بين الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية حكم استخدام العطور للمرأة في الحر عند الخروج من المنزل، موضحًا أنَّ العديد من الفتاوى التي صدرت من دار الإفتاء لا تمنع من هذا الأمر، ما دام غير لافت للأنظار وفي حيِّز المقبول والاعتدال فلا مانع منه.
وضع المرأة العطور عند ذهابها للمسجد
يجوز للمرأة وضع العطر عند ذهابها للمسجد بشرط أمن الفتنة؛ حيث جاء القرآن الكريم بأخذ الزينة عند كل مسجد سواء للرجال أو النساء، وجاءت السنة النبوية التقريرية بخروج النساء إلى الصلاة بقلائد عطرهن.
وأما أحاديثُ النهي عن خروج المرأة إلى المسجد متعطرة فالمراد بها: النهيُ عن تعطرها بالعطر النفّاذ الزائد عن الحد الذي تقصد به الشهرة، أو لفت النظر إليها؛ فإن ذلك حرام، سواء فعلت ذلك بالعطر أو بغيره من وسائل الزينة التي تلفت الأنظار، والاختلاف بين الفقهاء بين التحريم والكراهة والإباحة ليس حقيقيًّا؛ فالتحريمُ عند قصد الإغواء مع تحقق الفتنة أو ظنها، والكراهة عند خشيتها، والإباحة عند أمنها، والاستحباب عند الحاجة إلى الطيب لقطع الرائحة الكريهة ونحو ذلك.
وأما الأحاديث الواردة في عدم قبول صلاتها فإنما هي في حالة التحريم، وهي محمولةٌ على نفي الكمال لا على نفي الصحة؛ أي: أنَّ صلاتها صحيحة، لكنها غير كاملة الأجر، وكذلك الحال في أمرها بالاغتسال: إنما هو لإزالة أثر العطر النَّفَّاذ، وليس المقصودُ بذلك الجنابة الحقيقية أو رفع الحدث عن المرأة.
استخدام الكحول في العطور وأدوات التجميل
وقالت الإفتاء إنه يجوز شرعًا استعمال الكحول في العطور وغيرها من المنتجات ذات الاستخدامات النافعة؛ لأن الكحول بمجرده ليس خمرًا، فلا يكون نجسًا، وهذا ما تقتضيه قواعد المذهب الشافعي وبقية المذاهب الفقهية.
وبينت أن الصحة لغةً: ضد السقم، وهي: ذهاب المرض. والصحة في البدن: حالة طبيعية تجري أفعاله معها على المجرى الطبيعي، وقد استعيرت الصحة للمعاني، والصحيح الحق: وهو خلاف الباطل.
واصطلاحًا ذهب الجمهور إلى أنها: عبارة عما وافق الشرع وجب القضاء أو لم يجب، ويشمل عندهم العبادات والعقود.
وذهب الحنفية إلى أن الصحة في العبادات موافقةُ أمر الشارع على وجهٍ يندفع به القضاء، وفي المعاملات ترتب أثرها، وعند الفقهاء: الصحيح في العبادات والمعاملات ما اجتمع أركانه وشرائطه حتى يكون معتبرًا في حق الحكم.
والصحيح الذي تقتضيه قواعد المذهب الشافعي، بل وبقية المذاهب الفقهية المتبوعة أيضًا أن الكحول في نفسه ليس نجسًا، وأنه يجوز استعماله في العطور والمنظفات والأدوية وغير ذلك من الاستخدامات النافعة، وأن الإنسان إذا صلَّى وهو متعطر به فصلاته صحيحة؛ وذلك لِمَا يأتي:
1- من المقرر شرعًا أن الأصل في الأعيان الطهارة، ومع أنه يحرم شرب الكحول لكن لا يلزم من كون الشيء محرمًا أن يكون نجسًا؛ لأن التنجيس حكم شرعي لا بد له من دليل مستقل، فإن المخدرات والسموم القاتلة محرَّمة مع كونها طاهرة؛ لأنه لا دليل على نجاستها، ولذلك كان من الضوابط الفقهية أن النجاسة يلازمها التحريم، والتحريم لا يستلزم النجاسة؛ فكل نجسٍ محرَّمٌ، ولا عكس.
2- الشافعية يجعلون إطلاق الخمر حقيقةً على ما اتُّخِذ للإسكار من عصير العنب، ويشترطون لنجاسته كونَه ذا شدة مطربة، بينما يشترط الحنفية أن يقذف بالزَّبَدِ، ثم ألحق الشافعية ما في معناه مما اتُّخِذ للإسكار من غير عصير العنب وكان ذا شدة مطربة، وألحقوه بالخمر المتَّخذ من عصير العنب في التحريم والنجاسة، أما الحنفية فيرون أن ما أسكر من غير عصير العنب ليس نجسًا وإن كان حرامًا من جهة التناول.
وعلى ذلك فالكحول في نفسه ليس بخمر حتى يكون نجسًا نجاسة العين، ولا هو من الأشربة المسكرة غير الخمر التي اختلفوا في نجاستها وطهارتها، بل هو مادة سامة مثل سائر السموم، وليس من شأنها أن تشرب في الأحوال العادية بقصد الإسكار، وإنما حرم تناول السم؛ لأنه مهلك وضار، فالكحول طاهر كطهارة الحشيش والأفيون وكلٌّ ضار.
3- مادة الكحول الصرفة ليست شرابًا، ولا من شأنها أن تُشرَب، ولا يلزم من كونها سائلةً أن تكون نجسةً، فإن المعتمد عند الشافعية أن كل شراب مسكر فهو نجس، ويعنون بكل شراب مسكر ما كان ذا شدة مطربة، ولم يعبروا بكل سائلٍ إشارةً إلى أن مجرد كونه سائلًا مسكرًا لا يكفي في الحكم بنجاسته، بل لا بد أن يكون شرابًا؛ أي من شأنه أن يُشرَب، لا مجرد كونه على حالة سائلة، وهو ما يُفهَم أيضًا من تعبيرهم بالاعتصار وهو افتعال من العصر، ومن تعبيرهم بالأنبذة التي هي جمع نبيذ؛ وهو الماء الذي يُنتبَذُ فيه أي يُطرَح ويُلقَى ما يهيئُه للشرب.
4- الأصل أن المسكر المحرم في النصوص الشرعية هو المسكر المتعارف شربه، وأما ما لا يمكن شربه صرفًا كالكحول فلا تشمله النصوص حتى يدل على ذلك دليل مستقل، خاصة أنه لم يكن موجودًا بانفراده في زمن التشريع، وإنما يحرم تناوله للضرر.
5- النجاسة مسألة شرعيٌّة وليست حقيقة كيميائية، بمعنى أن كون الخمر نجسة إنما يُعلَم عن طريق الشرع، وكون الكحول هو العنصر المسبب للإسكار في الخمر هو حقيقة التحليل الكيميائي، ولا يلزم من هذه الحقيقة بمجردها أن يكون الكحول نجسًا أو حرامًا عند انفراده في سائل آخر غير الخمر؛ لأنه لا يلزم من نجاسةِ مُركَّبٍ نجاسةُ بسائطه؛ فإن النجاسات المجمع عليها كَبَول الإنسان وغائطه مركبة من عناصر كيماوية قد توجد في الأشياء الطاهرة، بل في الطعام والشراب؛ وإنما جاءت النجاسة وحصل الاستقذار من التركيب المخصوص بالنسب المخصوصة. والتخمر إنما يحصل عند وجود مادة سكرية في العين، وإلا فلا يمكن التخمر مهما طال المكث كالحنظل.
والتخمر هو عبارة عن استحالة المادة السكرية إلى الكحول وحمض الكربونيك فيصير الشراب المتخمر حينئذٍ مسكِرًا بسبب هذا الكحول، والكحول بانفراده لا يسكر، لكنه يؤذي؛ فإذا شُرِبَ صِرفًا فإما أن يقع شاربُه في سبات وإما أن يذهب عقله، فإذا أريد تحويلُه للإسكار مُزِجَ بثلاثة أمثاله ماءً ثم استُقطِر فيصير عندها خمرًا؛ ففي خلط الماء بها دخلٌ في تحقق صفة الإسكار، والمنشئ لتنوع المسكرات إنما هو اختلاف مراتب السكر الحاصل من نسبة مزج الماء بالكحول زيادة ونقصانًا؛ فالعرق يشتمل على الكحول بنسبة 40% فصاعدًا، وبقية الخمور مشتملة عليه بنسبة 10%، والفقاع المتخذ من الشعير مشتمل على نسبة 5% وهكذا، والكحول بنفسه مادة سمِّيَّة وهو لا يؤثر وصف الإسكار بالفعل حتى يُمزج بمقدار من الماء.
6- ولَمّا عبَّر الإمام النووي في "المنهاج" عن النجاسة بقوله: هي كل مسكر مائع، استشكل بعض الشافعية التقييد بالمائع؛ موردًا بعض الموائع التي هي مسكرة ولكنها ليست نجسة كالحشيش المائع، والمجيبون عن الإمام النووي فسروا قوله: مائع بكونه ذا شدة مُطربة، فاتفق المعترض والرادُّ على أنه ليس كل سائل مسكر يكون نجسًا، وأنَّ شرط نجاسة السائل المسكر أن يكون ذا شدة مطربة، على أن الإمام النووي عاد في "باب الأشربة" من "المنهاج" فعبر بقوله: [كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُه وَحُدَّ شَارِبُه] اهـ.
7- من المقرر أنَّ الشيء إذا تغيرت حقيقتُه وتبدل وصفُه إلى شيء آخر تغير حكمه تبعًا لذلك، فالنجاسة مثلًا لا تبقى نجاسة إذا وقعت في ماء كثير ولم تغير لونَه أو طعمَه أو رائحتَه، والكحول إذا مزج بالعطر أو الدواء أو المنظفات زال وصف خمريته على فرض ثبوتها، وذلك كالخمرة التي استحالت بنفسها وصارت خلًّا فإنها تكون طاهرة شرعًا حتى لو وجد الكيميائيون فيها شيئًا أو نسبة من الكحول وذلك باتفاق العلماء.
8- والشافعية يُعرِّفون النجاسة بأنها: مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلاةِ حَيْثُ لا مُرَخِّصَ، والكحول ليس مستقذَرًا في نفسه، بل هو منظِّف طبعي يزيل ما لا يزيله الماء مع الصابون من الأقذار والنجاسات، وهو أيضًا داخل في بعض العطور والتركيبات الدوائية، فهي مادة مُعَدَّةٌ للتطهير والتطيب، ودعوى أن هذه العطور المستطابة في رائحتها من النجاسات هو أمر مخالف للحس والطبع، والعطر والطِّيب لا يُسمَّى خمرًا لا في اللغة ولا في العرف ولا في الاستعمال، والاستعمال الشاذ بتناوله وشربه لا يخرجه عن كونه عطرًا وطِيبًا.