إذا أردت أن تعلم ماذا فعلت سياسات أبى أحمد رئيس وزراء إثيوبيا داخل المجتمع الإثيوبي، فما عليك سوى متابعة مدى تدهور ملف الأمن الداخلي، فمع تأجيج الصراعات الداخلية بين الأقاليم والقبائل، أصبحت إثيوبيا أحد أكبر الدول التي تشهد عمليات خطف بهدف الابتزاز المالى، ووصول الأمر أن الطلاب أصبحوا هدفا لعصابات ولدت من رحم معاناة الحروب الأهلية، وهى الظاهرة التى ترصدها «صدى البلد» فى هذا التقرير.
وبحسب ما نشرته شبكةBBC البريطانية، فإن شقيقة بيكيلي هي واحدة من عشرات الطلاب من جامعة ديرباك في إثيوبيا الذين فقدوا منذ أسبوع - استقلت حافلة للعودة إلى منزلها في نهاية العام الدراسي، لكنها لم تصل إلى وجهتها أبدًا، ولم يتمكن أحد من أفراد الأسرة من الاتصال بها، لذا عندما أضاء هاتفه المحمول، ليخبر بيكيلي أنه تلقى مكالمة واردة من أخته، ضغط على زر القبول بسرعة، وقد استقبله الصوت الذي كان يتوق لسماعه، ولكن بعد ذلك جاء صوت رجل غير مألوف، وأخبره أنه إذا كان يريد رؤية أخته مرة أخرى، فإنه يحتاج إلى دفع 700 ألف بر إثيوبي (12 ألف دولار أمريكي؛ 9400 جنيه إسترليني).
100 مختطف من الحافلات
وبحسب أنباء الأربعاء الماضي، فقد اختطف مسلحون عشرات من ركاب الحافلات، أغلبهم من الطلاب، وقد تمكن البعض من الفرار، وقال ثلاثة من الذين نجحوا في الفرار لبي بي سي إنهم يعتقدون أن أكثر من 100 شخص ما زالوا محتجزين، ويخشى بيكيلي الأسوأ، إذ يقول إنه بصفته عاملاً يومياً لا يستطيع حتى دفع مبلغ 7000 بر لخاطفيه، ولكنه ليس الوحيد في هذا الصدد، إذ شهدت إثيوبيا في السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في عمليات الاختطاف مقابل الحصول على فدية.
وتعد منطقة أوروميا، أكبر منطقة في إثيوبيا والتي تحيط بالعاصمة أديس أبابا، الأكثر تضررا، وقد تم استنزاف قوات الأمن بشكل كبير في محاولة لاحتواء العديد من الصراعات التي اندلعت في ثاني أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان، مما أدى إلى زيادة الفوضى، وكان الأشخاص المختطفون الأربعاء الماضي يسافرون في ثلاث حافلات، في طريقهم إلى أديس أبابا من جامعة ديرباك في جبال سيمين، وهي مقصد سياحي معروف.
هكذا تمت عملية الخطف
وترصد الشبكة البريطانية كيفية حدوث عملية الخطف الأخيرة، حيث توقفت المركبات بشكل غير متوقع بالقرب من جاربا جوراشا، وهي بلدة صغيرة في أوروميا، وقالت مهريت، وهي طالبة تدرس علوم الحيوان وكانت تسافر على متن إحدى الحافلات، لبي بي سي: "سمعت طلقات نارية وسمعت أوامر متكررة بالهربين ولم أكن أعرف حتى ماذا كنا نفعل".
وأضاف طالب الحقوق بيتروس: "أمروا الجميع بالنزول، وبدأوا في ضرب الجميع بالعصي وأجبرونا على الركض إلى الغابة القريبة، فقد كان الأمر مرعبًا"، وأرغم المسلحون أسراهم على الذهاب في رحلة إلى منطقة ريفية نائية يعتقد أن جماعة جيش تحرير أورومو المتمردة تنشط فيها، وتقول منظمة تحرير أوروميا إنها تقاتل من أجل "تقرير المصير" للمجموعة العرقية أورومو، وهي الأكبر في إثيوبيا، لكن البرلمان الفيدرالي صنفها كمنظمة إرهابية.
هكذا هرب البعض ومات البعض
وقال ميهريت وبيتروس إن جيش التحرير الشعبي كان وراء اختطافهما، لكن الجماعة المتمردة لم تعلق على الأمر، وكان المتحدث باسم حركة تحرير الصومال، أودا طربيه، قد نفى في وقت سابق لوسائل الإعلام المحلية أن تكون الحركة تنفذ عمليات اختطاف لتمويل عملياتها، قائلا إن الحكومة الفيدرالية الضعيفة سمحت للجريمة بالازدهار.
وبعد إجبارهم على الجري والمشي لمسافة حوالي كيلومترين (1.2 ميل)، تمكن مهريت وبيتروس وبعض المختطفين الآخرين من الفرار، وقال بيتروس إن المسلحين كانوا يحاولون السيطرة على المجموعة الكبيرة "لذلك اختبأ بعضنا تحت الشجيرات وانتظرنا حتى ذهبوا بعيدا"، فيما تمكنت إحدى الطالبات، التي لا تزال محتجزة لدى المسلحين، من إجراء مكالمة هاتفية مع أسرتها، حيث أخبرتهم أنها شهدت خاطفيها يقتلون بعض الطلاب الآخرين، فيما قال أحد أقاربها لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): "لقد فقدت الأمل في الحياة الآن، وهي لا تعتقد أن دفع الفدية سيضمن لها الحرية".
ليست عمليات الخطف الأولى
وتتشابه عملية الاختطاف الجماعي هذه مع عمليات اختطاف أخرى، فقبل عام واحد فقط، اختطف أكثر من خمسين مسافراً كانوا في طريقهم من منطقة أمهرة إلى أديس أبابا، وقال مسؤول محلي إن الذين تمكنوا من دفع فدية تم إطلاق سراحهم، لكنه لم يحدد ما حدث لأولئك الذين لم يتمكنوا من ذلك.
وفي قضية أخرى رفيعة المستوى، قيل إن 18 طالبًا جامعيًا في أوروميا اختطفوا على يد مهاجمين مسلحين في أواخر عام 2019. ولم يتم العثور عليهم حتى يومنا هذا، وقد واجهت الحكومة انتقادات شديدة لفشلها في تأمين إطلاق سراحهم والعثور على الجناة، وبعد أشهر قليلة من اختفاء الطلاب، قال رئيس الوزراء أبي أحمد لأعضاء البرلمان إن الخاطفين هم "أشخاص مجهولون" وأنه لا يوجد دليل "يقول إن شيئًا سيئًا حدث" للطلاب.
ليست مناطق أوروميا فقط
وعلى الرغم من أن منطقة أوروميا تعد مركزًا لعمليات الاختطاف، إلا أن الخاطفين ينشطون أيضًا في أماكن أخرى، مثل منطقتي تيغراي وأمهرة اللتين مزقتهما الحرب، ففي مارس، اختطف خاطفون في تيجراي تلميذة تبلغ من العمر 16 عامًا وطالبوا والديها بدفع فدية قدرها ثلاثة ملايين بير، وقد أبلغت الأسرة الشرطة عن الاختطاف، لكن تم العثور على جثة التلميذة في يونيو، مما أدى إلى احتجاج وطني.
وتقول لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية التابعة للدولة إن مئات المختطفين في مختلف أنحاء إثيوبيا يتعرضون في كثير من الأحيان لمعاملة قاسية، بما في ذلك التعذيب، وفى المقابل لم تعلق الحكومة حتى الآن على عملية الاختطاف التي وقعت يوم الأربعاء الماضي، ولم يستجب المسؤولون لطلبات هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) للتعليق.
واتهم بعض أقارب المختطفين السلطات بعدم إعطاء الحادثة الاهتمام الكافي، وهنا يقول دالك، وهو مزارع اختطفت ابنته: "من المحير أن تتجاهل السلطات هذه القضية بينما يتم أخذ أطفالنا بعيدا"، بينما قال أب آخر إنهم يريدون فقط عودة أحبائهم، وأضاف: "ليس لدينا أموال لنقدمها للخاطفين، وقد ضحيت بالكثير لإرسال أطفالي إلى المدرسة... والآن كل ما نفعله هو البكاء والصلاة".