قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

عبد السلام فاروق يكتب: الأزمة السودانية.. آفاق التسوية السياسية والحسم العسكري 

×

منذ عام مضي تم إجراء مفاوضات بين طرفي النزاع فى السودان فيما عُرف بمحادثات جدة، لكن لم تؤدي المحادثات إلى وقف الحرب. والآن هناك دعاوي لإعادة التفاوض بشأن استقرار الأوضاع فى السودان، تارة من القاهرة وتارة من جدة وتارة من أديس أبابا وتارة من جنيف بسويسرا.

لكن المعضلة الحقيقية تتمثل فى التشرذم وتعقد المشهد السياسي والعسكري فى السودان، ربما بسبب وجود الاشتراطات المسبقة التي تمنع طرفي الصراع من مجرد الموافقة على الجلوس معاً للوصول إلى حل! فهل تنتهي الأزمة السودانية قريباً؟ وإذا انتهت بالجلوس على مائدة مفاوضات فكيف يكون حال السودان بعدها؟
أطراف الظل
الصراع فى السودان بدأ بين رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان وبين نائبه حميدتي قائد الدعم السريع، وسرعان ما استفحلت الحرب وامتدت وتدفقت الأسلحة والذخائر من حدود السودان لتقتل وتشرد آلاف السودانيين حتي وصل عدد النازحين اليوم إلى أكثر من عشرة ملايين سوداني نصفهم من الأطفال!.


فظائع مهولة ارتكبتها قوات الجنجويد فى الغرب والوسط قبل أن تبدأ فى التطلع للتوسع نحو شرق السودان الذي بدأ يستقبل البقية الباقية من النازحين، بعد أن غصت المعابر بالفارين من جحيم الحرب إلى مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا. تلك القوات التي تتبني سياسة الأرض المحروقة ظناً منها أن الشعب السوداني سوف ينسي ويغفر كل تلك الفظائع بعد توقف الحرب.

والحق أن قوات الدعم السريع لا تلتفت للشعب السوداني وإنما اعتمادها كله علي الدعم الخارجي الذي تتلقاه من إسرائيل وأمريكا وحلفائهما. معني هذا أن الولايات المتحدة الأمريكية لها يد فى استمرار الحرب وعدم الوصول لحلول عبر التفاوض.


غير أن الشعب السوداني الأعزل لم يبقَ صفراً فى المعادلة. فمن ناحية استطاع الجيش السوداني استقطابه للمشاركة فى الصراع، وبدأ الشباب السوداني فى التطوع لمساندة قوات الجيش ضد قوات الجنجويد. ومن ناحية بدأت القوي المدنية فى تجميع شتاتها من أجل الضغط لإيقاف الحرب والوصول لحل سياسي يمنع استمرار نزيف الدم.


السيدة مريم الصادق المهدي وزيرة الخارجية السودانية السابقة ظهرت فى لقاء تليفزيوني علي الشاشة المصرية تتحدث عن حراك القوي المدنية فى سعيها للضغط على طرفي الصراع للجلوس على مائدة مفاوضات هدفها إنهاء الحرب، وأن ثمة محادثات رسمية وغير رسمية تمت فى جنيف وفى أديس أبابا للدفع فى هذا الاتجاه، وهناك بوادر استجابة تبدو فى الأفق، ولعل آخرها ما حدث من زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي لمجلس السيادة السوداني برئاسة البرهان، فهل ستتم المفاوضات قريباً؟ وهل تفضي بالفعل لوقف الحرب؟

لا فوز ولا انتصار
مهما كانت نتائج الصراع الدائر فالأكيد أن السودان خسر، والشعب السوداني لم يربح منها شيئاً. وحتي البرهان وحميدتي لا يبدو أنهما سيربحان سياسياً مهما كانت المكاسب العسكرية على الأرض. فهل تحقق الأطراف الخارجية غايتها، وتصبح هي الرابح الوحيد من الحرب؟!.


عجلة الاقتصاد توقفت، فلا زراعة ولا صناعة ولا تجارة خارجية إلا تجارة السلاح! والخدمات تدنت إلى أسوأ حالاتها، والمجاعة زحفت على بعض المناطق التي نكبتها الحرب والتعليم بمراحله متوقف منذ أكثر من 450 يوماً.

رجال الأعمال فى السودان تضرروا لكنهم لم يتخلوا عن شعبهم، ومنهم مَن أوقف بعض أراضيه لاستقبال النازحين. رغم هذا تصر آلة الحرب على هدم المصانع واحتلال باحات المستشفيات والمدارس لتحولها لساحات حرب!.


النازحون رغم فرارهم من جحيم الحرب وويلاتها، إلا أنهم يعانون مرارة الاغتراب ومعها ضغوط جديدة تطاردهم فى أماكن نزوحهم. في مصر مثلاً وبرغم ترحيبها شعباً وحكومة بضيوفها من السودان الشقيق إلا أن ظهور بعض المشاحنات بين مصريين وسودانيين والتي التقفتها وسائل التواصل الاجتماعي أثارت مسألة النازحين السودانيين باعتبارها مشكلة وأزمة تحتاج إلى حل. رغم أنها مجرد حوادث فردية لا تعبر عن حالة مجتمعية رافضة لحركة النزوح. فهل هناك فئات من مصلحتها النفخ فى الكير والصيد فى الماء العكر لأجل مصالح شخصية ضيقة؟ مهما كان الأمر فلا شك أن يقظة المؤسسات الأمنية ووعي الشعب المصري يحولان دون تحول مثل هذه المشاحنات النادرة إلى ظاهرة أو حالة مجتمعية مؤثرة.


الجالية السودانية فى مصر هي جالية قديمة، وهي من أكبر الجاليات، وربما هي الآن الأكبر والأكثر انتشاراً. وهناك مدارس كاملة أنشأها السودانيون لأبنائهم بعد حرمانهم من التعليم لنحو سنتين الآن. هكذا اندمج الشعبين السوداني والمصري وامتزجا. وبينما يري السودانيون أن إقامتهم فى مصر مؤقتة، وفي نيتهم أن يعودوا لمنازلهم وبيوتهم ومزارعهم ومصانعهم ومدارسهم بعد انتهاء الحرب. فهل يعود الشعب السوداني، أم عليه أن يوطن نفسه على حالة طويلة من عدم وضوح الرؤية؟!
مستقبل ضبابي
هناك معضلة تظل قائمة حتي لو نجح أطراف الصراع فى الجلوس معاً لوقف الحرب. هذه المعضلة تتمثل فى أن الحل الوحيد لوقف الحرب يتمثل فى بقاء الوضع العسكري على ما هو عليه، وأن يذهب كل طرف بما كسبه عسكرياً. هكذا سيصبح للسودان حكومتين: حكومة فى الشرق بقيادة البرهان، وحكومة فى الغرب والوسط بقيادة حميدتي. ما يعني أن السودان لن يعود كما كان أبداً، بل ستتغير بنيته الديموغرافية تغيراً جذرياً، وربما لا يتم السماح لأكثر النازحين بالعودة لديارهم التي استولت عليها قوات الجنجويد وأقامت فيها.


إن أحد الشروط المسبقة التي اشترطها البرهان رئيس المجلس السيادي لإجراء المفاوضات تمثلت فى إخلاء البيوت والمباني الخدمية المدنية التي احتلتها قوات الجنجويد ورفضت تركها. فكيف سيكون الوضع سياسياً واجتماعياً فى المناطق التي خضعت لنفوذ الجنجويد؟ وهل سيكون السودانيون هم من يقومون بإعادة إعمار المناطق التي دُمرت أم يتم تسليمها لمؤسسات أجنبية تأتي من الخارج لتضع يدها على المزارع والمناجم والبنوك؟.


مؤتمر القاهرة للقوى السودانية الذي عُقد مؤخراً هو محاولة من بين محاولات عديدة كمحادثات جدة ومفاوضات جنيف وجلسات أديس أبابا، والهدف الوحيد هو وقف الحرب ومحاولة إقناع الأطراف بالجلوس على مائدة مفاوضات عقلانية تضع مصلحة السودان على قمة أولوياتها.


المفاوضات تتعثر ولا تبدو ممكنة فى ظل تعسف الجنجويد ومحاولاتهم لكسب مناطق أكبر عسكرياً وتوسيع نفوذهم أكثر قبل الجلوس لا لتوحيد السودان وإنما لتقسيمها بين حكومتين وجيشين. وأما فترة ما بعد الحرب فى حالة توقفها فهي تبدو فترة ضبابية، وربما لن تخلو من نزاعات ومناوشات، وقد تطول المرحلة الانتقالية بين الحرب واستقرار الوضع السياسي على أساس التقسيم والتدخل الخارجي، وهو ما يعني أن الشعب السوداني سيظل يعاني لفترة أخرى بعد توقف الحرب.
حلم السودان الموحد أصبح حلماً صعب المنال، ليس فقط بسبب تمسك الجنجويد بما استولوا عليه من مناطق وهو ما يفضي لتقسيم السودان، لكن لأن القوى المدنية نفسها منقسمة متشرذمة متعددة الانتماءات، وهى حالة كانت موجودة قديماً فى السودان واتسع نطاقها وأثرها أثناء فترة الحرب، بحيث ظهرت عدة حركات مسلحة جديدة، وعدة اتجاهات مدنية يمينية ويسارية متناقضة يعادى بعضها بعضاً، بما ينذر بصعوبة توحيد السودان مستقبلاً.


قلوبنا مع السودان الشقيق، نتمني للحرب أن تهدأ، وللسودان أن يعود موحداً قوياً، وللشعب السوداني الطيب المكافح أن يصمد فى وجه الأيادي الخارجية العابثة بمقدراته.