أثارت نتائج الانتخابات المفاجئة في فرنسا التي جرت الأحد الماضي تنهدات ارتياح دولية، لكن مقامرة إيمانويل ماكرون أضعفته وأضعفت أوروبا، بينما وصفت صحيفة الجارديان البريطانية موقف المملكة المتحدة بأنه أصبح الأكثر استقرارًا في أوروبا.
ووصفت الجارديان الأسبوع الماضي بأنه كان أسبوعًا جيدًا لأوروبا. وأضافت: “جيد لأن بريطانيا لديها الآن حكومة وسطية قوية ومستقرة حريصة على إعادة ضبط العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، كما احتشد الناخبون في فرنسا لإبقاء حزب التجمع الوطني اليميني المتشدد خارج السلطة.”
وآوضحت الجارديان إنه في نفس الوقت هذا أمر سيئ لأن فرنسا تبدو مستعدة لفترة من الحكومة الضعيفة وغير المستقرة والمنقسمة، والتي من شأنها أن تعيق الاتحاد الأوروبي بأكمله.
وشددت الصحيفة البريطانية علي أن “هذا عام حاسم بالنسبة لقارتنا، حيث لا يزال فلاديمير بوتين يهاجم أوكرانيا، ومن المرجح أن يصبح دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة مرة أخرى، ما لم يتنحى جو بايدن جانبًا كما ينبغي.”
تتمتع بريطانيا بحكومة مسؤولة وواقعية من يسار الوسط، يتم انتخابها لمدة تصل إلى خمس سنوات. ويقودها محامٍ سابق في مجال حقوق الإنسان مصمم على الدفاع عن سيادة القانون في الداخل وعلى المستوى الدولي؛ وتحتضن مزيجاً حكيماً من اقتصاد السوق وتدخل الدولة والعدالة الاجتماعية؛ وتدعم أوكرانيا بقوة وتلتزم بالسعي إلى إقامة علاقات جيدة مع الدول الأوروبية الأخرى.
في الواقع، إنها تطابق أفضل بكثير مع القيم المعلنة في المادة 2 من معاهدة الاتحاد الأوروبي من حكومة المجر، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، التي كان زعيمها القومي المناهض لليبرالية، فيكتور أوربان، يجلس مع بوتين في موسكو لتهدئة الوضع. انظروا كيف يمكنهم إجبار أوكرانيا على الاستسلام باسم "السلام".
ولكن هنا تكمن العقبة: إن بريطانيا (في حال لم تكن قد لاحظت) لم تعد عضواً في المجتمع السياسي والاقتصادي الأساسي في أوروبا. وكما لو كان يتدرب على العدو لسباق 100 متر في دورة الألعاب الأوليمبية في باريس، قام ديفيد لامي، وزير خارجية بريطانيا الجديد، بزيارة نظرائه في ألمانيا وبولندا والسويد في الأيام القليلة الأولى فقط من توليه منصبه.
في هذه الأثناء، سارع جون هيلي، وزير الدفاع الجديد، إلى أوديسا لإجراء محادثات مع نظيره الأوكراني. لقد كان لامي حازماً وبليغاً في دعوته إلى "إعادة ضبط الأوضاع"، و"البداية الجديدة"، و"الشراكة الوثيقة" مع الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية منفردة.
وتقترح بريطانيا اتفاقية أمنية جديدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع تعاون أوثق في العديد من المجالات. لقد تم التعبير عن الكثير من حسن النية في برلين وباريس ووارسو وعواصم أوروبية أخرى. لكن حقيقة أن المملكة المتحدة هي من الناحية المؤسسية مجرد "دولة ثالثة" أخرى بالنسبة للاتحاد الأوروبي تعني أن عملية التفاوض على هذه العلاقة الجديدة الأوثق ستكون معقدة، مع وجود العديد من احتمالات المنع أو النقض لمختلف اللاعبين الوطنيين والحزبيين السياسيين والبيروقراطيين داخل المملكة المتحدة.
والسياسة البريطانية لا تختلف عن تلك الموجودة في أوروبا القارية كما قد تبدو للوهلة الأولى. كان أحد الأسباب الرئيسية لحجم انتصار حزب العمال هو أن أصوات اليمين كانت منقسمة بين المحافظين وحزب الإصلاح بقيادة نايجل فاراج، وهو الحزب البريطاني - أو بشكل أكثر دقة، الإنجليزي - المعادل لحزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان، أو حزب البديل من أجل ألمانيا في ألمانيا، أو فراتيلي في إيطاليا.