دائما لم يتوقف الجدل حول النوم الصحي للإنسان، ففي الوقت الذي يقول الكثيرون، إنه بدون راحة كافية للجسم والعقل، لا يستطيع الإنسان البقاء على قيد الحياة، يقول آخرون، إن العظماء لا ينامون كثيرا، وهنا تصبح الحيرة قائمة حول أيهما أدق، وأيهما أكثر صحة، النوم القصير أم الطويل؟، وهذا ما حاولت صحيفة فوكس الألمانية حسمه عبر دراسات عميقة حول تلك المسألة، بل ورصد خريطة النوم الصحية لكل إنسان وفقا لعدة معايير.
الأحمق ينام أكثر من 6 ساعات
ويرصد تقرير الصحيفة الألمانية أكثر الأفكار شيوعا حول النوم، حيث يتباهى المديرون الأقوياء بأنهم ينامون من أربع إلى خمس ساعات فقط ولا يزال بإمكانهم اتخاذ قرارات مهمة، وكما وصف نابليون الذين يستيقظون متأخرين بـ "الأغبياء"، ويقال أيضا إنه قال حرفياً: "الرجل ينام أربع ساعات، والمرأة تنام خمساً، والأحمق ينام أكثر من ست ساعات"، وقد احتفظ لنفسه بحقيقة أنه كان يغفو على السرج في الرحلات الطويلة، بل وينام أثناء المعارك.
ويتناقض الباحثون في مجال النوم بشدة مع هذه التصريحات، فبعد ليلة واحدة فقط مع أقل من ست ساعات من النوم، يكون أدائك أسوأ في اختبارات التركيز، ولكن هناك أيضًا مشاهير يستيقظون متأخرًا، ويقال إن عالم الفيزياء العبقري ألبرت أينشتاين كان ينام من عشر إلى اثنتي عشرة ساعة في الليلة.
لهذا السبب يحتاج الإنسان إلى النوم
بحسب الصحيفة الألمانية، فإن السبب الرئيسي وراء حاجتنا للنوم هو دماغنا، حيث يعمل بأقصى سرعة خلال النهار، ويجب معالجة الانطباعات الحسية والمعلومات المعقدة بشكل مستمر، فبعد حوالي 16 ساعة، يتم استنفاد قدرة الدماغ، ويحتاج إلى النوم حتى تتمكن الخلايا العصبية من التعافي، وتتم عمليات الذاكرة أثناء النوم، ويتم تخزينها مؤقتًا، ولا يتم إعادة تنشيطها إلا عند نفاد المعلومات والانطباعات.
ويمكن للأعضاء والجهاز المناعي أن يتجدد أثناء النوم، كما أن عملية التئام الجروح تتم بشكل أساسي أثناء النوم، وفي الوقت نفسه، يتم منح الجسم الفرصة لإزالة السموم، وهذا يعني أن المنتجات الأيضية التي لا يحتاجها الجسم تفرز بشكل أساسي في الليل.
الحاجة إلى النوم متغير على مدار الحياة
ويبدأ الأطفال حديثي الولادة بنوم حوالي 15 ساعة، وبعضهم 20 ساعة، وكلما تقدمنا في السن، كلما قلت حاجتنا للنوم، وبالنسبة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 عامًا، عادةً ما يكون المتوسط هو سبع إلى ثماني ساعات.
ولكن بحلول الوقت الذي تصل فيه إلى سن التقاعد، تقل حاجتك للنوم بمقدار ساعة أو ساعتين إضافيتين، ومع تقدمنا في السن، نحتاج إلى قدر أقل من النوم، ولكن إيقاع النوم لدى الجميع مختلف.
من الأغلبية.. المستيقظون لفترة قصيرة أو متأخرة
وفي مشروع بحثي ضخم، سأل باحثون من كندا 117 ألف مشارك من 21 دولة متى يذهبون إلى الفراش في المساء ومتى يستيقظون، ويجب عليهم أيضًا الإشارة إلى ما إذا كانوا يأخذون قيلولة وإلى متى، ومن هنا، قام الباحثون بحساب مدة النوم الليلية والإجمالية.
ففي بداية الدراسة، كان عمر المشاركين 50 عامًا في المتوسط، وينام حوالي 43% من إجمالي ست إلى ثماني ساعات يوميًا، و26% من ثماني إلى تسع ساعات، و9.5% ست ساعات أو أقل، فيما احتاج 14% من المشاركين إلى تسع إلى عشر ساعات من النوم، بينما احتاج 7.5% إلى المزيد من النوم.
مخاطر النوم الكثير أو القليل جدًا
وكان الأشخاص الذين ينامون فترات طويلة في الاختبار، في المتوسط، أكبر سنًا قليلاً، وأكثر خمولًا جسديًا، وأكثر اكتئابًا، ويدخنون كثيرًا ويشربون الكحول بشكل ملحوظ أكثر من المشاركين الآخرين، كما أنهم عانوا أكثر من ارتفاع ضغط الدم ومرض الانسداد الرئوي المزمن.
وعلى مدار ما يقرب من ثماني سنوات، لاحظ الباحثون أكثر من 7300 حالة من أمراض القلب والأوعية الدموية لدى الأشخاص الذين ينامون في وقت متأخر للغاية، وقد توفي 4400 مشارك وأصيب عدد مماثل تقريبًا بنوبة قلبية أو سكتة دماغية.
وكان الأشخاص الذين ينامون لفترة قصيرة يتعرضون لحوادث أكثر، مما يشير إلى أنهم لم يحصلوا على راحة كاملة، كما يبدو أن معدل أمراض القلب والأوعية الدموية والوفيات أعلى قليلاً.
وما هو مؤكد هو أن قلة النوم تجعلك سمينًا، والسبب هو وجود خلل في التوازن الهرموني، فإذا لم تحصل على قسط كافٍ من النوم، فلن ينتج جسمك ما يكفي من هرمون اللبتين، الذي يتحكم في الجوع، وفي المقابل، يدخل المزيد من الجريلين، وهو الببتيد المحفز للشهية، إلى المعدة.
وهذه المادة تجعلك تأكل أكثر، ويبدو أن الدراسة تؤكد ذلك من خلال زيادة نسبة الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن ومرضى السكري بين الأشخاص الذين ينامون لفترات قصيرة.
كم من النوم صحي حقا؟
ووجد الباحثون أقل عدد من الأحداث السلبية في المجموعة التي حصلت على ست إلى ثماني ساعات من النوم، فيما أظهرت النتائج أن النوم القليل جدا ليس صحيا، في حين أن النوم المتأخر يميل إلى أن يكون غير صحي، لذلك فالنوم لفترة طويلة على غير العادة قد يخفي مرضًا كامنًا.