مع اقتراب السنة الهجرية الجديدة 1446 يتساءل الكثيرون عن التقويم الهجري، ولماذا جعل أول المحرم بدايته، حيث يقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إنه عندما شَرَّفَ الله الوجود بحضور حضرة النبي ﷺ؛ كانت القضية في الهجرة؛ هل تدون بأول ما بُعِثَ ﷺ ، أو السنة الأولى من مبعثه ﷺ ، أو السنة الثانية من مبعثه ﷺ ، هذا كلام المسلمين فيما بينهم. ورأى سيدنا عمر رضى الله عنه أن يجعل بداية العام بعد الرجوع من الحج، فالسنة تبدأ بالمحرم.
لماذا التقويم الهجري عند المسلمين؟
وتابع علي جمعة: كان العرب يقومون بِمَا يُسَمَّى بالنسيء، وهو أمرٌ معقد؛ لأنهم كانوا يستكثرون حرمة الأشهر الحرم: القعدة، والحجة، والمحرم، فكانوا يريدون سفك الدماء في هذه الشهور. وسفك الدم حرام في هذه الشهور، فيقومون بتغيير اسم شهر محرم ويسموه صفر. ويأجلون المحرم للشهر القادم، فيذهبوا لكاهن؛ لكي يحسبها لهم. فعندما يجعل صفر محرم، ويأتي ربيع فيسموه صفر، فتتزحزح الشهور ؛ وعندما تتزحزح الدورة لا تتم، فكانوا يقومون كل سنتين حركة في الزيادات والنقصان. فكانت تتم بعد 18 سنة وتتعدل الدورة مرة أخرى . وهكذا .
وسبحان الله في السنة التي حج فيها النبي ﷺ كانت نهاية الـ 18، وكانت الدورة معدولة.
فقال ﷺ: «إن الفلك قد رجع إلى هيئة يوم خلق الله الخلق». بداية صحيحة، {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} الحمد لله، جاءت حجة سيدنا ﷺ مضبوطة؛ في أن الدورة لفت إلى كما خلق الله الخلق.
والتقويم الهجري مبني على القمر، وقال ﷺ: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا». أعطى لنا القاعدة التي نمشي عليها.
وبين أن السنة الهجرية دورتها: 8 سنين، بعضها: 353 يوم، 354 يوم، 355 يوم.
353: تأتي مرة واحدة فقط في 8 سنين.
354: تأتي مرتين، أو ثلاثة.
355: تأتي مرتين، أو ثلاثة.
ولا تأتى شهور متتالية 29 وراء بعض(29، 29، 29، 29)، ولكن قد يأتي شهرين وراء بعض 29 ويأتي الشهر الثالث 30.
فيصحح نفسه، لكي تتم الدورة في النهاية ؛ لكن هذه الدورة ليست منضبطة انضباطًا تامًّا كالشمس؛ ولذلك يجب أن نرى الهلال كل أول شهر ، فالاعتماد على الحساب اعتماد كلي ليس وارد، الاعتماد على الحساب للاستئناس. وهناك فرق بين الاستئناس، والاعتماد.
الفرق : الاستئناس يكون غالب الحساب صحيح، لكن الاعتماد صحيح دائما، ولذلك نحن نجمع ما بين الاستئناس والرؤية، لأنه هناك حالات لا تثبت إِلَّا بالرؤية وليس بالحساب، صحيح إنها قليلة؛ لكن موجودة.
وشدد على أنه يجب أن نفهم إن حركة القمر ليست منتظمة انتظامًا تامًّا؛ ولذلك لابد من الجمع بين الحساب، وما بين الرؤية.
كما أكد على أن التقويم الهجري مبني أيضا على 12 شهر، ولا يوجد فيه نسيء، في حين أن التقويم القبطي يمشي على الشمس، التقويم الرومي يمشي على الشمس، ويسمى الجريجوري نسبةً إلى بابا الفاتيكان، الذي عَدِّل وأنقذ الخطأ الموجود في ما قبله، فهو صحيح حتى الأن.
الحكمة من اعتبار أول شهر المحرم بداية العام الهجري
في حين قالت دار الإفتاء إن بداية العام الهجري في أول شهر المحرم ليس هو يوم هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قد يُظَنُّ؛ بل كانت هجرته صلى الله عليه وآله وسلم في ربيع الأول، وإنما كان العزمُ على الهجرة والاستعداد لها في استهلال المحرم بعد الفراغ من موسم الحج الذي وقعت فيه بيعة الأنصار، ومن هنا كان اعتبار أول شهر المحرم بداية العام الهجري.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (7/ 268، ط. دار المعرفة): [وإنما أخَّرُوه من ربيع الأول إلى المحرم؛ لأنَّ ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم، إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة، وهي مقدمة الهجرة فكان أوّل هلال استهلَّ بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم، فناسب أن يجعل مبتدأ، وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم] اهـ.