يكثر البحث عن يوم عاشوراء 2024، خاصة مع دخول أول أيام شهر محرم 1446 والعام الهجري الجديد.
ويوم عاشوراء هو ذكرى نجاة سيدنا موسى عليه السلام، فنحن نحتفل به ونصومه شكرا لله تعالى؛ لأننا نمتد ونتصل بكل الأنبياء جميعا، لأننا في كون واحد والرسل كلهم جاءوا بهدف واحد، فالرب واحد، والإسلام واحد، والأنبياء جميعا منهجهم ورسالتهم واحدة.
وقد ظل عاشوراء فرضًا على المسلمين إلى أن أنزل الله سبحانه وتعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} حتى قال {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فأصبح هذا ناسخًا لهذا وظل صوم يوم عاشوراء سنة إلى يوم الدين .
ويأتي موعد صيام يوم عاشوراء 2024، يوم الثلاثاء 16 يوليو الجاري، الموافق لـ اليوم العاشر من محرم 1446.
فضل صيام يوم عاشوراء
عن السيدة عائشة رضي الله عنها، أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم عاشوراء. أخرجه مسلم في «صحيحه»، وعن أبي قتادة رضي الله عنه، أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ».
وظائف يوم عاشوراء وأعماله
من وظائف يوم عاشوراء : الصيام لِمَنْ يستطيع، وإن كنت غير قادر على الصيام ، ووسعت على الأسرة، فأنت بذلك قد قمت بسنة التوسعة، وعلى ذلك توسع عليَّ السنة كلها. وسئل ﷺ عن صوم يوم عرفة، فقال: يكفر السنة الماضية، والباقية. قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: يكفر السنة الماضية» [رواه مسلم].
والذكر، والدعاء، وقراءة القرآن أو الاستماع له ، وفعل الخير والصدقات.
ومن أهم هذه الوظائف: اجتماع الأسرة ، واجعلوها فرصة للقاء العائلة.
وكان الشيخ عطية صقر، رئيس لجنة الفتوى رحمه الله تعالى، عندما يُسْئَل عن كيف نحتفل بعاشورا، ونحتفل بالمولد النبوي، ونحتفل ببداية السنة الهجرية، ونحتفل ... فكان يقول: نحن في عصر انشغل الناس فيه، فمثل هذه الومضات، تجعل الحياة تضيء، فتجعل بينك وبين الإسلام علاقة، في الثقافة. فهذه المناسبات تجعل الناس تحيا في ظلال الإسلام . هُوِية الإسلام .
فَهْم مشايخنا رحمهم الله تعالى أننا يجب أن نهتم بالمناسبات التي تجعلنا مرتبطين بِالْهُوِية، وأن نقوم بها كما فعلها رسول الله ﷺ ، وأن نراعي تغير الزمان والمكان، وأن نستحضر، ونحيي الوظائف في هذه الأيام، فنخرج بفوائدها، وهناك أسرار كثيرة لا نعرفها، ولكن إذا ما نحن اتبعنا الشريعة، وصلينا في مواقيتنا، وصليناها كما قال سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام ، سنتعرض لنفحات كثيرة، من أهمها : الهدوء النفسي، الطمأنينة، السعادة، الرضا والتسليم، الأمل، والهمة.
وشدد علي جمعة: «صوموا يوم عاشوراء، وَمَنْ لم يستطع أن يصم، فعليه بالذكر، والدعاء، والقرآن، قراءةً أو استماعًا، ووسعوا على عيالكم، واجتمعوا حول مائدة واحدة، حتى نصل الرحم، وحتى نطبق بركة سيدنا رسول الله ﷺ».
التوسعة على الأهل يوم عاشوراء
التوسعة على الأهل والعيال يوم عاشوراء سنَّةٌ نبوية جليلة؛ قوَّاها كبار الحُفَّاظ، وأخذ بها فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم الفقهية، وجرت عليها عادة جماهير الأمة عبر الأمصار والأعصار، وقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حديث جماعة من الصحابة؛ منهم: جابر بن عبد الله، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، رضي الله عنهم.
وأمثل هذه الطرق وأقواها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فأخرج الحافظ أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار" (3/ 330-331، ط. دار الكتب العلمية) من طريق شعبة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ». قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "جَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ"، وقال أبو الزبير مِثْلَهُ، وقال شعبة مِثْلَهُ.
قال الحافظ أبو الحسن بن القطَّان في "فضائل عرفة" (ق16): [إسناد هذا الحديث حسن] اهـ.
وقال الحافظ العراقي في "جزء التوسعة": [وهو على شرط مسلم] اهـ.
وقد ورد الأثر بهذه السُّنَّة عن الصحابيين الجليلين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وعن محمد بن المنتشر (وكان مِن أفاضل أهل الكوفة في زمانه؛ كما قال ابن عُيَيْنَةَ)، وابنه إبراهيم، وأبي الزبير، وشعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد، وسفيان بن عُيَيْنَةَ.
فأخرج الدار قطني في "الأفراد"، وابن عبد البر في "الاستذكار" (3/ 331) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "مَن وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائرَ سَنَتِه".
قال يحيى بن سعيد: "جرَّبنا ذلك فوجدناه حقًّا". قال الحافظان العراقي والسخاوي في "المقاصد الحسنة": سنده جيد.
وقال سفيان بن عُيَيْنَةَ: "فجرَّبنا ذلك نحوًا مِن خمسين سنة فلم نَرَ إلا سَعةً".
وسُنَّة التوسعة قوَّاها جمعٌ من الأئمة والحفّاظ؛ كالإمام عبد الملك بن حبيب من المالكية، والحافظ البيهقي، وأبي موسى المديني، وأبي الفضل بن ناصر، والعراقي، وابن حجر في "الأمالي"، والسخاوي، والسيوطي، وغيرهم، ومن ضعَّف منهم أسانيد أحاديثها أو بعضها فقد قوَّاها بمجموعها؛ كما صنع الحافظ البيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 333، ط. مكتبة الرشد) حيث يقول: [هذه الأسانيدُ وإن كانت ضعيفةً فهي إذا ضُمَّ بعضُها إلى بعض أخذَتْ قوةً، واللهُ أعلم] اهـ.
وروى الحافظ أبو موسى المديني هذا الحديث في "فضائل الأيام والشهور" ثم قال: حديث حسن؛ كما نقله الحافظ ابن الملقِّن في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (13/ 542، ط. دار الفلاح).
وقال الحافظ السيوطي في "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" (ص: 186، ط. جامعة الملك سعود) ردًّا على من ادَّعَى عدم ثبوت الحديث: [كلَّا، بل هو ثابت صحيح] اهـ.
وقد صنف جماعةٌ من الأئمة الحفَّاظ في جمع طرق أحاديثها وتقويتها والرد على من أنكرها؛ كما صنع الحافظ أبو الفضل العراقي [ت806هـ] في رسالة "التَّوْسِعَةِ على العيال"، والإمام السيوطي [ت911هـ] في رسالته "فضل التوسعة في يوم عاشوراء"، والحافظ أحمد بن الصديق الغماري [ت1380هـ] في كتابه "هدية الصغرا، بتصحيح حديث التَّوْسِعَةِ على العيال يوم عاشورا".