مع كل تغيير وزاري يتشبث الناس بالأمل فى تبدل الأحوال إلى الأفضل.
مشاروات الحكومة تجري وسط أزمة يلمسها الشارع المصري هي أزمة الانقطاع المتكرر للكهرباء، ولا توجد أزمة بدون حلول.
إنه الاختبار الأول للحكومة القادمة وأظنها ستتجاوزه إلي ما هو أهم منه. فما هي تطلعات الشعب المصري تجاه حكومته التي يعاد تشكيلها؟ وهل فى الإمكان تحقيق تلك التطلعات؟
كل شئ ممكن.
طموحات الشعب المصري ليست مستحيلة، مهما كانت الأزمة كبيرة، ولا شك أن مشاركة الشعب نفسه فى حل الأزمة جنباً إلى جنب مع الحكومة سوف يسارع لتجاوزها.
لا يمكن القول إن كل سلوكيات المواطنين مثالية ونموذجية؛ فلا بد أن هناك إسراف عند البعض فى استهلاك الكهرباء بخلاف سرقات التيار الكهربائي، تلك المشكلة العتيقة الأزلية والتي أعيت المحليات فى إنهائها.
وإذا كان الحل الذي توصلت له الوزارة يقتضي غلق أنواع من المحال التجارية قبيل منتصف الليل لتوفير الطاقة، فعلي المواطنين الالتزام التام بالقرار مشاركةً منهم لحل الأزمة، وعلي الحكومة أن توضح بدقة وصراحة المدي الزمني المطلوب لتحقيق الهدف بتجاوز أزمة الكهرباء من خلال الإجراءات والقرارات المتخذة فى هذا الشأن.
وإذا كان الأمر متعلق بأسعار الكهرباء التي قد تكون فوق طاقة الميزانية المخصصة للوزارة كنتيجة لارتفاع أسعار المحروقات، فما المانع أن يتم رفع أسعارها لفئات معينة من كبار المستهلكين بما يعادل الكفة ويقلل العبء على وزارتي الكهرباء والبترول؟
قيل إن هناك مشروعات كثيرة قيد الدراسة للتوسع فى استخدام الطاقة المتجددة، وما أغزرها فى مصر المشمسة. فلماذا لا نشجع أنتشار ثقافة الطاقة المتجددة بين المواطنين القادرين على تحمل تكلفتها بحيث يتم تخفيف العبء أكثر عن كاهل وزارة الكهرباء؟
إنني على ثقة أن الحكومة القادمة ستضع مشكلة الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي على قمة أولوياتها، وأنها قادرة على حلها بمشاركة فاعلة من المحليات ومن الشعب المصري المعطاء.
فك شفرة الاقتصاد
لا خلاف على أن الاقتصاد فى العموم هو أهم مستهدفات أي حكومة. لاسيما وأن الاقتصاد العالمي، ونحن جزء منه، يعاني نوعاً من التباطؤ والتعثر.
لا يمكن التعويل هنا على الحلول التقليدية، التي يتم طرحها فى الحالات العادية، إذ أننا أمام حالة استثنائية تتطلب حلولاً عاجلة وغير تقليدية. كما أنه ليس من المنطقي التركيز على وزارات بعينها كالصناعة والزراعة والسياحة والاستثمار والمالية باعتبارها الوزارات الوحيدة المعنية بإصلاح الاقتصاد. إذ أن ضبط النفقات وزيادة الأرباح ينبغي أن تكون أهدافاً عاجلة لكل الوزارات. ومن أجل تحقيق ذلك، أظن أننا فى حاجة لخبير اقتصادي لكل وزارة.
إنني أدعو رئيس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي لتعيين خبير اقتصادي أو عدد من الخبراء فى كل وزارة تكون لهم صلاحيات محددة نافذة. أو قل لجنة من الخبراء تابعة مباشرة لرئيس الوزراء. فمن ناحية أن هذه اللجنة المتغلغلة فى دفاتر وحسابات كل وزارة، ستكون رقيبة على أداء كل وزارة من حيث النفقات والعائدات وضبطهما دعماً للميزانية العامة، ومن ناحية أخري أنها ستكون بمثابة الرابط الذي يحول أداء "الجزر المنعزلة" الذي اعتادته الوزارات، إلى أداء جماعي تسوده روح التعاون والرغبة الحقيقية فى الإنجاز.
ينبغي أن يكون هدف الوزارات جميعها تحقيق عائدات بطرق استثنائية وعاجلة. لا يكفي أن تتخذ الوزارات إجراءات تقشفية أو ترشيدية، وإنما الأهم أن تحسن استخدام مواردها المتاحة بما يخدم هذا الهدف. وإذا كانت هناك قوانين أو لوائح تحول دون مرونة اتخاذ قرارات تنعش الاقتصاد وتزيد فى الأرباح فعلي رئاسة الوزراء نفسها أن تتدخل بمشاركة مجلس النواب لإصلاح وتعديل هذه القوانين المعرقلة للنمو الاقتصادي.
بين استثمارين!
الحكومة دائماً ترمي ببصرها ناحية الاستثمار الأجنبي محاولة اجتذابه، طمعاً فى زيادة تدفق العملة الأجنبية. ونسينا أن الاقتصاد الآسيوي كله قام على أساس الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة للمواطنين المحليين.
بالتأكيد مسألة جذب رؤوس الأموال الأجنبية ضرورية وحيوية ومهمة، لكن القدرة على التحكم فيها واجتذابها بسرعة قد تكون صعبة فى وجود متغيرات عديدة كالحروب ومشاكل سلاسل الإمداد والنقل وفي وجود منافسة دولية شرسة على اجتذاب استثمارات الشركات الكبري. لذا فإن التركيز على تشجيع الاستثمارات المحلية الصغيرة والمتوسطة قد يكون هو الحل الذي تسعي الحكومة إليه، مع مراعاة مثالب تجارب الدول التي سبقتنا فى هذا المجال.
العامل المصري مشهور أنه يحمل جينات النجاح والتفوق منذ آلاف السنين، منذ أن أنشأ المعابد والمسلات والأهرامات والتماثيل الضخمة دقيقة الصنع والتشكيل.
وإذا كان قطاع الأعمال والتشغيل فى السابق لديه خطة يتم استكمالها، فلا بد أن يتم الدفع بخطة إضافية أكثر شمولاً وعمقاً. خطة يكون من أهدافها إنعاش حركة التصدير، من خلال تشجيع منتجات مصرية يطلبها السوق العالمي باستمرار، وأن يتم إدراج أنواع محددة من المشروعات على رأس أولويات التمويل الاستثماري للمشروعات المتوسطة.
ثم يكون من أهدافها إعادة تأهيل وتدريب الشباب ورفع كفاءتهم فى مجالات العمالة الماهرة. ليس فى كل المجالات، وإنما ينبغي التركيز على مجالات بعينها تحتاجها الأسواق العالمية.
فالهدف الأساسي لدينا هو الوصول لمستوى تنافسي من حيث جودة المنتج المصري حتي تتم زيادة الصادرات لا على أساس تصدير الخامات، بل والمنتجات المصرية خلاف المنتجات الغذائية المعتادة.
الثقافة كاستثمار
باعتباري صحفي وإعلامي أنتمي لحقل من حقول الثقافة الوطنية. فلا بد أن أخصص جزءاً من مقالي عن الاقتصاد الموجه نحو الثقافة. فهل الثقافة من بين الوزارات الخدمية فى الحكومة؟ أم يمكننا تحويلها لوزارة منتجة قادرة على تحقيق أرباح تساهم فى دعم الميزانية العامة؟
طبقاً لأحدث الأبحاث والتقارير العالمية أن المنتجات الثقافية حول العالم بإمكانها تحقيق أرباح خرافية تتجاوز عدة قطاعات أعمال تقليدية. أتحدث هنا عن التطبيقات الحديثة للإنتاج الثقافي.
ولو اتخذنا الهند مثالاً ونموذجاً لبلد استطاع منافسة دول كبري فى قطاع المنتجات التقنية ومجالات السوفت وير، وهي مجالات تُنسب للإنتاج الثقافي، فإننا بصدد تجربة تشرح نفسها وتؤكد أهمية هذا المجال الحيوي.
فى مقالات سابقة كثيرة تحدثت عن مفهوم منتشر عالمياً، وإن كنا لم نحسن توظيفه فى مصر بعد، هو مفهوم الصناعات الإبداعية. ولو ضربت مثالاً واحداً فقط لمجال إعلامي وصحفي مهم لم نتطور فيه بالشكل الكافي سأتحدث عن الصحافة الرقمية. فما زالت صحافتنا الرقمية فى حاجة إلى تطوير، والتطوير الذي أقصده ليس تطويراً مستهلكاً للأموال وإنما صانع لها، تطوير استثماري قائم على الربح. وكفاءة مثل هذا المجال تحتاج لكوادر يتم تدريبها على مختلف متطلبات هذا المجال الواسع الخصب.
لقد كتبت سابقاً عن إمكانية استخدام الإعلام فى تنشيط قطاع الأعمال وبالأخص مجال السياحة، وأن التطور الذي حدث فى مجال التقنيات أتاح الوصول لكل إنسان فى العالم من خلال شاشة صغيرة هي شاشة الجوال الذي لا يكاد يفارق أيدي الشباب، فلماذا لا نقتحم على الشباب عبر العالم شاشاتهم ونزيدهم تعلقاً بمصر ورغبةً فى زيارتها مراراً تشجيعاً للسياحة الوطنية؟ فقط إذا استطعنا استغلال وسائل التقنية الحديثة بكوادر مدربة وخطة استثمارية قومية طموحة، وإذا أدركنا مدي أهمية الصناعات الإبداعية فى دعم الدخل القومي.