريم ﷺ أن يبشر المؤمنين، وبشرى المؤمنين تقتضي منك أن تدخل في دائرتهم كما وصف ربنا سبحانه وتعالى في كتابه، وفصّل رسوله ﷺ في سنته فإذا أنت دخلت في دائرتهم فلك الفلاح في الدنيا، ولك النجاح فيها، ولك الفلاح في الآخرة، ولك النجاح فيها.
وتابع: عباد الله أمرنا ربنا سبحانه وتعالى بعبادته، واشترى منا أنفسنا وأموالنا بأن لنا الجنة، وفتح الباب للمؤمنين من غير المجاهدين أن يدخلوا الجنة أيضا ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ ، فأعلى الله قيمة المجاهدين، وبشّرهم بالجنة بعد أن اشترى منهم أنفسهم وأموالهم ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿قُلْ صَدَقَ اللهُ﴾ ، ولكن الجهاد لا يناله كل أحد، فرسم لك الله سبحانه وتعالى في الآية التي بعدها طريق الرحمن، فقال تعالى: ﴿التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآَمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾ ، فإذا لم يمُنّ الله سبحانه وتعالى بالجهاد في سبيله فقد منّ علينا ببيان تلك الصفات التسع التي ذكرها سردًا، وبشّر في نهايتها المؤمنين، فوسّع الباب سبحانه وتعالى لأنه رؤوفٌ رحيم.
وأضاف علي جمعة من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: التائبون فيجب عليك أن تتوب من الشرك ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ ، أخرج السوى من قلبك فلا تعبد إلا ربنا، أخرج السوى من قلبك فلا تعتمد إلا عليه ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ، استعن بالله وحده فهو الذي ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ ، هل تعرف كيف تتوب من الأكوان؟ وتُخرج الدنيا من قلبك، وتجعلها في يدك؟ هل تُحسن أن تُقلع عن الذنوب بعد أن جعلت قلبك لله وحده؟ هل تُحسن أن تتوب عن السوى فلا تسأل إلا الله، ولا تتوكل إلا على الله، ولا تخف إلا من الله؟ هل تستطيع أن تتوب؟ لأن التوبة هي الأساس، وهي بداية الطريق، وهي التي بها قبول الأعمال، وهي التي بها التوجّه الصحيح في طريق الله سبحانه وتعالى، لا تيأس من نفسك «يا ابن آدم لو أن لك قراب الأرض ذنوبًا، ثم جئتني تائبًا لغفرت لك» ويقول رسولنا الكريم: «إن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة العبد»، وأكمل حديثًا طويلا، فالله يفرح بالرغم من أنه لا يناله منا ضرٌ ولا نفع، بالرغم من أنه سبحانه وتعالى هو العلي والقاهر فوق عباده، وعلى الرُغم من ذلك فإنه يقبل التائب، بل ويفرح به، فتوبوا إلى الله، وابدأ صفحةً جديدةً مع الله، وجددوا إيمانكم.
تفسير «إِن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم» للشعراوى
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي في بيانها: هو من قال الله فيه: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التوراة والإنجيل والقرآن وَمَنْ أوفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فاستبشروا بِبَيْعِكُمُ الذي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم}.. [التوبة: 111].
وتابع: وما دام الله قد اشترى من المؤمن نفسه فيجب على المؤمن ألا تهمه نفسه، فيدخل المعركة بالصفقة الإيمانية، فإذا أهمته نفسه يبدأ القلق، والبلبلة، والاضطراب، وتوهم الأشياء، والشيء الواحد يتوهمه على ألف لون. إذن فنفسه تكون غير مطمئنة، وما دام الإنسان قد شغله هم نفسه حتى لو كان النعاس استجابة لأمر طبيعي من ذات النفس فلا يأتي النعاس أبدا.
وأكمل: ولذلك نجد أن الإمام عليًّا- رضوان الله عنه وكرم الله وجهه- حينما سُئل عن أشد جنود الله؟ بسط يديه وقال: أشد جنود الله عشرة: الجبال الرواسي، والحديد يقطع الجبال، إذن فالحديد أشد من الجبال، والنار تذيب الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يحمل الماء، والريح يقطع السحاب، وابن آدم يغلب الريح يستتر بالثوب أو الشيء ويمضي لحاجته، والسُكر يغلب ابن آدم، والنوم يغلب السُكر، والهم يغلب النوم، فأشد جنود الله (الهم).
وأردف: فساعة يدخل الهم على النفس البشرية، هذا أشد جنود الله؛ لأن الهم يدخل على النفس البشرية بألوان متعددة للخطب الواحد، فيتصور أموراً معقدة في أمر واحد، وواقعة على لون واحد، ولكن الهم يجول به في كل لون؛ فهؤلاء قد أهمتهم أنفسهم وما داموا قد أهمتهم أنفسهم فقد خرجوا عن صفقة الإيمان. وما داموا قد خرجوا عن صفقة الإيمان الذي بوساطته اشترى الله من المؤمنين أنفسهم، فالله يتخلى عنهم. وما دام الله قد تخلى عنهم فعليهم مواجهة المصير.
وشدد على أن القلق والاضطراب يستبدان بهم ويصابون بالفزع من كل شيء. لكن حال الصنف الأول والطائفة الأولى يختلف؛ فالله سبحانه وتعالى يعاملهم معاملة من بقي في الصفقة الإيمانية وإن كانت نفوسهم البشرية قد فسرت الأحداث تفسيرا خاطئا، فظنوا أن المسألة في المعركة انتهت، فذهبوا لأخذ الغنيمة إن هؤلاء قد احترم الله بقاءهم على الإخلاص للإسلام، وأدبهم على تفسيرهم للأحداث تفسيرا غير حق، فأثابهم غما لما خالفوا فيه، وأنزل عليهم أمنه لإخلاصهم في قضية الإسلام.