لا تخلو مباريات كرة القدم من بعض الخروقات السياسية التي تثير الجدل أحيانا كثيرة داخل المستطيل الأخضر وقد تصل إلى حد القطيعة وربما الحرب خارجه، فيما يستغل عدد من اللاعبين وأحيانا الجمهور الصخب والضجة الإعلامية المصاحبة للتجمعات والبطولات الرياضية الكبرى لإعلان موقفهم تجاه قضية ما أو دعم جماعة بعينها.
وتجرم القوانين واللوائح المنظمة لمنافسات كرة القدم وغيرها من الألعاب الجماعية والفردية إقحام القضايا السياسية ضمن إطار التنافس الرياضي، بل تتخذ إجراءات صارمة ضد عناصر اللعبة من رياضيين وأجهزة فنية وجماهير وإدارات حال القيام باستخدام شعارات أو إشارات أو التلفظ بعبارات تحض على التعصب والكراهية ضد الغير سواء في المباريات أو حتى خارجها.
مباريات يورو 2024
وشهدت بطولة يورو 2024 التي تستضيفها ألمانيا أزمة جديدة لكن هذه المرة لا تتعلق بسوء التنظيم بل باستخدام شعار سياسي يحض على الكراهية والعنف، وذلك عندما قرر ميريه ديميرال لاعب المنتخب التركي الاحتفال على طريقته الخاصة بهدفه في مرمى منتخب النمسا ضمن منافسات دور الـ16 من اليورو والتي انتهت بفوز الأتراك بهدفين مقابل هدف والصعود لدور الثمانية لمواجهة الطواحين الهولندية.
ديميرال الذي تعرض في وقت سابق للتوبيخ ضمن مجموعة كبيرة من اللاعبين الأتراك في العام 2019 بسبب أداء التحية العسكرية بالمباريات في وقت كانت بلاده تشن هجوما على بعض المناطق في الداخل السوري وبعد تسجيله الهدف الثاني ظهر وهو يشير بكلتي يديه بإشارة مرتبطة بمنظمة "أولكو أوجاكلاري" التركية القومية المتطرفة، والمعروفة على نطاق واسع باسم "الذئاب الرمادية".
وقال "ديميرال" للصحفيين بعد المباراة: "كان لدي احتفال محدد في ذهني. هذا ما فعلته. الأمر يتعلق بالهوية التركية لأنني فخور جدًا بكوني تركيًا. لقد شعرت بذلك على أكمل وجه بعد الهدف الثاني، لذا انتهى بي الأمر بفعل هذه الإشارة. أنا سعيد جدًا لأنني فعلت ذلك".
إشارة الذئاب الرمادية تعود لتنظيم "الذئاب الرمادية"، وهو تنظيم تركي يميني تشكل في أواخر الستينيات، ويعتبر الذراع المسلح غير الرسمي لحزب الحركة القومية، كان هدفه الأصلي هو الدفاع عن القومية التركية ومكافحة الشيوعية خلال الحرب الباردة، إلا أن التنظيم انخرط في أعمال عنف واغتيالات خلال السبعينيات والثمانينيات، وارتبط اسمه بالإرهاب في الأوساط الأوروبية.
وقد حظرت عدة دول أوروبية ببنها النمسا التي كانت تواجه تركيا في بطولة يورو 2024، تنظيم "الذئاب الرمادية" في العام 2019، بينما تم تقديم اقتراح في ألمانيا لحظر التنظيم في العام 2018، فيما تستخدم الإشارة في تركيا بالوقت الراهن للتعبير عن القومية التركية والافتخار بالهوية الوطنية، لكنها تثير استياء بعد الفئات خاصة الأقليات والمهاجرين من الأكراد والعرب والأرمن وغيرهم.
ورغم أن البطولات الأوروبية من دوريات وخلافه خلطت ما ببن السياسة والرياضة مؤخرا- من خلال الدعم القوي والمطلق من الاتحادات المحلية واللاعبين والأجهزة الفنية والجماهير والاداريات لأوكرانيا التي تخوض حربا ضد روسيا وكذلك إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى، إلا أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم قرر فتح تحقيق فيما بدر من لاعب المنتخب التركي من "تصرف غير لائق" على حد وصف الأول.
وقال الاتحاد الأوروبي: "فيما يتعلق بمباراة دور الـ16 من بطولة أمم أوروبا 2024 بين النمسا وتركيا والتي أقيمت في 2 يوليو 2024 في لايبزيج بألمانيا، تم فتح تحقيق وفقًا للمادة (31) (4) من اللوائح التأديبية للاتحاد الأوروبي لكرة القدم فيما يتعلق بالادعاءات المزعومة" - بحسب "سي إن إن عربي".
قرار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بفتح تحقيق فيما قام به المدافع التركي ميريه ديميرال، لم ينه الأزمة، بل زاد من تعقيدها، فالأمر لم يتوقف عند المستطيل الأخضر، فقد تحو لأزمة دبلوماسية بين تركيا وألمانيا البلد المنظم لمنافسات يورو 2024،
وقالت وزارة الخارجية التركية، إنه "من غير المقبول" أن يفتح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم تحقيقًا تأديبيا ضد ديميرال، مضيفة: "على الرغم من أن علامة "الذئب الرمادي" ليست رمزا محظورًا في ألمانيا، إلا أن ردود الفعل التي أظهرتها السلطات الألمانية تجاه السيد ديميرال هي في حد ذاتها كراهية للأجانب".
وتابعت: "ندين ردود الفعل ذات الدوافع السياسية على استخدام رمز تاريخي وثقافي بشكل لا يستهدف أحدا أثناء الاحتفال بالفرحة في حدث رياضي"، فيما استدعت تركيا سفير ألمانيا بعد إدانة وزير الداخلية الألماني فيزر للاحتفال.
وقالت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، في منشور على موقع التغريدات القصيرة "إكس"، إن "رموز اليمين المتطرف التركي ليس لها مكان في ملاعبنا"، مضيفة أن المجموعة تخضع للمراقبة في ألمانيا.
وأضافت "فيزر"، أن "استخدام بطولة أوروبا لكرة القدم كمنصة للعنصرية أمر غير مقبول على الإطلاق. نتوقع من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم التحقيق في القضية والنظر في العقوبات”.