يُمثل التحالف المتنامي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون تطوراً منطقياً في استراتيجية بوتين. فقبل أربعة وعشرين عاماً، وتحديدًا في يوليو 2000، حضر بوتين، الذي كان منتخبًا حديثًا، قمة G8في اليابان. وفي طريقه، زار بيونج يانج حيث زعم الزعيم الكوري الشمالي آنذاك كيم جونج إيل عدم اهتمامه بتطوير قدرات الصواريخ الباليستية، وبدلاً من ذلك قال إنه سيستخدم صواريخ من دول أخرى لأغراض سلمية. لكن سرعان ما كشف كيم أن هذه التصريحات كانت مجرد مزحة.
للرجوع لليوم الحاضر، وصف مركز كارنيجي للشرق الأوسط زيارة بوتين الأخيرةإلى بيونج يانج بأنها تحدٍ واضح للجهود الدولية لاحتواء طموحات كوريا الشمالية النووية. وسلط مركز الأبحاث الذي يقع مقره في بيروت الضوء علي دور روسيا السابق في صياغة وفرض العقوبات على كوريا الشمالية، وتعاون بوتين الآن مع كيم جونج أون، ووعده بالعمل معه لتقويض هذه العقوبات وتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية تشمل تقديم مساعدة أمنية متبادلة.
تُعتبر هذه الاتفاقية الأمنية مع كوريا الشمالية قاعًا جديدًا لبوتين، الذي يواجه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بخصوص جرائم حرب مزعومة في أوكرانيا. لكن هذا التحالف ليس مفاجئاً.
أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى جعل العمل المناخي والأمن الغذائي وجهود عدم الانتشار النووي قضايا جانبية ليست بأساسية.وزعمت دراسة حديثة لمركز كارنيجي أن بوتين لجأإلى كوريا الشمالية عندما نفدت ذخيرة جيشه حيث ذهب إلى كيم طلباً للمساعدة، فاستجاب كيم بإرسال ما يقدر بخمسة ملايين قذيفة مدفعية إلى روسيا.
وتساءلت ذات الدراسة عن المقابل الذي ستقدمه موسكو في حال استقبال الإمدادات من الأسلحة والذخيرة من بيونج يانج. لكن كارنيجي لم يقدم إجابة واضحة غير استنتاج بأن ما سيحصل عليه كيم في المقابل مازال غير معروف. لكن جدير بالذكر أم زيارة كيم لروسيا عام 2023 شهدت زيارته لمنشأة لإطلاق الصواريخ، مما يشير إلى احتمال تقديم روسيا مساعدة في برنامج كوريا الشمالية الصاروخي.
يأخذ في الاعتبار أن مركز كارنيجي للشرق الأوسط تابع لمؤسسة كارنيجي للسلام المعروف عنها التزامها بالترويج لجهود الولايات المتحدة الفاعلة على الساحة الدولية.
ولأن واشنطن داعم رئيسي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، وصف المركز الأمريكي التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية بالتسرع والتهور بل اتهمه أيضا بتجاهل القواعد والمعايير الدولية التي من شأنها إلحاق ضرراً دائماً بعلاقات روسيا مع الغرب الداعم لكييف في حربها ضد موسكو.
ومع اتساع الفجوة بين روسيا وجيرانها الأوروبيين، تحول بوتين على مدى السنوات العشر الماضية، إلى آسيا، وخاصة الصين. خلال ذلك العقد، أصبحت روسيا تعتمد بشكل متزايد على الصين، التي شكلت 30% من صادرات روسيا و40% من وارداتها في عام 2023.
ومحاولات التقارب مع روسيا لم تكن قاصرة علي مبادرة موسكو فقط، بلحاول رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي تحسين العلاقات مع روسيا وحل النزاعات الإقليمية، لكن هذه الجهود تم رفضها بشكل متكرر. أما زيارة بوتين الأخيرة إلى فيتنام، فقد كانت تهدف إلى تنويع العلاقات الاقتصادية الروسية وإظهار الاستقلالية عن الصين، لكنها كانت رمزية إلى حد كبير.
ختامًا،تحالف بوتين مع كيم جونج أون ليس علامة على يأس الدب الروسي بل إصراراً استراتيجياً. ربما لا تسير الحرب في أوكرانيا بما خطط له بوتين في البداية بجعله الوضع قصير الأمد، لكن المؤكد أنه يسير بخطى ثابتة ولا ينوي الاستسلام. وأثبت الاقتصاد الروسي مرونة أكثر مما كان متوقعاً، ويدعمه حلفاؤه في بيونج يانج وبكين. وتشير هذه الزيارة إلى أن بوتين يضاعف جهوده في مساره في أوكرانيا، مما يضع الغرب في مواجهة مفتوحة مع نظام صارم وخصم عنيد عازم على تحقيق النصر.