قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

منال الشرقاوي تكتب : صدى الستينيات في السينما المصرية

×

في الستينيات من القرن الماضي، شهدت مصر مرحلة حافلة بالاضطراب والنهضة، لتصبح تلك الحقبة بمثابة "العصر الذهبي للسينما"، والذي تداخلت فيه التحولات الاجتماعية والسياسية مع أروقة الفن السينمائي.

في هذا الوقت، وتحت قيادة الرئيس جمال عبد الناصر، لم تكن السينما مجرد تسلية، بل تحولت إلى منبر يعكس الروح الثورية والتغيرات الجذرية التي كانت تجتاح مصر آنذاك، ففي هذه الفترة، كانت القاهرة تعيش في أوج جمالها الفني، وتألقت كمنارة لصناعة الأفلام في العالم العربي.

تأميم قناة السويس في 1956، وبناء السد العالي، كانت لحظات فارقة لم تقتصر على التأثير السياسي فقط، بل امتدت لتترك بصماتها على الذاكرة الجمعية للشعب المصري. هذه الأحداث أرست أسسًا لعصر جديد من الاستقلالية والسيادة، متزامنةً مع التحولات الداخلية المعقدة ، وهو ما انعكس بشكل جلي في الأعمال السينمائية التي شهدتها تلك الفترة.

في خضم هذه التحولات، لعبت السينما دورًا محوريًا في تجسيد الطموحات والآمال المصرية. الأفلام في الستينيات لم تكن مجرد وسائل ترفيهية، بل منابر لنقل الواقع وتفسيره ونقده. الأفلام مثل "بداية ونهاية" (1960)، "في بيتنا رجل" (1961) والذي يحكي قصة شاب مصري ينخرط في المقاومة ضد المستعمر ثم يختبئ في منزل عائلة صديقه، مما يشعل توترات سياسية واجتماعية، ويكشف عن الصراع بين الوطنية والخيانة، فيلم "موعد في البرج" (1962) والذي جاءت مشاهده في "برج القاهرة" الذي تم افتتاحه في عام 1961 لتكون أحداثه والصور به خير دعاية للتطور السياحي الذي تشهده مصر، فيلم "الحقيقة العارية" (1963) والذي وثق بناء السد العالي في صورة درامية.

فيلم "الباب المفتوح" (1963) والذي يُجسد البعد السياسي من خلال خلفية أحداثه التي تدور في فترة ما بعد ثورة 1952 في مصر، حيث تعكس القصة روح التغيير والتحرر الوطني والاجتماعي، فالفيلم يستعرض تأثير الثورة على الفرد والمجتمع، مسلطًا الضوء على التوجهات الجديدة نحو الحرية والمساواة، والتي تتجسد في نضال البطلة لتحقيق استقلالها الشخصي في مجتمع يمر بمرحلة انتقالية سياسية واجتماعية، والكثير من الأفلام -لا يتسع المقال- لرصدها، والتي تجسد الجودة الفنية والرسائل العميقة التي ميزت تلك الفترة، معبرة عن القضايا الاجتماعية والسياسية بجرأة وصدق، فالرقابة الحكومية، رغم شدتها، لم تخنق الإبداع، بل أشعلت جذوة التحدي لدى الفنانين. الدعم الحكومي للسينما كان له دور مزدوج، حيث وجه الإنتاج نحو أهداف تعليمية ووطنية، بينما حافظ على جرأة فنية تميزت بها تلك الحقبة.

الانتقال إلى الأفلام الملونة وتطور تقنيات الإنتاج شكّل ثورة موازية في العرض السينمائي، ما أتاح للمخرجين والمصورين فرصًا جديدة للتعبير الفني، مما سمح بإنتاج أفلام تتسم بالغنى البصري والعمق الدرامي، فجاء فيلم "الناصر صلاح الدين" (1963) ليكون نقلة نوعية في السينما المصرية، حيث تجسدت من خلاله العظمة التاريخية والبطولات الملحمية في مشاهد تخطف الأبصار بألوانها الزاهية وتفاصيلها الدقيقة، ليصبح رمزًا للإبداع الفني والتقني الذي استنار به صانعو الأفلام وألهموا به أجيالًا من المبدعين، مستندين إلى مزيج فريد من الفن الراقي والرسالة الوطنية العميقة.

الستينيات كانت فترة خصبة، شهدت تماهي الفن مع الحياة، حيث أزالت الحواجز بين الواقع والإبداع، لتظل آثار تلك الحقبة مرئية حتى اليوم، محفورة في ذاكرة الفن والتاريخ. الإنتاج السينمائي الذي زخرت به الستينيات لم يقتصر على نقل الأحداث، بل أخذ على عاتقه مهمة تفسير هذه الأحداث ونقدها، فلم تكن مجرد عقد من الزمان بل كانت مسرحًا لتلاقي الفن والتاريخ. دراسة سينما هذه الفترة تكشف كيف تمكن الفنانون من نقل تجاربهم ورؤاهم تحت ظلال التحديات الكبرى. السينما المصرية، بعبقريتها وتعقيداتها، تقدم درسًا في كيفية تفاعل الفن مع الزمان والمكان، تاركة إرثًا يستحق الاحتفاء والدراسة.

في هذه الحقبة، لم يكن الفن مجرد إنتاج كمي، بل كان إبداعًا يتجدد ويطور أساليبه، مما جعل مصر تحتل مكانة مرموقة. بهذا الازدهار، لم تكن الستينيات مجرد جزء من هذا العصر الذهبي، بل كانت حقبة شكلت هوية السينما المصرية وجعلتها محطة أساسية في مسار الفن السابع العربي.
وللحديث بقية، مع سلسلة مقالات صدى الستينيات في السينما المصرية.