أكد قداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، أن مصر هي واحة السلام والأمان والاستقرار وإذا كان العالم كله في يد الله فإن مصر في قلب الله.
وقال البابا تواضروس في مقال منشور له في صحيفة الأهرام، إنه في 30 يونيو 2013 شهدت مصر يوما مميزا فى تاريخها الحديث، تذكاراً لتكاتف المصريين معا لوضع خارطة طريق لمستقبل الوطن، كان يوماً مشهودا فى تاريخ المصريين، حيث اجتمعت القوى الوطنية جيشا وشعباً، رجالاً ونساء وشباباُ، وقدموا مثالاً رائعاً للتكاتف والتماسك، ورغم الصعاب والمخاطر وضعـوا رءوسهم على أكفهم من أجل الحفاظ على الوطن الغالى.
وإلى نص مقال البابا تواضروس الثاني:
كل من ينظر إلى عالمنا المعاصر يدرك أن بـؤر التوتر والنزاع فى تزايد مستمر، وأن المنطقة كلها من حولنا محاطة من جميع الاتجاهات بتوترات ونزاعات، ولكن تظل مصر هى واحة للسلام والأمان والاسـتقرار، وهذه بركة ونعـمة كبيرة لا ينعم بها كثير من الدول فى منطقتنا، ودائما ما أقول : «إنه إذا كان العالم كله فى يد الله فإن مصر هى فى قلب الله». لأن بلادنا مصر لها مكانة خاصة فى قلب الله، وكما ورد فى الكتاب المقدس «مبارك شعبى مصر» (إشعياء 19: 25). وبلا شك فإن الأمن والأمان الذى تنعم به مصرنا الغالية رغم كل ما يحيط بها من مخاطر هو بركة ونعمة إلهية أعطاها الله لهذه الأرض المباركة.
وفى أول أيام شهر يونيو (24 بشنس) من كل عام نحتفل بعـيد دخول السيد المسيح والعائلة المقدسة أرض مصر، هرباً من بطش هيرودس الملك، وتظل هذه الرحلة المقدسة عـلى مدى الأجيال تحمل لأرض مصر معانى السلام والبركة والخير، وقد جاءت العائلة المقدسة إلى بلادنا قادمة من فـلسطين عـبر شبه جزيرة سيناء، وأرض سيناء لها أهميتها التاريخية والدينية عـلى مر العصور إلى جانب أهميتها الأثرية والسياحية والاقتصادية كجزء لا يتجزأ من أرض مصر. وانتقلت العائلة المقدسة بعـد ذلك إلى شرق الدلتا، ومنطقة الدلتا، ثم إلى وادى النطرون، وبعدها إلى منطقة القاهرة الكبرى، ومنها إلى الوجه القبلى. وخلال هذه الرحلة المباركة عـبرت العائلة المقدسة نهر النيل وتنقلت من خلاله فى بعض المناطق من مكان إلى مكان، وشربت من مائه العذب، وسيظل نهر النيل هو شريان الحياة والنماء لأرض مصر. وفى نوفمبر 2022م اعتمدت منظمة اليونسكو احتفالات مسار رحلة العائلة المقدسة على القائمة التمثيلية للتراث الثقافى غـير المادى للإنسانية.
وتظل قيم المحبة والسلام والخير من القيم الروحية التى غرستها ورسختها رحلة العائلة المقدسة فى أرض مصر: «عيشوا بالسلام وإله المحبة والسلام سيكون معكم» (2 كورنثوس 13:11)، «مع مبغـضى السلام كنت صاحب سلام» (مزمور 119 (120) :7)، سلام الله الذى يفوق كل عقل (فيلبى 4 : 7)، والمحبة التى لا تسقط أبداً (1 كورنثوس 13: 8)، والخير الذى هو مشيئة الله (1 بطرس 2 : 15)، «كونوا كارهين الشر ملتصقين بالخير» (رومية 12: 9).
وفى يوم 30 يونيو 2013م شهدت مصر يوما مميزا فى تاريخها الحديث، تذكاراً لتكاتف المصريين معا لوضع خارطة طريق لمستقبل الوطن، كان يوماً مشهودا فى تاريخ المصريين، حيث اجتمعت القوى الوطنية جيشا وشعباً، رجالاً ونساء وشباباُ، وقدموا مثالاً رائعاً للتكاتف والتماسك، ورغم الصعاب والمخاطر وضعـوا رءوسهم على أكفهم من أجل الحفاظ على الوطن الغالى، لم يفكروا فى مصالح ضيقة، أو انتماءاتهم الأخرى، ولكن جمعهم كلهم حب الوطن، وأعادوا للذاكرة أحداث الثورة المصرية سنة 1919م، والتى كان نداؤها «الدين لله والوطن للجميع» وبعبارة أخرى «الدين للديان والوطن للإنسان»، وأن «مصر لكل المصريين»، وتحمل المصريون المخاطر لكى يكون الوطن الغالى أكثر أمناً وأكثر استقراراً.
وفى الذكرى الحادية عشر لثورة الثلاثين من يونيو نتذكر بكل الوفاء الدماء التى سالت من أجل الوطن «شهداء الوطن»، «وشهداء الواجب» ولا يمكن أن ننسى ايضا المصابين والجرحى من الشرفاء ومن المخلصين لهذا الوطن. ولقد كان البطل الحقيقى هو الشعب المصرى يوم خرج المصريون بالملايين فى كل ربوع مصر ومدنها وقراها لتلبية نداء الوطن، وكان واضحا للعيان الدور الكبير لمشاركة الشباب والمرأة، والمشاركة الفاعـلة لكل أطياف المجتمع المصرى، من علماء وسياسيين، ومن ادباء وفنانين، ومن عمال وفلاحين، ومن رجال الفكر، ورجال الدين.
وبالطبع فى مثل هذه الأحوال لم ولن يكون الطريق مفروشاً بالورد أبداً، ولم يخل الطريق من الصعاب، وهذه الصعاب هى اختبار لإرادتنا وصلابتنا. واستطاعت مصر كعادتها دائماً أن تعـبر الصعاب والتحديات بوعى وإرادة شعبها العظيم، ويقظة جيشها الباسل، ورؤية قيادتها الحكيمة، متمثلة فى سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس كل المصريين، وكل الايادى المخلصة التى تعمل معه من اجل البناء والانتاج والاستقرار، والدولة تعمل بأقصى جهدها فى إنشاء مدن ومجتمعات جديدة، وإقامة مقار للوزارات وهيئات الدولة بالعاصمة الادارية الجديدة بتطوير جديد وتقنيات حديثة لتصبح مقراً سياسياً وادارياً للدولة للعـبور نحو المستقبل، وبخاصة مع بداية الجمهورية الجديدة، وبداية فترة رئاسية جديدة، لاستكمال الانجازات والمشروعات القومية العملاقة فى كل المجالات.
والكنيسة القبطية عـبر تاريخها وحاضرها ومن خلال رسالتها الروحية ودورها الوطنى والمجتمعى لم تنفصل ابدا عن قضايا مجتمعها ووطنها، ولم تتأخر ابدا عن تلبية نداء الوطن. ومحبة الوطن هى راسخة فى قلوبنا، وتسكن فى وجداننا، وتجرى فى دمائنا، ومحبة الوطن لا يمكن أن تسقط ابدا. والكنيسة بمشاركتها مع كافة مؤسسات الدولة والمجتمع ترسخ لأهمية المحبة الوطنية الصادقة، وقيم الوطنية والمواطنة، وأن يظل جميع المصريين متكاتفين ومترابطين معاً، لكى نستطيع ان نعـبر معا نحو المستقبل، وأن نتخطى العقبات والصعاب وأيدينا متشابكة معا، لأننا فى سفينة واحدة، مسارنا واحد، ومصيرنا واحد. ودائما فى صلواتنا الكنسية كما نطلب من أجل سلام وبنيان الكنيسة، نصلى ايضا من أجل سلام واستقرار الوطن. لأن السلام يساعـد على البنيان، والعكس بالعكس الصراعات والنزاعات لا تساعـد على البناء اطلاقا. والاولوية دائماً هى لبناء الإنسان قبل بناء الجدران.
وإذا كانت هناك تأثيرات أو انعكاسات عالمية تلقى بظلالها على بعض الجوانب الاقتصادية او المعـيشية للمواطنين، شأن الكثير من دول العالم، فإن ذلك بلا شك لأننا لسنا بمعـزل عن العالم من حولنا، فنحن نعيش فى عالم مضطرب من حولنا، وكما نؤثر فيه هو ايضا يؤثر فينا. وبلا شك أيضاً أن هناك جهوداً كبيرة من الدولة للتخفيف من حدة هذا التأثير، ولكن علينا نحن أيضاً دور كبير أن نعمل بمزيد من الجهد فى البناء والإنتاج والتنمية بكافة صورها، وقوة الوطن كما تكمن فى تماسكه وترابطه واستقراره، فهى تكمن كذلك فى العمل والانتاج والتنمية.
وأمام ما يحدث فى فلسطين فاننا احيانا وأمام ما نشاهده أو نسمعه من الأخبار، نشعـر وكأن هيرودس الملك الذى ارتكب مذبحة أطفال بيت لحم الابرياء فى القرن الاول الميلادى قد عاد إلى عالمنا المعاصر بصورة اكثر دموية وأكثر عنفا، وما نشاهده فى غــزة من مذابح مروعة ضد النساء والأطفال والمدنيين العـزل هو دليل على ذلك. كما أننا نصلى ونطلب سلاماً لكل الدول التى تشهد حروباً أو نزاعاً أو عـنفاً من حولنا.
وكما قدم شعب مصر للعائلة المقدسة المساندة والعـون فى رحلتها إلى مصر فى القرن الأول. هكذا فى عالمنا المعاصر تقدم مصر العـون والمساندة للعـديد من الشعوب الشقيقة للتخفيف من معاناتهم بسبب ويلات الحروب ومآسى الصراعات. وتعـمل مصر من أجل إيقاف تلك الحروب والصراعات عن طريق الحوار، والمفاوضات التى ترعاها.
وستظل مصر بمخزونها الحضارى والانسانى، وبموروثها التاريخى والثقافي. هى الحارسة والحافظة للقيم والمبادئ الإنسانية، وأيضاً نظراً لمكانتها التاريخية ولدورها السياسى الفعال، وصفها بعض المفكرين بأنها «رمانة الميزان» و«صمام الأمان» فى المنطقة، مما يفرض عليها الكثير من الأعـباء والمهام والمسئوليات الجسام، وكلنا ثقة ورجاء فى إلهنا الصالح انه يستطيع أن ينتهر الرياح ويهدئ العواصف، وأن تظل مصر واحة للأمان والاستقرار، حفظ الله مصر وشعبها وجيشها وقيادتها من كل سوء، ومبارك شعبى مصر.