كشف الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، عن معنى قول النبي «الحياء خير كله»، موضحًا أن أصدق الحديث كتاب الله، نورٌ أنزله الله على نبينا، وجعله سبحانه هدي للمتقين إلى يوم الدين، وأفضل الكلام هو كلام النبي المصطفى، والحبيب المجتبى ﷺ، تركنا به على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، أمر ونهى، وقربنا من ربنا، وبعثه الله سبحانه وتعالى -كما أخبر عن نفسه- ليتمم مكارم الأخلاق، وقال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». وكان يحب مكارم الأخلاق ويكره سفسافها.
ما معنى قول النبي «الحياء خير كله»؟
وكان ﷺ يقول: «إنما أنا رحمة مهداة». ويصفه ربه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، وجعل الرحمة على قمة الأخلاق التي يدعو إليها، حتى أنزل الله سبحانه وتعالى: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وجعلها في بداية كل سورة من القرآن الكريم سوى التوبة؛ لأنها نزلت بالسيف على أهل الفساد الذين لا يريدون صلاحًا ولا يريدون عبادة.
وأكمل علي جمعة : «رسول الله ﷺ ونحن في شهر المحرم، ففي بداية عام جديد نريد أن نؤسس لأنفسنا منهجًا للأخلاق التي بُعِثَ بها رسول الله ﷺ، نحاول عسى الله أن يوفقنا أن نتخلق بأخلاقه الشريفة المنيفة، فنفوز بخيري الدنيا والآخرة، هيا بنا نستمع إليه في وصاياه حول الأخلاق، ونطبق على أنفسنا، وعلى أهلينا، وعلى مَنْ حولنا، ونبدأ بأنفسنا، ثم بِمَنْ يلينا، وَمَنْ نعول، «ابدأ بنفسك ثم بِمَنْ تعول»، حتى نكون أسوة حسنة، كما كان ﷺ أسوة حسنة للعالمين».
وأضاف : من تلك الأخلاق، أخلاق أساسية اشترك فيها العالم في الدعوة إليها، حتى بدايات هذا العصر النكد، الذي خلقنا الله فيه، فصارت وكأنها مَنْقَصَة، فينبغي عليها أن نتمسك بها، وذلك ما يقوله رسول الله ﷺ حينما يقول: «مما ترك الأنبياء: إذا لم تستح، فاصنع ما شئت»، من كلام الأنبياء الأوائل، الدعوة إلى الحياء، وأن الحياء إذا افتقدته الأمة، وافتقده المجتمع، وافتقده الإنسان مع نفسه، فليصنع ما يشاء، تخيل نفسك تصنع ما تشاء، ستكون مدمرًا لنفسك، وَلِمَنْ حولك، لحياتك ولآخرتك، تخيل سيارة تسير بلا قائد، فتذهب في أي اتجاه كان، فإنها ستصطدم بالإنسان فتقتله، وبالشجر فتدمره، وبكل كائن ومكون، ثم بعد ذلك تنفجر؛ لأنها صارت بلا ضابط، والحياء هو ضابط الإنسان، الذي يجعله عابدًا لربه، معمرًا لكونه، مزكيًا لنفسه، وتخيل أن الحياء قد نزع، فاصنع ما شئت، «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى ؛ إذا لم تستح فاصنع ما شئت». أخرجه البخاري.
جاء أحدهم إلى رسول الله ﷺ يلوم أخاه في الحياء، وأنه حيي، فقال له رسول الله ﷺ: «دعه، فإن الحياء خير كله». كل أنواع الحياء خير، وليس هناك في نفي الحياء خير، بل الشر كل الشر في نفي الحياء.
وأردف: النبي ﷺ قال في شأن الحياء، وهو يقرب إليه عثمان بن عفان: «ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة». مضيفًا: تخيل أن حياء عثمان قد بلغ إلى الغاية، حتى إنه كان حييًّا مع الله، حييًّا مع نفسه، فما بالك مع الخلق، فإن الله غفور، والله معنا في كل وقت وحين، فتخيل أنه حيي في الخلوات، فما بالك بالجلوات، الله يغفر، والإنسان لا يغفر، الله يعلم، والإنسان لا يعلم، لكن هذا الولي التقي سيدنا عثمان، يستحيي من الله في خلواته، حتى استحت منه الملائكة، والملائكة عندها هذا الخلق.
جاءت أم سُلَيْم بنت مِلْحَان رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي أم أنس بن مالك، وكانوا من الأسر التي كانت في خدمة رسول الله ﷺ ، وفي شأن القيام بشأنه عليه الصلاة والسلام، وأم سُلَيْم جاءت والنبي ﷺ عند زوجته أم سلمة، فسألته: ماذا تصنع المرأة يا رسول الله إذا احتلمت؟ قال: «عليها الغسل». واكتفى. أخرجه البخاري تحت باب عنونه بأنه هذا ليس من الأشياء المرفوضة ما دمنا نتعلم، وليس هذا في مقام الحياء، الذي ندعو إليه، إن أصل الحياء الذي يدعو إليه رسول الله، إنما هو في الْعَلَاقة بينك وبين الله، حتى يُفِيض الحياء عليك من نوره، فتكون حييًّا بين الناس، وليس معناه أن نكتم العلم، ولا أن نتعلم، حتى في المواطن التي هي محدودة، تتعلق بالشخص وبحياته وبأسراره وبمكنون نفسه، إلا أن الحياء خير كله.
وجاءت امرأة تسأل عن كيفية التطهر من الحيض، فأجابها النبي ﷺ ، فلم تكتفِ بمقالته، فقام وانصرف، وأخذتها عائشة؛ حتى تعلمها كيف تتطهر من دم الحيض.
وشدد عضو هيئة كبار العلماء: إذن، فالتفتيش قد يصل بنا إلى مرحلة تضاد الحياء، والإجمال قد يكفينا في دين الله، كما وصف لنا رسول الله ﷺ، وتكلم عن كل شيء، وعلمنا كل شيء، بوضوح، وبقلب مفتوح، والصحيح أن نقول: لا حرج في الدين. أما الحياء فهو خير كله