أصبح الجميع حول العالم يترقب التغيرات السياسية التى تطرأ على الأحزاب الحاكمة داخل الدول الكبرى بالعالم بشكل عام، وأوروبا تحديدا خلال انتخابات 2024، وأحدث تلك التغيرات كانت فى تصويت الخميس الماضى، والذى أعاد حزب العمال لقيادة الحكومة فى بريطانيا، وذلك بعد غياب 15 عاما.
وهنا السؤال الذى يشغل بال الكثير من المتابعين بالشرق الأوسط، هو "هل حرب غزة لها تأثير فى ذلك؟ .. وما موقف تصويت الجاليات المسلمة داخل بريطانيا"، وهو الأمر الذى ترصده "صدى البلد"، بحسب قراءة موسعة عن تصويت الديانات المختلفة فى تصويت الخميس نشرتهشبكة BBC البريطانية.
انخفاض تصويت المسلمين لحزب العمال
ويدور رصد الظاهرة، حول العلاقات بين حزب العمال الناخبين المسلمين، وقد يظن الغير متابع أن تصويت المسلمين جاء لحزب العمال بعد الموقف الداعم لحكومة حزب المحافظين لإسرائيل بشكل عام، ولكن من الواضح أن الانخفاض في حصة أصوات حزب العمال بين المسلمين البريطانيين بالمقارنة بين انتخابات عامي 2019 و2024.
وظهر بوضوح في العديد من الدوائر الانتخابية، وقد حدث هذا بشكل دراماتيكي في ليستر الجنوبية، حيث يبلغ عدد السكان المسلمين حوالي 30٪، حيث خسر رئيس هيئة الرواتب في حكومة الظل جون آشورث مقعده أمام المستقل شوكت آدم.
وفي مقعد ديوزبيري وباتلي، وفي برمنغهام بيري بار وفي بلاكبيرن، كانت هناك انتصارات للمستقلين في مقاعد حزب العمال الآمنة التي تضم أعدادًا كبيرة من الناخبين المسلمين.
وفي أماكن مثل برادفورد الغربية ومقر بيثنال جرين وستيبني في شرق لندن، تمسك نواب حزب العمال الحاليون بمناصبهم، مع التخفيضات المذهلة في أغلبيتهم.
العمال أكثر دعما لإسرائيل
وبحسب الشبكة البريطانية، فإن ميش رحمن، من مدية والسال، ليس مجرد ناخب مسلم. فهو يشغل حالياً منصب عضو في اللجنة التنفيذية الوطنية لحزب العمال، وهي هيئة تضم أقل من أربعين عضواً، وقد أعرب عن غضبه من رد فعل الحزب على مقتل عشرات الآلاف من الناس في غزة والأزمة الإنسانية هناك، وقال: "في مجتمعي وصل الأمر إلى حد أنني أشعر الآن بالحرج بسبب انتمائي لحزب العمال".
ويذكر رحمن: "لقد كان من الصعب حتى أن أطلب من أفراد عائلتي الموسعة أن يذهبوا ويطرقوا الأبواب ويطلبوا من الناس التصويت لحزب أعطى إسرائيل في البداية الضوء الأخضر في ردها على الهجمات المروعة التي وقعت في السابع من أكتوبر".
ويضع اللوم في تراجع تصويت المسلمين لحزب العمال على عاتق زعيم حزب العمال، فقد تعرض السير كير ستارمر لانتقادات من كثيرين في حزبه، بما في ذلك أعضاء المجلس، بسبب مقابلة أجراها مع محطة إل بي سي في أكتوبر، حين اقترح أن إسرائيل "لها الحق" في حجب الكهرباء والمياه عن غزة، وفي وقت لاحق، أشار المتحدث باسمه إلى أن زعيم حزب العمال كان يقصد فقط أن إسرائيل لديها الحق العام في الدفاع عن النفس.
وبعد ذلك، عندما طلبت قيادة الحزب من نواب حزب العمال في نوفمبر الامتناع عن التصويت على اقتراح تقدمت به الحزب الوطني الاسكتلندي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، استقال بعض أعضاء المجلس العمالي، وبالنسبة للعديد من المسلمين فقد فقدوا الثقة في نائبهم العمالي.
80 % انخفضت لـ20% .. كم عدد المسلمين فى بريطانيا؟
ويقدر أن المسلمين يشكلون حوالي 6.5% من سكان إنجلترا وويلز، وحوالي 2% في اسكتلندا، و1% في أيرلندا الشمالية، ومن المعتقد أن أكثر من 80% من المسلمين صوتوا لحزب العمال في عام 2019، وتشير الأبحاث التي أجريت قبيل انتخابات عام 2024 إلى أن هذه النسبة انخفضت على المستوى الوطني بنحو 20 نقطة مئوية، وفي بعض الدوائر الانتخابية انخفض تصويت المسلمين لحزب العمال بشكل واضح.
وكان السيد رحمن على الجانب الآخر منذ أيام احتجاجات أوقفوا الحرب في الفترة التي سبقت غزو العراق بدعم من المملكة المتحدة في عام 2003، وقال إن تلك كانت اللحظة التي بدأت فيها أجراس الإنذار تدق بالنسبة له بأن قادة الحزب لم يحافظوا على القيم التي يؤمن بها، ولا يرى السيد رحمن أن التوجه المعادي للمسلمين لدى الحزب يقتصر على استجابته للأحداث في غزة، فهو لا يشكك في وجود حالات خطيرة من معاداة السامية، ولكنه لا يعتقد أن كل الاتهامات بالعنصرية يتم التعامل معها على قدم المساواة.
وقال: "يوجد تسلسل هرمي واضح للعنصرية في حزب العمال، فبعض حالات العنصرية، بما في ذلك الإسلاموفوبيا، لا يتم التعامل معها بجدية كما ينبغي"، ويستشهد السيد رحمن بقضية تريفور فيليبس، الرئيس السابق للجنة المساواة وحقوق الإنسان، الذي تم تعليق عضويته بسبب مزاعم معاداة الإسلام.
وكان السيد فيليبس قد قال إن المسلمين البريطانيين "أمة داخل أمة"، وكان في السابق يقول إن رأيهم "بعيد إلى حد ما عن مركز ثقل آراء الآخرين"، على الرغم من أنه اقترح في وقت لاحق أن هذا لم يكن بالضرورة بمثابة انتقاد، ورغم ذلك فقد أعيد السيد فيليبس إلى الحزب في عام 2021 دون إحالته إلى لجنة تحقيق.
حزب العمال معادى للمسلمين على المستوى المؤسسى
ويشير السيد رحمن، مثل العديد من المسلمين الآخرين، إلى تعليقات كير ستارمر، مثل تلك التي أدلى بها في بث مباشر لصحيفة "صن" خلال الحملة الانتخابية، عندما تحدث عن إعادة المهاجرين إلى البلدان التي أتوا منها، وقد قال زعيم حزب العمال: "في الوقت الحالي، لا يتم إبعاد الأشخاص القادمين من دول مثل بنغلاديش لأن حالاتهم لا تتم معالجتها".
"هل يمكنك أن تتخيل حزب العمال يقول ذلك عن أشخاص من أي عرق آخر؟ أو يقول إنه سيرحل أشخاصًا إلى إسرائيل أو أوكرانيا أو هونج كونج؟ لن يحدث هذا ولن يحدث أيضًا"، كما يقول السيد رحمن، ويوضح أن خيبة أمله في رد حزب العمال كبيرة إلى درجة أنه، إلى جانب المخاوف الأوسع نطاقاً بشأن معاملة المسلمين، يوجه اتهاماً خطيراً إلى الحزب، فلا أشك ولو للحظة واحدة في أن حزب العمال حاليا معاد للإسلام على المستوى المؤسسي.
يريد السيد رحمن استخدام صوته لفضح النفاق في الحزب أثناء وجوده في الحكومة، على أمل أن يتعلم الحزب ما يقول إنه درس من هذه الانتخابات - وهو أنه لا يمكن الاستهانة بأي ناخب، وقد تخلى السيد رحمن عن عضويته في حزب العمال من قبل، احتجاجا على دور توني بلير في حرب العراق، ثم شعر هو وغيره من المسلمين بالرغبة في العودة إلى الحزب في عام 2014 عندما أدان زعيم الحزب آنذاك إد ميليباند نطاق العملية الإسرائيلية في غزة ومئات القتلى من المدنيين، ولكن مرة أخرى لا يخزل حزب العمال متابعيه فى تحيزه ضد قضايا المسلمين رغم عدالتها.