تبلغ معدلات ظاهرة زواج الأطفال أعلى معدلاتها بمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث باتت المنطقة حالياً بعيدة أكثر من 200 سنة عن إنهاء زواج الأطفال، وذلك بحسب تقرير نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة.
ولكن يبدو أن الأمور آخذة فى التغير، ففى خطوة كبرى بهذا الاتجاه، أقرت إحدى دول غرب أفريقيا قانونًا يدين من يتزوج فتاة أقل من 18 عاما بالسجن 15 عاما، وغرامة تصل إلى 4 آلاف دولار.
وبحسب تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانيةBBC، فقد أقرت سيراليون قانونا جديدا يحظر زواج الأطفال وسط ضجة كبيرة في حفل نظمته السيدة الأولى فاطمة بيو في العاصمة فريتاون، وشاهد الضيوف المدعوون، بمن فيهم السيدات الأوليات من الرأس الأخضر وناميبيا، زوجها الرئيس جوليوس مادا بيو يوقع على قانون حظر زواج الأطفال.
تلك هى العقوبات
وبحسب ما جاء فى نص القانون، فإنه سيتم الآن سجن أي شخص متورط في زواج فتاة تقل أعمارها عن 18 عامًا لمدة لا تقل عن 15 عامًا أو تغريمه حوالي 4000 دولار (3200 جنيه إسترليني) أو كليهما، ويأمل المدافعون عن حقوق المرأة أن يوفر التشريع الجديد حماية أفضل للفتيات في سيراليون، حيث يتزوج حوالي ثلثهن قبل بلوغ سن 18 عاما، وهو ما يزيد من معدل الوفيات بين الأمهات بسبب المخاطر الجسدية التي يواجهها بسبب الحمل، وفقا لوزارة الصحة.
وقد يواجه الآباء أو الحاضرون في مثل هذه مراسم الزواج غرامات أيضًا، فيما رحب مكتب الشئون الأفريقية الأمريكي بإقرار مشروع القانون باعتباره "إنجازًا مهمًا لا يحمي الفتيات فحسب، بل يعزز أيضًا حماية حقوق الإنسان القوية"، وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن منطقة غرب ووسط أفريقيا بها أعلى معدل لانتشار زواج الأطفال في العالم، وهي موطن لنحو 60 مليون عروس طفلة.
القانون يكسر حلقة الزواج المبكر
وبحسب ما قالته عروس طفلة سابقة من سيراليون تبلغ من العمر 21 عاما، طلبت عدم ذكر اسمها، لرويترز، فإنها أجبرت على الزواج في سن الرابعة عشرة وكانت تفكر في الذهاب إلى المحكمة لأن القانون الجديد سيسمح لها بتقديم طلب لإبطال الزواج.
وقالت بيتي كاباري، الباحثة في هيومن رايتس ووتش، إن هذا التشريع "من شأنه أن يكسر حلقة الزواج المبكر وعواقبه المدمرة، كما أنه يمهد الطريق أمام دول أفريقية أخرى، مثل تنزانيا وزامبيا، لإلغاء القوانين التي تسمح بزواج الأطفال".
فيما قالت الطالبة الجامعية خديجة باري، التي تزوجت شقيقتها عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها، لـ"بي بي سي" إنها ترحب بالحظر لكنها كانت تتمنى لو جاء لإنقاذ شقيقتها الأصغر، وقالت الطالبة الجامعية في دراسات النوع الاجتماعي البالغة من العمر 26 عامًا: "أتمنى حقًا أن يحدث هذا في وقت سابق، كان بإمكاني على الأقل إنقاذ أختي وأصدقائي وجيراني الآخرين".
معاناة بارى نموذجا
وسيراليون مجتمع أبوي، ومن الشائع أن يزوج الأب ابنته قسراً، وقد واجهت السيدة باري هذا الاحتمال عندما كانت في العاشرة من عمرها، ولكنها قاومته وهربت من منزل العائلة بعد أن تبرأ منها والدها، وكانت محظوظة بما يكفي للعثور على مدرسين دفعوا رسوم دراستها وموظف متعاطف من وكالة الأمم المتحدة للطفولة الذي ساعدها في توفير السكن، ولكنها تقول إنه من الصعب على أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية مقاومة التقاليد، وسوف تحتاج كل المجتمعات إلى أن تكون على علم بالقانون الجديد ليكون فعالاً، وقالت السيدة باري: "إذا فهم الجميع ما ينتظركم في حال قمتم بذلك، فأنا متأكدة من أن هذا البلد سيكون أفضل".
وتشير تقديرات وزارة الصحة إلى أن ثلث الفتيات يتزوجن قبل بلوغ سن الثامنة عشرة، وهو ما يفسر ارتفاع عدد الوفيات بين الأمهات في البلاد - وهو من بين أعلى المعدلات في العالم، ومن بين الذين يواجهون العقوبة بموجب القواعد الجديدة العريس، ووالدي أو الأوصياء على العروس الطفلة، وحتى أولئك الذين يحضرون حفل الزفاف.
السيدة الأولى بالبلاد وموقفها من القانون
وكان لزوجة الرئيس فى البلاد دور مهم فى القانون بحسب الـBBC، فقد أرادت السيدة بيو، التي كانت في طليعة الحملة ضد الاعتداء الجنسي منذ أن أصبح زوجها رئيسًا قبل ست سنوات، أن يكون توقيع مشروع القانون مناسبة كبيرة، فمنذ أن أقر البرلمان هذا التشريع قبل بضعة أسابيع، فإنه لم يحظ بتغطية محلية كبيرة، وفي الحفل، قال الرئيس بيو إن "دافعه والتزامه بتمكين النساء والفتيات متجذر بقوة في رحلة حياتي الشخصية"، وكانت ابنته البالغة من العمر ثماني سنوات من بين الذين شاهدوه يوقع على مشروع القانون.
وأوضح الرئيس البالغ من العمر 60 عامًا كيف فقد والده في سن مبكرة وكيف نشأ على يد والدته ثم أخته الكبرى التي "دعمتني وشجعتني على متابعة أحلامي بأفضل ما في وسعي"، وأقر بالتزام زوجته بالدفاع عن حقوق المرأة: "معًا، نريد بناء سيراليون قوية حيث تُمنح النساء منصة متساوية لتحقيق إمكاناتهن الكاملة، لطالما اعتقدت أن مستقبل سيراليون هو مستقبل الأنثى".
وتفاعل نشطاء حقوق الإنسان بشكل إيجابي مع القانون، ووصفوه بأنه لحظة فاصلة.
وفي صفحتهم "X"، رحب مكتب الشئون الأفريقية في الولايات المتحدة بمرور مشروع القانون قائلاً إن "هذا الإنجاز الهام لا يحمي الفتيات فحسب، بل يعزز حماية حقوق الإنسان القوية".