في انتصار جديد للقضية الفلسطينية ولاول مرة تصدر محكمة العدل الدولية موقفاً بشأن الاحتلال المستمر لقطاع غزة واصفة إياه بأنه غير قانوني، حيث تدعي إسرائيل السيادة على القدس كلها، وتعتبرها عاصمتها الموحدة، وهو أمر غير مقبول .
ماذا قالت محكمة العدل الدولية
قال نواف سلام رئيس محكمة العدل الدولية، إن الرأي الاستشاري الحالي للمحكمة لا يشمل الحرب التي اندلعت على قطاع غزة في أكتوبر 2023، مشيرا إلى أن المحكمة ستدرس التداعيات القضائية للوجود غير القانوني لإسرائيل في الأراضي المحتلة.
وأضاف سلام، خلال جلسة لمحكمة العدل الدولية، أن الإجراءات التي قامت بها إسرائيل تؤكد أنها تصرفت كدولة احتلال واحتفظت بممارسة سلطتها على قطاع غزة، موضحا أن واجبات إسرائيل في الأراضي المحتلة تخضع لمعاهدة 1959 بشأن معاملة المدنيين بزمن الحرب والاحتلال الإسرائيلي ينتهك حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
ولفت رئيس محكمة العدل الدولية، إلى أن نقل المستوطنين إلى الضفة الغربية أو القدس الشرقية يتناقض مع المادة 49 من معاهدة جنيف ولا يمكن لسلطات الاحتلال أن تقوم بتهجير سكان المناطق المحتلة أو توطين بعض مواطنيها فيها، مؤكدا أن القوات المحتلة ملزمة بالحرص على إيصال المياه والغذاء لسكان المناطق المحتلة.
وتابع: "القوات المحتلة ملزمة بالحرص على إيصال المياه لسكان المناطق المحتلة"، وأشار إلى أن مصادرة إسرائيل للأراضي الفلسطينية ومنحها للمستوطنين ليست مؤقتة وتخالف اتفاقية جنيف معتبرا ترحيل سكان الأراضي المحتلة من أراضيهم بأنه كان قسريا.
ويشار إلى أن إسرائيل أنشأت 160 مستوطنة تؤوي 700 ألف من المستوطنين اليهود في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وتعد هذه المستوطنات غير شرعية في القانون الدولي، وإن كانت إسرائيل تحتج على ذلك.
وتختلف هذه القضية التي تنظر فيها محكمة العدل الدولية عن القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في حربها على غزة.
ترحيب مصر برأي محكمة العدل الدولية ؛
رحبت جمهورية مصر العربية، اليوم الجمعة، بالرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية حول الآثار القانونية للسياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية.
وذكرت مصر- في بيان صادر عن وزارة الخارجية، اليوم- أن الرأي الصادر عن المحكمة أكد على عدة عناصر أهمها عدم قانونية استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية لما يمثله من انتهاك لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، ولخرقه لمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الإقليم الواقع تحت الاحتلال بالقوة، وأن على دولة إسرائيل إنهاء هذا الاحتلال غير القانوني في أقرب وقت ممكن، والوقف الفوري لأي نشاط استيطاني جديد، وإخلاء كافة المستوطنات من الضفة الغربية والقدس الشرقية، والتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية الناتجة عن سياساتها وممارساتها غير القانونية.
كما رحبت مصر بما تضمنه رأي المحكمة من تأكيد التزام كافة الدول والمنظمات الدولية والمؤسسات، بما في ذلك الأمم المتحدة، بعدم الاعتراف بالوضع الناتج عن تواجد دولة الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومطالبة الجمعية العامة ومجلس الأمن بوضع التدابير اللازمة لإنهاء هذا التواجد الإسرائيلي.
وطالبت جمهورية مصر العربية جميع الأطراف الدولية باحترام وتنفيذ الرأي الاستشاري للمحكمة، والمساعدة في تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه الشرعي في تقرير مصيره، والعمل على إنهاء المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها، مشددة على المسئولية الجماعية لكافة الدول في إنهاء تلك المعاناة، لاسيما من خلال وقف الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة، والعمل على إدخال المساعدات الإنسانية لمواجهة الكارثة الإنسانية المتفاقمة في القطاع.
كما طالبت مصر الأطراف الفاعلة والمؤثرة في المجتمع الدولي بالتدخل لإلزام إسرائيل بالامتثال واحترام أحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، مؤكدةً استمرارها في بذل كافة الجهود من أجل تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإحلال السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين.
كيف علقت إسرائيل؟
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، إن "الشعب اليهودي ليس محتلاً لأرضه، لا في عاصمتنا الأبدية القدس، ولا في أرض أجدادنا في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)... ولن يؤدي أي قرار كاذب في لاهاي إلى تشويه هذه الحقيقة التاريخية، كما لا يمكن الطعن في شرعية الاستيطان الإسرائيلي في كافة أراضي وطننا".
وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، إن "قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي يثبت للمرة الألف أن هذه منظمة سياسية ومعادية للسامية بشكل واضح... ولن نقبل منهم وعظاً أخلاقياً، فقد حان وقت الحكم والسيادة".
وعلق وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموترتش، على رأي محكمة العدل الدولية بشأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية.
وقال سموترتش، في منشور على منصةX " إن الرد على لاهاي هو فرض السيادة الآن".
وقال رئيس المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، إن "الرأي الصادر عن المحكمة الدولية في لاهاي منفصل عن الواقع، وأحادي الجانب، ومشوب بمعاداة السامية وعدم فهم الواقع على الأرض... إنه لا يخدم إلا الإرهاب الإسلامي والحملة ضد إسرائيل".
وأضاف لبيد أن "هذا القرار يشكل أيضاً فشلاً سياسياً آخر لحكومة مختلة وظيفياً، وستحشد المعارضة لمنع قبول هذا الرأي من قبل مؤسسات الأمم المتحدة والدول الأعضاء".
انتصاراً للحق التاريخي الفلسطيني
في هذا الصدد قال المحامي والمحلل السياسي زيد الايوبي إن الرأي الاستشاري الذي ابدته محكمة العدل الدولية بشأن الاثار القانونية للاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية يمثل انتصاراً للحق التاريخي الفلسطيني وصوابية وعقلانية السياسات الدوبلوماسية للرئيس محمود عباس .
وأضاف المحلل السياسي زيد الايوبي خلال تصريحات لــ"صدى البلد" ان هذا القرار الصادر عن اعلى منصة قضائية اممية يجب ان يكون منارة لكل الدول المحبة للعدل والسلام وعلى الدول التي اعترفت بالقدس عاصمة لاسرائيل ان تتراجع عن هذا الاعتراف احتراما لهذا الرأي وامتثالا لمئات القرارات الدولية الصادرة عن مجلس والامن وجمعية الامم المتحدة والتي تؤكد على ان كل تصرفات واجراءات الاحتلال في القدس والضفة الغربية لا يمكن ان تكرسب اي شرعية ويجب ان تنتهي.
تاريخ الاحتلال الإسرائيلي
سيطرت بريطانيا على فلسطين بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية، التي كانت تحكم هذا الجزء من الشرق الأوسط، في الحرب العالمية الأولى.
تنامت التوترات بين الجانبين عندما أعطى المجتمع الدولي لبريطانيا مهمة تأسيس "وطن قومي" للشعب اليهودي في فلسطين.
وبالفعل تنامى عدد اليهود القادمين إلى فلسطين، وكان العديد منهم ممن فروا من الاضطهاد الديني الذي تعرضوا له في أوروبا، باحثين عن وطن في أعقاب ما عرف بالمحرقة "الهولوكوست" في الحرب العالمية الثانية.
كما تنامى أيضا العنف بين اليهود والعرب أو ضد الحكم البريطاني في المنطقة.
في عام 1947، صوتت الأمم المتحدة على قرار لتقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين، إحداهما يهودية والثانية عربية، على أن تصبح القدس مدينة دولية.
ووافق الزعماء اليهود على هذه الخطة التي رفضها الجانب العربي، ولم يتم تطبيقها مطلقا.
وفي عام 1948 أعلن الزعماء اليهود تأسيس دولة إسرائيل، واعترض الفلسطينيون على ذلك، واندلعت حرب شاركت فيها قوات من الدول العربية المجاورة التي قدمت إلى المنطقة.
و هُجّر خلالها مئات الآلاف من الفلسطينيين و أجبروا على ترك منازلهم فيما عرف بـ "النكبة" عام 1948.
وبعد انتهاء القتال بهدنة في العام التالي، كانت إسرائيل قد سيطرت على معظم المنطقة.
واحتلت إسرائيل القدس الشرقية والضفة الغربية فضلا عن معظم مرتفعات الجولان السورية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية في الحرب التالية في عام 1967.
وظل اللاجئون الفلسطينيون وأحفادهم في غزة والضفة الغربية، فضلا عن دول الجوار أمثال الأردن وسوريا ولبنان.
ولم تسمح إسرائيل لهم أو لأحفادهم بالعودة إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم، إذ تقول إسرائيل إن مثل هذه العودة ستؤدي إلى أن يكتسحوا البلاد وتهدد وجودها كدولة يهودية.
وتقول إسرائيل إن القدس بكاملها هي عاصمتها، بينما يقول الفلسطينيون إن القدس الشرقية هي عاصمة دولتهم الفلسطينية المستقبلية.
وتعد الولايات المتحدة واحدة من حفنة من الدول التي اعترفت بمطالبة إسرائيل بمجمل مدينة القدس عاصمة لها.
وفي حرب عام 1967، احتلت إسرائيل قطاع غزة، وبقيت فيه حتى عام 2005، حيث قامت خلال تلك الفترة ببناء المستوطنات اليهودية.
ورغم أن إسرائيل سحبت قواتها ومستوطنيها من غزة عام 2005، إلا أنها لا تزال تسيطر على مجالها الجوي وحدودها المشتركة وشواطئها. ولا تزال الأمم المتحدة تعتبر المنطقة محتلة من قِبل إسرائيل.
ثم فازت حماس بالانتخابات الفلسطينية الأخيرة في عام 2006، وفي العام التالي سيطرت الحركة على غزة بعدما أطاحت بحركة فتح المنافسة التي يترأسها محمود عباس، ومقرها الضفة الغربية.
ومنذ ذلك الحين، خاضت حماس حروبا عدة مع إسرائيل.
وفرضت إسرائيل، حصارا على قطاع غزة منذ عام 2007، بسبب ما تقول إنه "أمن القطاع".