أجاب الدكتور حسن اليداك، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن سؤال متصلة حول: "هل عدم الزواج بعد وفاة الزوج أو الزوجة يعتبر برا ووفاء؟".
ما حكم من لم يتزوج بعد وفاة زوجته؟
وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال فتوى اليوم الخميس: " تختلف من حالة إلى أخرى، وتعود بشكل كبير إلى سن المرأة والظروف المادية التي تواجهها.. إذا كانت المرأة تحرص على الالتزام بالعهد والاعتناء بالأولاد وتركت الزواج حبًا لزوجها، فهذا يعد موقفًا رفيع المستوى بالنسبة لها.. في الحديث الشريف، لسيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، سمع صوت امرأة تطرق باب الجنة قبله، واستفسر عن هذه المرأة.. قالوا له إنها كانت تقوم برعاية الأيتام بعد وفاة زوجها، مما يوضح أن هذه المرأة النموذجية التي تضحي وتتفانى في رعاية أولادها تحظى بمكانة رفيعة في الجنة".
وتابع: "في بعض الحالات، قد تكون المرأة شابة في السن وتكون لديها ابنة صغيرة أو ابن صغير، ويمكن أن يكون هناك ضغط من الأهل لإجبارها على الزواج مرة أخرى.. في هذه الحالات، ينبغي أن تكون الأولوية لرغبة المرأة نفسها.. هي التي ينبغي أن تتخذ القرار النهائي بشأن ما إذا كانت ستتزوج بعد وفاة زوجها أم لا.. إن الضغط من الأهل أو افتعال المشاكل ليسا أمورًا مقبولة، فالقرار الأخير يجب أن يكون للمرأة نفسها".
وأضاف: "المهم هو رغبة هذه المرأة، هل هي ترغب في الزواج بسبب صغر سنها أو بحثها عن الرعاية لها ولطفلتها؟ هذا هو القرار الذي ينبغي أن تتخذه المرأة التي فقدت زوجها، والذي يعود إليها وحدها".
الكفاءة في الزواج وأثرها على صحته
الكفاءة في الزواج تعني: المساواة، والمماثلة، والمقاربة بين الزوج والزوجة في أمور منها: النسب، والحرية، والديانة (الخلق والتدين)، والحرفة.. إلخ.
والغرض من اعتبار خصال الكفاءة التي منها النسب تحقيق المساواة في أمور اجتماعية من أجل توفير استقرار الحياة الزوجية، وتحقيق السعادة بين الزوجين؛ بحيث لا تُعَيَّر المرأة وأولياؤها بالزوج بحسب العرف، وعلى الرغم من ذلك فإن الفقهاء اختلفوا في تأثير هذه الغاية والغرض بحيث تصبح الكفاءة شرطًا في النكاح على رأيين:
أولهما: ما روي عن سفيان الثوري والحسن البصري وحماد، وابن حزم؛ وهو أن الكفاءة لا مدخل لها في شروط النكاح، فيصح النكاح ويلزم ولو انعدمت الكفاءة؛ قال الإمام البابرتي الحنفي في "العناية شرح الهداية" (3/ 295، ط. دار الفكر): [وكان سفيان الثوري يقول: (لا تعتبر الكفاءة فيه؛ لأن الناس سواسية)] اهـ.
وقال الإمام السرخسي في "المبسوط" (4/ 24، ط. دار المعرفة): [ويحكى عن الكرخي رحمه الله تعالى أنه كان يقول: الأصح عندي أن لا تعتبر الكفاءة في النكاح أصلا] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (7/ 33، ط. مكتبة القاهرة): [اختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط الكفاءة لصحة النكاح؛ فروي عنه أنها شرط له.. وهذا قول سفيان.. والرواية الثانية عن أحمد أنها ليست شرطًا في النكاح. وهذا قول أكثر أهل العلم. روي نحو هذا عن عمر وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز، وعبيد بن عمير وحماد بن أبي سليمان وابن سيرين وابن عون ومالك والشافعي وأصحاب الرأي... ولأن الكفاءة لا تخرج عن كونها حقًّا للمرأة، أو الأولياء، أو لهما، فلم يشترط وجودها.. والصحيح أنها غير مشترطة، وما روي فيها يدل على اعتبارها في الجملة، ولا يلزم منه اشتراطها؛ وذلك لأن للزوجة ولكل واحد من الأولياء فيها حقًّا، ومن لم يرضَ منهم فله الفسخ] اهـ.
ثانيهما: أن الكفاءة شرط معتبرٌ في النكاح، وهو ما عليه جمهور فقهاء المذاهب الأربعة.
وقد استدل الجمهور على اشتراط الكفاءة عمومًا في النكاح بما رواه ابن ماجه والحاكم عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ».
وأيضًا بما أخرجه الدارقطني والبيهقي في سننيهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَنْكِحُوا النِّسَاءَ إِلَّا الْأَكْفَاءَ، وَلَا يُزَوِّجُهُنَّ إِلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا مَهْرَ دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِم».
ووجه الدلالة من الحديثين واضح في اعتبار الكفاءة بين الزوج والزوجة في النكاح، وأنه ينبغي للولي أن يزوج موليته من الأكفاء، لأن فَقْد الكفاءة تصرُّف في حق الغير بغير إذنه وهذا لا يصح؛ قال الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي في "المغني" (7/ 33، ط. مكتبة القاهرة): [ولأن التزويج مع فقد الكفاءة، تصرف في حق من يحدث من الأولياء بغير إذنه، فلم يصح، كما لو زوجها بغير إذنها] اهـ.
وقد استدل من لا يرى الكفاءة في النكاح بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]، وقوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: 3]، وبأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وهي قرشية أن تنكح أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وهو من الموالي؛ قال الإمام ابن حزم في "المحلى" (9/ 151، ط. دار الفكر): [وأهل الإسلام كلهم إخوة لا يحرم على ابنٍ مِن زنجية لِغِيَّةٍ نكاحُ ابنةِ الخليفة الهاشمي، والفاسق الذي بلغ الغاية من الفسق المسلم -ما لم يكن زانيًا- كفء للمسلمة الفاضلة، وكذلك الفاضل المسلم كفء للمسلمة الفاسقة ما لم تكن زانية] اهـ. وفلان لغِيَّة: بالكسر والفتح كلمة تقال في الشتم، كما تقول: لزنية أو لغير رشدة.
وأيضًا بما رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن أبي نضرة قال: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلم فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ؟» قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلم.
قال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (5/ 99، ط. دار الحديث): [قوله: «أَلَا إنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ.. إلخ». هذه مقدمة لنفي فضل البعض على البعض بالحسب والنسب، كما كان في زمن الجاهلية؛ لأنه إذا كان الرب واحدًا وأبو الكل واحدًا، لم يبقَ لدعوى الفضل بغير التقوى موجب، وفي هذا الحديث حصر الفضل في التقوى ونفيه عن غيرها، وأنه لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بها] اهـ.