"الظلم موجود بوفرة.. ولكن الشر لا يمكن أبدا أن ينجح على المدى الطويل" هكذا قال الحكيم بتاح حُتب عن الظلم فالظلم من أهم أسباب هلاك الأمم والشعوب والدول والحضارات، وله مفهوم شامل يؤدي إلى فقدان التوازن في مجالات الحياة كافة وفي علاقة الإنسان مع نفسه ومع الله ومع غيره، وعن هذا تنبثق ظواهر نفسية واجتماعية واقتصادية مرضية وتصورات فاسدة عن الوجود كله، فيعم الفساد علي الحياة الإنسانية بأسرها.
فجميعنا نعلم ان القدماء المصريين برعوا في نقل تاريخهم وحضارتهم وأدق تفاصيل الحياة الفرعونية القديمة ولم تترك جانب إلا ودونته من خلال جدران المعابد الفرعونية وأوراق الباردى ، ولم تترك حتي جانب الحكمة وأقوال الحكماء من الحكم والأقوال المأثورة فقد حملت لنا نفحات من الحكمة التى تميزوا بها وتناقلوها بين مختلف الأجيال، حيث لم تترك أقوالهم المأثورة جانبا إلا وتحدثت عنه من العلم إلى الثروة والمرأة وغيرها.
وتناولت موضوعات عديدة، عن الحكمة حيث تحدثت إحداها للحكيم كاجمنى عن دور المرأة فى المجتمع وقالت: "علموا المرأة يتعلم الرجل.. ويتعلم الشعب"، وعن أهمية النصيحة قال كاجمنى: "من السهل أن ينصح الإنسان غيره ومن الصعب أن ينصح نفسه".
ولا تتحدث إلا عندما يكون لديك شىء يستحق أن تقوله"، وعن الشائعات قال: "لا تردد الشائعات ولا تستمع إليها"، وقال أيضا: "من لديه قلب كبير لديه هبة من الله"، وعن الضمير قال: "الضمير المطمئن خير وسادة للراحة".
لم تقف حكمة قدماء المصريين عند هذا الحد بل تحدث بتاح حتب أيضا عن الاجتهاد والعمل وقال: "كن مجتهدا فى كل وقت.. افعل أكثر مما هو مطلوب منك.. لا تضيع وقتك إذا كان فى إمكانك أن تعمل"، ومن تعاليم خيتى بن دوواف لابنه بيبى عن القناعة: "كن قنوعا بطعامك.. إذا كان يكفيك ثلاثة أرغفة وشرب قدحين من الجعة.. فإذا لم يكن بطنك اكتفى بعد فحاربه".
وتصدرت حكمة بتاح حتب المدونات في العصر الحديث والذى كان مسئول مصرى قديم عاش فى أواخر القرن الـ25 قبل الميلاد، وكنا قد تحدثنا عنه في مقال سابق وكان يعمل وزيرا فى عهد جد كا رع مؤسس الأسرة الخامسة، وله كتاب شهير عن "الأخلاق والسلوك الحسن"، وكل هذه الحكمة والأقوال المأثورة من الروائع المصرية القديمة فى "أدب الحكمة" التى تهتم بالأخلاق الحميدة وتحس علي المساواة وانتشار العدل والعدالة بين الناس علي مستوي جوانب الحياة الا انه يثار من حين لآخر جدل حول الحضارة المصرية الفرعونية القديمة ويردد البعض أنها قائمة على الظلم والسخرة وعدم العدل، لكن للأسف كل هذه الأقاويل بعيدة عن الحقيقة والتاريخ يشهد علي ذلك .
وبعيدًا عن التناول المعروف لديانة التوحيد في عصر إخناتون سوف نتناول باختصار شديد مفهوم العدل والعدالة البيئية عند المصريين القدماء لأهميتها، حيث نجد أن ماعت هي رمز العدل عند المصريين القدماء وهي على شكل ميزان، ويوجد ملكان أحدهما يحسب الحسنات والآخر السيئات.
وقد نشر المصريون القدماء رمز الميزان في جميع محاكم مصر القديمة ثم انتقل هذا الشعار فيما بعد لجميع أنحاء العالم، في العصر الحديث نقلًا عن الحضارة المصرية القديمة، فمصر القديمة هي التي علمت العالم مفهوم وأهمية العدل والعدالة البيئية.
وفكرة العدالة في مصر القديمة مرتبطة بنشأة الدولة نفسها و يظهر ذلك من خلال خطاب تكليف الوزير الأعظم بمهام وظيفته، حيث تشير إلى ضرورة الالتزام بالقانون (عليك أن تطمئن بأن كل شيء يجري وفقا للقانون) .
كما ان هناك المنظور البيئي الشامل لقضية العدالة؛ حيث يتناول الكثيرون العدالة من منظور العدالة الاجتماعية والاقتصادية فقط، ولكن المنظور الشامل للعدالة من خلال الاطلاع والبحث علي التاريخ الفرعوني فلم أجده سوى في حضارة المصريين القدماء وفي الإسلام، فمثلاً النصوص القديمة للمصريين تقول: "صنعت مياه الفيضان لكي يكون للفقير فيها حق كالعظيم"، وكان المصري القديم يقسم (لم ألوث نهر النيل طوال حياتي).
ويقول المصريون القدماء عن الهواء (لقد صنعت الرياح لكي يتنفس منها الإنسان.. وكل إنسان طوال حياته ويحافظ عليها)، ويقول حاكم مصر القديمة (لقد أعطيت الأرامل أولًا ثم اليتيم وأعطيت الفقير قبل العظيم ولم أميز الرجل العظيم ولم أقس على الفقير ولم أخسر الميزان ولم أجمع الضرائب في السنين المجدبة التي يشح فيها الفيضان).
وكانت هذه هي العدالة البيئية في مصر الفرعونية القديمة بمفهومها الشامل عند المصريين القدماء من آلاف السنوات من خلال ما دونه الحكماء على جدران المعابد واوراق البردى تحث فيه علي نشر العدالة وعدم الكذب و الظلم لانها لا تستمر مهما طال الوقت وهذا لا يتعارض مع المبادئ الأساسية لجميع الأديان، ولذلك مصر حضارة متفردة فرعونية عربية إسلامية.. تجمع بشكل فريد بين عدة حضارات، تهتم بالعدالة الاجتماعية والقضاء علي الظلم لذلك كانت أهم وأعظم حضارة في العالم .