قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

د. هادي التونسي يكتب: مارتن.. قصة في حافلة

×

سبعينية جلست بمفردها في حافلة للسياحة الأوروبية لأيام عبر الحدود، ممتلئة بأزواج من السائحين؛ جلست تترقب بشغف الركاب الصاعدين لترى من فارس الأحلام الذي سيجيء بمفرده في المقعد الشاغر بجانبها، لكن بينما خاب أملها وهي تجد أنه ذلك القصير ذو الخمسة والثمانين ربيعا يجر أرجله نحوها، ويجد صعوبة في البحث عن كلمات ينطقها ببطء، إذا بحاله يتبدل للمفاجأة السعيدة بدفقة شعورية، أشعلت حماسه، وجددت طاقته، فانطلق في حديث مستمر معها لساعات، وكأن سنه عادت للوراء عشرين عاما.. هو يحكي عن نفسه بمرح وروح طفولية، وهي تكتفي بردود قصيرة قاطعة بنغمة معدنية، وكأنها تقصد بأدب أن يفهم أنها غير متجاوبة، لكن حديثه يستمر، وهي وإذ شعرت بأمان أنه لا يتجاوز حدوده لفظا وحركة، وجدت أنها بدلا من التوتر يمكنها ان تتفاعل معه بتلقائية أكبر للتسري في ساعات السفر الطويلة، خاصة وأن المقاعد لا تتغير طوال أيام السفر.

مارتن خلال الرحلة يتواصل مع الجميع بتلقائية، لا يهمه ماذا يعتقدونه عنه، بل أن يكون حرا ويفض وحدته، والركاب من جانبهم يأخذونه على عواهنه، تارة معجبون بمرحه، وتارة غافرون هفوات الشيخوخة، وأصبح محل اهتمام الكثيرين، يحكي عن حياته وأفكاره، حتى سألت إحداهن جارته إن كانت لم تتضايق لإلحاح تواصله، فبدأت في اليوم التالي تصده بأدب أحرجه، فطلب منها أن تغير المقعد إن أرادت، و قد كان.

وسع مارتن من دائرة اتصالاته وهو يشعر بتفاعل الآخرين مع مرحه، وبدأ تدريجيا يحكي قصته؛ هو من أقلية ألمانية العرق عاشت في رومانيا، وخرج منها لاجئا، حتى استقر به المقام في النمسا وعمل موظفا بها. متزوج، وله أبناء وأحفاد، لكن زوجته أصيبت بمرض نفسي طوال خمسين عاما فأبى ألا يتخلى عنها، وأصبح بموافقتها له حبيبة ترعاه بعلانية وقبول مجتمعي، أشبه بعلاقة زواج دون عقد يترتب عليه مسئوليات مالية حين الانفصال، بل طلبت منه الأخيرة ان أحب أخرى ان يبلغها لتفارقه. فتسامح مجتمعهم ييسر الصدق والشعور بالأمان بين الشركاء،هو على مرحه وتلقائيته جاد في تحمل مسئولياته العائلية والعاطفية والمادية، حتى انه كرس بعضا من ماله لنفقات الوفاة لئلا يثقل على أحد من أسرته، وفي نفس الوقت يعلم ان حياته قد تنقضي في أي يوم، فيريد ان يعيش نفسه كاملة بتلقائية ونوعية حتى انه سبق ان سافر مع نفس رحلات الوكالة السياحية خمس عشرة مرة، مارس خلالها ساعات المشي وأنشطة البرامج السياحية طوال ساعات النهار.

هو يحتفل بالحياة ويعيش بصدق ووعي، ورغم مرحه فبداخله شخص جاد ومسئول وحر وواع، يشيع الفرح بين المحيطين، وهو يوحي بمسيرته اليهم انه مهما أثقلت عليك الحياة بالمتاعب والمسئوليات، فحياتك هي ما اردت ان تصنعه منها، عندما تعيش نفسك وتعمل بجد، وتتصرف بمسئولية، وتتواصل بتلقائية واحترام وكرامة.