هل يتسبب الحسد في وفاة مسلم ؟، الحسد مرض عظيم وداء خطير يصيب الحاسد نفسه فيأخذه الهم والغم؛ بل ربما يجن ويأخذه الخبال أو يقتل نفسه حسدًا لنعمة عند غيره؛ ولذا قال الحسن البصري رحمه الله: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد نفس دائم وحزن لازم وعبرة لا تنفد.
هل يتسبب الحسد فى وفاة مسلم؟
جعل الله عز وجل للموت أسبابًا ومنها العين، وبما أخْرَجَه الْبَزَّار مِنْ حَدِيث جَابِر بِسَنَدٍ حَسَن عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَكْثَر مَنْ يَمُوت مِنْ أُمَّتِي بَعْد قَضَاء اللَّه وَقَدَره بِالْأَنْفُسِ» قَالَ الرَّاوِي: يَعْنِي بِالْعَيْنِ، وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِي الْحَدِيث إِثْبَات الْقَدَر وَصِحَّة أَمْر الْعَيْن وَأَنَّهَا قَوِيَّة الضَّرَر» فتح الباري، وقال المناوي في فيض القدير: «أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين» وفي رواية بالنفس وفسر بالعين.
فالعين حق كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ما رواه مسلم وغيره، وهي من قدر الله تعالى، وقد ثبت في الحلية لأبي نُعيم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العين تُدخل الرجل القبر، وتُدخل الجمل القدر».
هل ممكن أن يموت شخص بسبب الحسد؟
ليرد الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر،ليرد قائلاً: «لأ ميموتش ولا يوصل للحكاية دي».
وتابع علي جمعة أن الحسد لا يصل إلى درجة الوفاة ويمكن الوقاية منه عن طريق قراءة السور الآتية الصمد والفلق والناس.
وقال الدكتور عبدالله سلامة، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى: إنه من الممكن أن يؤدي الحسد إلى الموت.
وأضاف "سلامة"، أن الشخص من الممكن أن يحسد دون أن يشعر، وقال الله تعالى "وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ"، مضيفا: "قد يخرج رجل مع زوجته في مكان عام وينشر صورته على مواقع التواصل الاجتماعي ونرى تاني يوم مشكلة منعرفش ليه حصلت ومش واخدين بالنا أن ممكن يكون السبب هو الحسد".
وتابع: الحسد قد يكون سببًا في الموت، مشيرًا إلى أن الأم قد تدعي على ابنها ثم يحدث له مصيبة فالأم تقول أنا مكنش قصدي ولكنه هذا كان سببا".
وفي جواب: هل يمكن أن تسبب العين أو الحسد الموت؟ أجاب الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، قائلًا خلال حلقة برنامج تليفزيوني،: "قد تؤدى إلى الموت، لكن هل فلان بحسده هو الذى قتل فلان، فالإجابة لا، فالربط بين الموت الحسد لا يجوز على الإطلاق".
وتابع: "لا يجوز الربط بين الموت والحسد، على الإطلاق، فهذا ينشئ عقلية الخرافة، ففى هذه الحالة كل ما يحدث لنا نلصقه بالسحر والحسد، فلما ذكر القرآن الحسد كان الهدف أن تكون نفوسنا بيضاء"، مستكملًا: "علينا أن نتعوذ من الحسد بالفاتحة والمعوذتين وكثرة الذكر، بكثرة الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا نضع الأمر فى بالنا بأن كل ما يحدث لنا هو جراء الحسد وخلافه".
وقالت دار الإفتاء إن الحسد: تَمَنِّي الحاسد زوال النعمة من المحسود؛ جاء في "القاموس المحيط" للفيروزآبادي (ص: 277، ط. مؤسسة الرسالة): [حَسَّدَه: تَمَنَّى أن تَتَحَوَّل إليه نِعمَتُه وفَضيلَته، أو يُسْلَبَهُما] اهـ، موضحة أنه من الأخلاق الذميمة والأمراض المهلكة التي أمر الله تعالى بالاستعاذة منها، قال تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق: 5]؛ ولذا ورد النهي عنه؛ فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا.. ».
وتابعت الإفتاء أنه قد وردت أحاديث في السنة تثبت أَنَّ العين حق ولها تأثير على المعيون -أي: مَن أصيب بالعين-؛ منها ما روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العَيْنُ حَق، وَلَو كَانَ شَيءٌ سَابِقُ القَدَرِ سَبَقَتهُ العَين»، وفي الصحيحين من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمرها أن تسترقي من العين.
قال الإمام النووي في "شرحه على مسلم" (14/ 174، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه إثبات القدر، وهو حق بالنصوص وإجماع أهل السنة.. ومعناه: أَنَّ الأشياء كلها بقدر الله تعالى، ولا تقع إلَّا على حسب ما قَدَّرها الله تعالى، وسبق بها علمه، فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلَّا بقدر الله تعالى، وفيه صحة أمر العين، وأنها قوية الضرر] اهـ.
وقال الإمام ابن حجر في "فتح الباري" (10/ 200، ط. دار المعرفة): [الحق أن الله يخلق عند نظر العائن إليه وإعجابه به إذا شاء ما شاء من ألمٍ أو هلكةٍ، وقد يصرفه قبل وقوعه؛ إمَّا بالاستعاذة، أو بغيرها، وقد يصرفه بعد وقوعه بالرقية] اهـ.
وشددت أن الحسد يضر الحاسد في دينه ودنياه أكثر ممَّا يضر المحسود، فيضره في دينه؛ لأنَّه يجعل الحاسد ساخطًا على قضاء الله كارهًا لنعمته التي قَسَّمَهَا بين عباده، ويضره في دنياه؛ لأنه يجعل الحاسد يتألم بحسده ويتعذب ولا يزال في غم وهم، فيهلك دينه ودنياه من غير فائدة. أما المحسود فلا يقع عليه ضرر في دينه ودنياه؛ لأنَّ النعمة لا تزول عنه بالحسد، بل ما قَدَّره الله تعالى عليه لا حيلة في دفعه، فكل شيء عنده بمقدار.