تضع الحكومة المصرية قضية الزيادة السكانية على رأس أولوياتها لما تمثله من تحد كبير أمام الدولة لتحقيق أهدافها التنموية، ورؤيتها بشأن الجمهورية الجديدة، حيث تأتي مصر في المرتبة الأولى عربيًا من حيث عدد السكان، والثالثة أفريقيًا، والرابعة عشرة عالميًا.
أعداد المصريين في المستقبل
كشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، في تقرير له، عن مؤشرات وأرقام مهمة حول أعداد المصريين في المستقبل حتى عام 2072.
وأعد الجهاز التقديرات المستقبلية للسكان المبنية على أسس علمية دقيقة، نظرًا لأهميتها في تخطيط القطاعات الخدمية المختلفة "التعليم – القوى العاملة – الصحة- البنية التحتية – الإسكان"، والتي تعتـبر أيضا ركيزة أساسية في رسم السياسات السكانية وبرامج تنظيم الأسرة والصحة الإنـجابية، إلى جانب الاعتماد عليها في وضع الخطط والبرامج التنموية فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والديموجرافية.
وأكد الجهاز في تقريره أن وجود تقديرات مستقبلية للسكان مبنية على أسس علمية دقيقة، يساهم في حساب العديد من المؤشرات والأدلة التي تعكس مدى تقدم الدولة في تحقيق أهدافها التنموية على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، والتي تتمثل في الاستراتيجيات القومية والدولية، مثل رؤية مصر 2030، 2030، وتمنح الفرصة للباحثين والأكاديميين مزيد من الدراسات في المجالات المختلفة التي ترتبط بالتعرف على اتجاهات نمو السكان وخصائصهم في المستقبل، وانعكاسات ذلك على الجوانب التنموية المختلفة.
وأوضح جهاز الإحصاء، أن الإصدار الحالي للإسقاطات السكانية يعتمد على العمر والنوع وفقًا للمعطيات الأساسية للتعداد العام للسكان لعام 2017، وبالاسترشـاد بالاستراتيجية القومية للسـكان والتنمية 2023- 2030، وعلى ضوء أحدث نتائج المسـوح السكانية الصـحية "المسح الصحي للأسرة المصرية 2021"، وكذلك آخذًا في الاعتبار تأثير الأحداث الاستثنائية التي مر بها المجتمع المصري والذى نتج عنها تذبذبات في مستويات الوفيات الناتجة عن فيروس كورونا المستجد والذي كانت بداية ظهوره في مصر عام 2020
ووفقا للتقرير، جاءت التوقعات المستقبلية لأعداد سكان مصر في المستقبل ومعدلات النمو السكانى والإنجاب، متمثلة في:
أولًا: معدل الإنجاب
- الفرض المنخفض، يقوم على سرعة تناقص مستويات الإنجاب وبالتالى الوصول إلى معدل الإحلال (2.1) مولود لكل سيدة في عام (2032).
- الفرض المتوسط، يشير إلى أن معدل الإحلال (2.1) يمكن أن يتحقق في عام (2042).
- الفرض المرتفع، يشير إلى أن معدل الإحلال (2.1) يمكن أن يتحقق في عام (2052).
- الفرض الثابت، يشير إلى ثبات معدل الإنجاب عند 2.76 مولود لكل سيدة خلال فترة التقدير (2022-2072).
ثانيًا: أعداد السكان
تشير النتائج إلى أنه من المقدر أن يصل عدد السكان في عام 2032 طبقًا للفرض المنخفض، إلى 117.8 مليون نسمة، مقابل 120.9 في حالة الفرض الثابت، بفارق 3.1 مليون نسمة، بينما يزداد هذا الفارق إلى ما يقارب 20 مليون نسمة في عام 2052، و54 مليون نسمة في عام 2072، وعلى أساس الفرض المتوسط، توضح نتائج الإسقاطات إلى أنه من المتوقع:
كما تشير النتائج إلى وصول عدد السكان إلى 119.3 مليون نسمة عام 2032، وإلى 146.3 مليون نسمة عام 2052، ثم إلى 159.8 عام 2072، أي زيادة تقدر بحوالى 56.2 مليون نسمة خلال 50 عامًا، وهو ما يشير إلى استمرار الزيادة في حجم السكان خلال فترة الإسقاط مدفوعة بقوة الدفع الذاتي للسكان، ولكن هذه الزيادة سوف تكون متناقصة، نتيجة لتباطؤ وتـيرة النمو السكاني.
وبحسب التقرير فسيكون هناك استمرار في انخفاض معدل المواليد الخام من 21.3 لكل ألف من السكان عام 2022، ليصل إلى 11 لكل ألف من السكان عام 2072، بينما على العكس تزيد قيمة معدل الوفاة الخام من 5.6 عام 2022 إلى 9.1 لكل ألف من السكان عام 2072، نتيجة للتغيرات في التركيب العمرى وتزايد أعداد السكان في فئات السن الكبيرة.
والانخفاض التدريجي في معدلات النمو السنوية للسكان من 1.5 % خلال الفترة (2022-2027)، إلى 0.2 % خلال الفترة (2067 - 2072)، وهو ما يشير إلى أن فترة تضاعف عدد السكان في المستقبل، لن تقل عن 47 سنة.
وأشار التقرير إلى تناقص نسبة السكان في فئة العمر (0 - 14سنة) خلال فترة التقدير، حيث تنخفض من 32.6% عام 2022، إلى 26.2%، وإلى 21.5% في عامى 2032 و 2052 على التوالي، وصولًا إلى 17.2% عام 2072، مما يؤكد فرص مصر في الاستفادة من الفرصة الديموجرافية.
وترتفع نسبة السكان في سن العمل (64-15 سنة) من 62.1% عام 2022، إلى 66.6% عام 2032، ويتوقع أن يحدث انخفاض بسيط لتصل هذه النسبة إلى 66.5% عام 2052، ثم إلى 65.3% عام 2072، وهو ما يدعم التحول لتحقيق العائد الديموجرافى إذا ما طبقت السياسات الاقتصادية المناسبة.
ويتوقع التقرير تزايد حجم السيدات في سن الإنجاب (49-15 سنة) خلال فترة الإسقاط، حيث سيرتفع العدد من 25.5 مليون سيدة عام 2022، إلى 31.1 مليون، ثم إلى 34.0 مليون، ثم إلى 36.2 مليون، ثم إلى 37.0 مليون، في الأعوام 2032 و2042 و2052 و2062، على التوالي، ثم يبدأ في الانخفاض بعد عام 2062 ليصل إلى 35.5 مليون عام 2072.
كما يتوقع أيضا، أن نسبة السيدات في سن الإنجاب إلى إجمالي حجم السكان سوف تبدأ في الانخفاض بعد عام 2032، حيث ستبلغ 26.1% عام 2032، وتتراجع إلى 24.7% عام 2052، ثم تواصل الانخفاض إلى 22.2% عام 2072.
وأشار التقرير إلى ارتفاع مستمر في متوسط العمر المتوقع عند الميلاد لكل من الذكور والإناث خلال الفترة (2072-2022) بفارق 5 سنوات (في المتوسط) لصالح الإناث طوال فترة الاسقاط، حيث يتوقع أن يرتفع من 68.4 سنـة للذكور عام 2022، إلى 77.9 سنة عام 2072، وللإناث من 73.4 سنة عام 2022، إلى 82.9 سنة عام 2072، وهو ما يعد ارتفاعًا بحوالي 10 سنوات في متوسط العمر المتوقع لكل منهما.
ويوضح التقرير إلى زيادة فئة كبار السن فوق (65+) عامًا، من حيث الأعداد وكنسبة من إجمالي السكان، حيث تزيد أعدادهم بسرعة أكبر من عدد السكان الذين تقل أعمارهم عن ذلك العمر، ونتيجة لذلك من المتوقع أن ترتفع نسبة السكان الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فأكثر من 5% عام 2022، إلى 18% عام 2072، وهو ما يمثل زيادة نسبتهم بأكثر من ثلاث مرات تقريبًا، كما سيكون عدد كبار السن (65 سنة فأكثر) عام 2072 ثلاث أضعاف عدد الأطفال دون سن الخامسة، وهو ما يتطلب مزيد من الاهتمام بهذه الفئة وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية المناسبة لهم.
مصر والزيادة السكانية
تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي، في يناير 2023 عن تأثير الزيادة السكانية، قائلا: "بتلوموني وتلوموا الحكومة، أنتو بتتكلموا في زيادة 2 مليون، طب في 10 سنين 20 مليون، طب إحنا مواردنا زادت أولا علشان تكفي قبل الـ20 مليون، طب لما ييجوا مش لهم طلبات في كل شيء، أغذية ومدارس ومستشفيات ووظائف".
قال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في شهر يوليو ٢٠٢٣ خلال كلمته التي ألقاها بمؤتمر صحفي من مقر العاصمة الإدارية الجديدة، إننمو الاقتصاد المصري سيكون مرتبطا خلال الفترة القادمة بمعدل النمو السكاني الذي يحدث، مشيراً إلى أن الدولة المصرية هي دولة شابة وتنمو في كل عام 2 مليون نسمة.
وقال مدبولي إنه لو لم يحدث زيادة سكانية في مصر، كان الوضع سيكون أفضل، و أن مصر تواجه تحدي الزيادة السكانية، ولكن نعمل على زيادة الموارد بما يتواكب مع الزيادة السكانية، ونعمل على القيام بجهد أكبر.
وكذلك أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء في أكتوبر 2022، أن الزيادة السكانية فى مصر تعادل حجم الزيادة السكانية في 27 دولة أوروبية خلال ثلاثين عاما، أما فيما يتعلق بالناتج المحلي فهو لا يفي بالاحتياجات المزايدة للمواطنين ما يتطلب إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام والخاص وزيادة معدلات الإنتاج.
الزيادة السكانية وعمليات التنمية
وقال الدكتور عادل عامر الخبير الاقتصادي، إن الزيادة السكانية إذا لم يقابلـها مشروعات تنموية تغطي حجم هذه الزيادة السكانية، فسوف تتآكل هذه التنمية، حيث إن عمليات التنمية تفقد تأثيرها كلما زاد حجم السكان، والمواطن لن يشعر بأي تنمية تمر بمصر؛ لأن الزيادة في حجم السكان تُدمر هذا الغنجاز سنوياً.
وأضاف عامر - في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن أي مرحلة من مراحل التنمية يجب أن يقابلها عمليات لتنظيم النسل وتوزيع جيد للكتل السكانية على المناطق الاقل سكاناً، لكي يشعر المواطن بآثار التنمية.
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن مواجهة هذه الأزمة يكمن في تنفيذ أمرين في غاية الأهمية ألا وهما؛ ما قامت به الدولة المصرية بالفعل من خلال الامتيازات المادية التي تم منحها للأسر التي تحافظ على انجاب ما لا يتجاوز الطفلين، وثانياً إعادة توزيع السكان على المحافظات الأقل سكاناً بحيث إن تدخل هذه المحافظات في حيز التنمية، وبالتالي تغطي هذه الزيادة والاستفادة من العنصر البشري، فضلاً عن نقلهم لمناطق الجمهورية الجديدة وإقامة المشروعات التنموية بها وتوفير كافة السبل مثل المرافق والمواصلات.
جهود مصرية في ملف الزيادة السكانية
قامت مصر بجهود كبيرة في ملف الزيادة السكانية فقد أطلقت مدن الجيل الرابع عام 2018 للتوسع العمرانى وزيادة المساحة المعمورة وتقليل التكدس وتوزيع الزيادة السكانية الكبيرة بدلا من التمركز في الوادى والدلتا ، وتحديث الخريطة السكانية والعمرانية.
ووصل معدل الإنفاق على المدن من عام 2014 حتى 2022، ما يفوق 45 مليار جنيه فى السنة، حيث تبنت الدولة مخططًا استراتيجيًا للتنمية العمرانية في مصر، يستهدف زيادة مساحة المناطق المعمورة، وإنشاء التجمعات العمرانية والمدن الحضارية، بهدف تخفيف الازدحام عن المدن القديمة، ومجابهة الزيادة السكانية المطردة.
وتم البدء في تنفيذ 14 تجمعًا عمرانيًّا جديدًا في شتى أنحاء الجمهورية (العاصمة الإدارية الجديدة - العلمين الجديدة - المنصورة الجديدة - شرق بورسعيد - ناصر بغرب أسيوط - غرب قنا - الإسماعيلية الجديدة - رفح الجديدة - مدينة ومنتجع الجلالة - الفرافرة الجديدة - العبور الجديدة - توشكى الجديدة - شرق العوينات).
وبلغ إجمالي مساحات هذه التجمعات الجديدة نحو 380 ألف فدان، تمثل 50% من إجمالي مساحات التجمعات العمرانية التي تم تنفيذها خلال الـ40 عاما السابقة، ومن المخطط أن تستوعب التجمعات العمرانية الجديدة، عند اكتمال جميع مراحلها، نحو 14 مليون نسمة، وتوفر حوالى 6 ملايين فرصة عمل دائمة.
ومن أبرز مدن الجيل الرابع العاصمة الإدارية وتصل مساحتها لـ 180 ألف فدان المرحلة الأولى منها بمساحة 40 ألف فدان، وعدد السكان المتوقع 6.5 مليون نسمة، والعلمين الجديدة والمنصورة الجديدة وتوشكى الجديدة وحدائق أكتوبر والعبور الجديدة وغيرها.