كانت مصر حاضرة منذ اللحظة الأولى في الأزمة التي شهدها السودان الجريح نتيجة الاشتباكات التي شهدتها البلاد بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع.
مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية
ومنذ اندلاع الأزمة السودانية منتصف أبريل 2023، تواصلت مصر مع طرفي الأزمة السودانية لوضع رؤية لحل الأزمة تتضمن التوصل لوقف شامل ومستدام لإطلاق النار، وعدم السماح بالتدخلات الخارجية في البلاد، والحفاظ على مؤسسات الدولة والسماح لدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية للمناطق المتضررة نتيجة الاشتباكات.
وفي هذا الصدد، انطلق اليوم، السبت، مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية، في العاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة، وذلك في إطار الجهود المصرية المبذولة لبحث سبل إنهاء الصراع السوداني، ووقف الأعمال القتالية التى تسببت في مقتل وإصابات الآلاف من الأشقاء في السودان، وحقن دماء الشعب.
ويأتي مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية، في إطار حرص جمهورية مصر العربية على بذل جميع الجهود الممكنة لمساعدة السودان الشقيق على تجاوز الأزمة التي يمر بها، ومعالجة تداعياتها الخطيرة على الشعب السوداني وأمن واستقرار المنطقة، لاسيما دول جوار السودان.
وكذلك انطلاقاً من الروابط التاريخية والاجتماعية الأخوية والعميقة التي تربط بين الشعبين المصري والسوداني، وتأسيساً على التزام مصر بدعم جميع جهود تحقيق السلام والاستقرار في السودان.
حوار وطني سوداني- سوداني
ويضم المؤتمر جميع القوى السياسية المدنية السودانية، بحضور الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين، بهدف التوصل إلى توافق بين مختلف القوى السياسية المدنية السودانية حول سبل بناء السلام الشامل والدائم في السودان، عبر حوار وطني سوداني- سوداني، يتأسس على رؤية سودانية خالصة.
وفي هذا الإطار، قال السفير محمد العرابي، رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية ووزير الخارجية الأسبق، أن مصر تتعامل مع أزمات الشرق الأوسط بحكمة لحماية الأمن القومي والحدود وتحقيق المصلحة الوطنية والعربية.
وأضاف العرابي، في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن سعت مصر للوساطة من أجل وقف إطلاق النار وحل أزمة السودان، وانخرطت القاهرة، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، بفاعلية، وشكلت جهودًا متعددة لتحقيق التهدئة وإيقاف التصعيد، وتواصلت مع جنوب السودان لبذل جهود مشتركة ولفت الانتباه إلى ضرورة الحوار وإيقاف تدفق الدماء.
وأشار العرابي إلى أن مصر حريصة على تخفيض التوتر بالإقليم وتحقيق الاستقرار والسلام، فمصر تتحرك برصانة وعقل لحل الأزمة، وجهودها تتركز على ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار، والجهود المبذولة تجعل العالم كله يثق في الوساطة المصرية، وكذلك الأطراف المعنية بالأمر.
أهم مرتكزات الأمن القومى المصرى
ولأن استقرار السودان يُعد أحد أهم مرتكزات الأمن القومى المصرى، افتتح الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية الذي يعقد في القاهرة بالعاصمة الإدارية الجديدة، بحضور ممثلي القوى والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الفاعلة وذات الاهتمام بملف السودان.
وقال السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي ومدير إدارة الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية والهجرة، إن وزير الخارجية أكد فى كلمته الافتتاحية خطورة الأزمة الراهنة التي يواجهها السودان الشقيق منذ ما يزيد على عام كامل، وتداعياتها الكارثية التي تتطلب الوقف الفوري والمستدام للعمليات العسكرية حفاظاً على مقدرات الشعب السوداني الشقيق ومؤسسات الدولة، وبما يتيح الاستجابة الإنسانية الجادة والمنسقة والسريعة من جميع أطراف المجتمع الدولي، والتوصل لحل سياسي شامل يستجيب لآمال وتطلعات الشعب السوداني.
وأشاد الوزير بالجهد الكبير والموقف النبيل الذي اتخذته دول جوار السودان التي استقبلت الملايين من الأشقاء السودانيين، وشاركت مواردها المحدودة في ظل وضع اقتصادي بالغ الصعوبة وطالب جميع أطراف المجتمع الدولي بالوفاء بتعهداتها التي أعلنت عن التزامها بها في المؤتمر الإغاثي لدعم السودان، الذي عقد خلال شهر يونيو 2023 في جنيف، وكذلك المؤتمر الدولي لدعم السودان ودول الجوار الذي عقد في باريس منتصف أبريل 2024 لسد الفجوة التمويلية القائمة، والتي تناهز 75% من إجمالي الاحتياجات، مشيراً لتكثيف مصر لاتصالاتها مع جميع المنظمات الإنسانية متعددة الأطراف لدعم دول الجوار الأكثر تضرراً من التبعات السلبية للأزمة.
وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية، أن الدكتور عبد العاطى استعرض جهود مصر الإنسانية مند بدء الأزمة، حيث استقبلت مئات الآلاف من الأشقاء السودانيين الذين انضموا إلى ما يقرب من خمسة ملايين مواطن سوداني يعيشون في مصر منذ سنين عديدة.
كما قدمت الحكومة المصرية مساعدات إغاثية عاجلة تضمنت مواد غذائية وإعاشية ومستلزمات طبية للأشقاء السودانيين المتضررين من النزاع داخل الأراضي السودانية، بالإضافة إلى استمرارها في عدد من المشروعات التنموية لتوفير الخدمات الأساسية لهم، كمشروع الربط الكهربائي، وإعادة بناء وتطوير ميناء وادي حلفا.
وشدد وزير الخارجية على أن مصر ستستمر في بذل كل ما في وسعها بالتعاون مع جميع الأطراف لوقف نزيف الدم السوداني الغالي، والحفاظ على مكتسبات شعب السودان، والمساعدة في تحقيق تطلعات شعبه، والعمل على تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة من الدول المانحة للسودان عبر الأراضي المصرية.
وأكد أن أي حل سياسي حقيقي للأزمة في السودان لا بد وأن يستند إلى رؤية سودانية خالصة تنبع من السودانيين أنفسهم، ودون إملاءات أو ضغوط خارجية وبتسهيل من المؤسسات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والدول الشقيقة والصديقة المهتمة بالسودان.
ونوه عبد العاطي بأن النزاع الراهن هو قضية سودانية بالأساس، وبأن أي عملية سياسية مستقبلية ينبغي أن تشمل جميع الأطراف الوطنية الفاعلة على الساحة السودانية، وفي إطار احترام مبادئ سيادة السودان ووحدة وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شئونه الداخلية، والحفاظ على الدولة ومؤسساتها، مشدداً على أهمية وحدة القوات المسلحة السودانية لدورها في حماية السودان والحفاظ على سلامة مواطنيه.
واختتم السفير أحمد أبو زيد تصريحاته، بأن وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج حرص فى كلمته على تأكيد أن استضافة مصر لهذا المؤتمر تعد استكمالاً لجهودها ومساعيها لوقف الحرب في السودان، وفي إطار من التعاون والتكامل مع جهود الشركاء الإقليميين والدوليين، لا سيما دول جوار السودان، وأطراف مباحثات جدة، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة الإيجاد.