قال الدكتور فتحي عثمان الفقي، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إن اليمين شرعا تحقيق الأمر، أو توكيده بذكر الله تعالى أو صفة من صفاته، وسميت بهذا الاسم، لما تقرر من عادة العرب: أنه إذا حلف شخص صاحبه وضع، أو يضع يمينه في يمين صاحبه.
واستشهد الفقي، في منشور له عن اليمين الغموس، بقول الله تبارك وتعالى : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيلم ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آيته لعلكم تشكرون " المائدة: ٨٩.
ومن السنة أحاديث كثيرة، منها : ما رواه الشيخان بسندهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ... وإذا حلفت على يمين ورأيت خيرا منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير "، وكذلك قول ابن عمر رضي الله عنهما : أنه عليه الصلاة والسلام كان كثيرا ما يحلف : "لا ومقلب القلوب".
وقال عثمان الفقي، إن اليمين الغموس هي أحد أنواع اليمين الثلاثة اللغو , والمنعقدة والغموس ، هي : الكاذبة التي تهضم بها الحقوق، أي تضيع الحقوق , أو التي يقصد بها الفسق والخيانة، فهي يمين مكر وخديعة وكذب ؛ لأنه يحلف بالله على أمر ماض سابق , مع شك , أو ظن فيه , وأولى منهما : إن تعمد الكذب كقوله : " والله ما فعلت كذا , أو لم يفعل كذا , مع شكه أو ظنه في ذلك , أو تعمده الكذب , فهذه هي اليمين الغموس.
أما عن سبب تسمية اليمين الغموس بهذا الاسم، فقد سميت بذلك، لأنها تغمس صاحبها في النار ؛ لما أخرج مسلم في صحيحه عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من اقتطع حق امرئ مسلم – وصفة الإسلام قيد خرج مخرج الغالب , لا مفهوم له – بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة ".
وأشار إلى أن اليمين الغموس، من الكبائر ؛ لما روى البخاري بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله ! ما الكبائر ؟ قال " الإشراك بالله " قال : ثم ماذا ؟ قال : " عقوق الوالدين " قال ثم ماذا ؟ قال : " اليمين الغموس " قلت : وما اليمين الغموس ؟ قال : " التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هــــو فيها كــــــاذب".
وكشف عثمان الفقي، عن كفارة اليمين الغموس، فقد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ عَلَى قَوْلَيْنِ : الْقَــــوْل الأْوَّل عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ ، وَالْحَنَابِلَةُ ، وَهُوَ قَوْل سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ وَأَهْل الْعِرَاقِ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالأْوْزَاعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْل الشَّامِ.
والْقَوْل الثَّانِي : وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَكَمُ وَعَطَاءٌ وَمَعْمَرٌ * والمختار من القولين هو رأي جمهور الفقهاء من عدم وجوب الكفارة فيها , بل الواجب فيها التوبة والإكثار من الاستغفار ؛ حيث إن النصوص التي ذكرت لم يذكر فيها كفارة ؛ لأن الشرع لو أوجب فيها كفارة لسقط الجرم , ولقي صاحب اليمين الغموس الله وهو عنه راض , ولم يستحق الوعيد المتوعد عليه , وكيف لا يكون ذلك.
جمع هذا الحالف : الكذب واستحلال مال الغير , والاستخفاف باليمين بالله تعالى والتهاون بها , وتعظيم الدنيا , فأهان ما عظمه الله , وعظم ما حقره الله , وحسبك هذا , ولهذا قيل : إنها تغمس صاحبها في النار.