سطر المصريون تاريخاً جديداً بأحرف من نور في كتب التاريخ وأثبتوا مجدداً أننا شعب لا يعرف المستحيل، بعدما ثاروا في الثلاثين من يونيو عام 2013 لإعادة البلاد إلى المسار الصحيح، وإنقاذ الدولة من مخاطر التفكك في ظل سياسة استقطاب نفذتها جماعة الإخوان الإرهابية خلال فترة حكمها، إلي جانب خطتهم لمحو هوية الثقافية والحضارية.
تلك الثورة التي كانت البداية لتدشين مرحلة مفصلية في تاريخ مصر، نقلتها من مرحلة الضياع والتفكك، إلى مرحلة البناء والتنمية، كما رفعت تلك الثورة شعار العمل للحفاظ على الدولة الوطنية وتثبيت أركانها ومؤسساتها المختلفة، فضلا عن أنها كانت السبيل لاستعادة مصر مكانتها الإقليمية .
لقد نجح المصريون من خلالها الحفاظ علي مكانتهم وحدة وأمن بلادهم من مخططات خارجية كانت تستهدف بالأساس تقسيم مصر والتفريط في أراضيها. أن ثورة 30 يونيو كانت بداية الطريق نحو الجمهورية الجديدة، حيث شهدت فترة ما بعد الثورة تطهيرا لأرض مصر من الإرهابيين، إلى جانب خوض معركة التنمية والتعمير في كافة ربوع الوطن.
وكان انحياز القوات المسلحة والشرطة المصرية إلى جانب شعب مصر بهدف حماية إرادة المصريين، ودعم متطلباتهم في مستقبل آمن ومستقر ومزدهر دور حاسم في انجاح الثورة أعادت اللحمة الوطنية بين مختلف المصريين في أعقاب محاولات جماعة الإخوان الارهابية في خلق مجتمع قائم على أساس الاستقطاب والفرقة.
وبعد سنوات تأكدت خلالها الرؤية نستطيع القول أن ثورة 30 يونيو وقفت سداً منيعاً في وجه مخططات تستهدف التفريط في أرض مصر، وأجهضت خطة الجماعة الإرهابية التي هدفت إلي منح جزء من سيناء الغالية لأطراف أخرى (وهو المخطط الذي حاول الغرب تنفيذه مؤخراً بهدف تصفية القضية الفلسطينية وتصدير أزمة إلي مصر)، وبقيت أرض مصر متماسكة وحرة أبية عصية على أي خائن.
ويحسب للرئيس عبد الفتاح السيسى أنه أنقذ مصر من السيناريو الأسود للإخوان المسلمين من خلال موقفه الجسور فى ثورة 30 من يونيو، تلك الثورة المجيدة التى سطرت خلالها جماهير الشعب بإرادتها الأبية ملحمة خالدة للحفاظ على هوية الوطن، فبعد عام قضته جماعة الاخوان الإرهابية فى الحكم، أنهى الشعب حكم محمد مرسي، الذي ارتكب جرائم سياسية ووطنية كارثية كادت أن تضيع الوطن.
كان منها أن الجماعة الإرهابية قامت في بداية حكمها بالإفراج عن سجناء إرهابيين تسربوا بعد ذلك إلي سيناء وسعوا إلى تكوين إمارة للإرهاب تحت غطاء ديني بدعم مباشر وواضح من قيادات الجماعة الإرهابية.
وتميزت ثورة 30 يونيو بإمتلاكها خارطة طريق واستراتيجية وطنية لاستعادة مصر القوية وللانطلاق بها إلى مكان يليق بها بين الدول المتقدمة، وبعدها تحققـت أهداف مهمة، أبرزها النجاح في تثبيت أركان الدولة بعد فترة من التخبط والأحداث الإرهابية، وحافظت علي اقتصادها في منطقة مشتعلة بالحروب وعدم الاستقرار رغم الاحداث العالمية الجسام التي أثرت علي جميع الدول مثل أزمة كورونا والحرب الروسية الاوكرانية.
من أهم مخرجات ثورة 30 يونيو، أنها أكدت على أن عناصر القوة المصرية ليست (صلبة) فقط من القوة العسكرية، ولكنها قوة ناعمة أيضا متمثلة فى تاريخها وفكرها وأعمالها وفنونها وأدبها ومتاحفها، علاوة على إشعال شرارة تجديد الفكر المصري، سواء كان دينيا أو مدنيا لكى يكون تقدميا يأخذ مصر إلى الإمام وليس إلى الخلف كما فعل الإخوان من مماراسات ضيقة فى فترة حكمهم القصيرة.
ومن أهم نتائج ثورة 30 يونيو الكبرى، كانت الإعلان عـن مولد للجمهورية الثانية الجديدة فى مصر التى دشنها الرئيس السيسى قبل سنتين، وذلك بإنشاء العاصمة الإدارية وربما هذا الأمر تحديدا يمثل الاستمرار التاريخى لثورة 30 يونيو 2013، بل هى تعد نقطة فارقة علااتها الاستدامة وتحقيق نقلات كيفية فى الواقع المصرى المعاصر، وهو ما رافق حلم المشروع الوطنى المصرى لبناء دولة مدنية حديثة ترسى قواعد ديمقراطية بحسب تصور الرئيس عبدالفتاح السيسي، الواثق دائماً أن مصر قادرة على النهوض،واحتلال الصدارة بين أمم الدنيا.
نعم كان الرئيس على ثقة بأن شعب مصر يستطيع تحقيق حلم النهوض من جديد، فقط لو توافرت له (قيادة فكرية ملهمة رشيدة)، ومن هنا امتلك "السيسي" دراية واسعة بحكم قراءاته المتعمقة، ومنه على وجه الخصوص تاريخ مصر الحديث والمعاصر وتجارب الأمم، بعوامل صعود وانكسار الدولة المصرية الحديثة الأولى التى أسسها (محمد علي)، والدولة المصرية الحديثة الثانية التى أسسها "جمال عبدالناصر"، وفى هذا الصدد درس "السيسي" مبكرا أسباب تقويض المشروع الوطنى المصري، سواء الأول أو الثاني، وخرج بدروس مستفادة، أبرزها الحد من مخاطر التمدد الزائد دون التحسب للظروف الإقليمية والدولية غير المواتية، وكذلك الانجراف إلى المكائد والسقوط فى مصائد كارثية، دون تبصر، وإدراك لما يحاك ضد الوطن من دسائس ومؤامرات الداخل والخارج.
تلك الدروس كانت نصب عينى "السيسي" وهو يحلم لبلاده بدولة حديثة متقدمة، ويأمل أن تتحول مصر إلى قوة عظمى إقليمية، قادرة على رفع معيشة شعبها، والدفاع عن مقدرات الوطن وسلامة أراضيه، وحماية مصالحه الحيوية، فـى إطار حدوده الجيوسياسية التى تمتد إلى ما هو أوسع من حدوده السياسية، وظنى أنه قد توافرت "للسيسي" خبرات أوسع حينما تولى منصب مدير المخابرات الحربية، وأتيحت له أدق المعلومات عن الأوضاع الداخلية للبلاد والعباد فى مختلف المجالات، ومن ثم تنبأ مبكرا بحدوث انتفاضة غضب فى البلاد، وسطر توقعاته المبنية على رؤية شاملة لأوضاع مصر السياسية والاقتصادية الاجتماعية فى مصر فى نهاية العقد الأول من القرن الواحد وعشرين .
قبل احدي عشر سنة من الآن كانت الدولة المصرية حينئذ "شبه دولة" ، إذ كانت مؤسسات الدولة متداعية وتحتاج إلى إعادة بناء، فعناصر القوة الشاملة للدولة قد تراجعت فى قدراتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية باستثناء القدرة العسكرية التى تفاقمها السعى الحثيث للأيدولوجيات الحاكمة لتغيير الهوية المصرية، ومحاربة نهج الوطنية المصرية، وتعديل ثوابت السياسة الخارجية التـى ارتضاهـا الشعب المصرى فى محيطيه العربى والإقليمي.
والآن ونحن نحتفل بمرور احدي عشر سنة على الحلم المصرى فـى ثورة 30 يونيو لابد لنا أن نقدم تحية تقدير واحترام وإعزاز لبطل هذه الثورة المجيدة الرئيس عبد الفتاح السيسي، القائد الضرورة ومخلص الدولة المصرية من السيناريو الأسود الذى كاد يطيح بالبلد للخروج من بوابة التاريخ عندما انصاع لمطالب الشعب، وأنفذت إرادته فى بيان الثالث من يوليو 2013 الذى انعقدت عليه إرادة ممثلى فئات الشعب فى اجتماعهم بمقر القيادة العامة للقوات المسلحة، فى ذلك اليوم كتب السيسى تاريخا جديدا لمصر بزوال نظام حكم الإخوان إلى الأبد.
ومن ثم عمل الرئيس السيسى على إعادة تقديم مصر للعالم بعد تراجع هيبتها ومكانتها الدولية، عبر حجم ضخم من العمل والإنجازات التى أصبحت واقعا على الأرض الآن فى كافة المجالات، عبر مشروعات ضخمـة وواسعة للارتقاء بالبنية الأساسية والتوسع العمرانى وإنشاء قاعدة للبناء الصناعي، وتهيئة المناخ لجذب الاستثمارات التى توفر فرص عمل وتزيد من الناتج القومى المصرى لتحسين مستوى معيشة المواطن المصرى والوصول بسفينة الوطن إلى بر الأمان.. فتحية تقدير واحترام لسيادته ونحن نحتفل بمرور احدي عشر سنة على 30 يونيو.