رحلة الذات إلى داخلها من الأمور التي تشعرنا بالوجود؛ حيث نستكشف ما لدينا من تميز وتفرد، ومن ثم نستطيع أن نجول أكثر فأكثر؛ لنجد ضالتنا في زخم عالم يموج بتغيرات ويمتلئ بمثيرات، تسبب لنا التيه، وتضعف لدينا الشعور بماهية الحياة ومتعتها على مدار اليوم أو في مجمل الأيام؛ فمجرياتها دنيانا متسارعة نغرق حتمًا في توفير متطلباتها واحتياجاتها التي لا تنتهي.

ودعونا بهدوء نتوقف ولو لمرة واحدة؛ لنجرب سير التأني ونتخلى عن سرعتنا التي اعتدناها؛ فنستطيع أن نتسمع إلى ما تتحدث به نفوسنا في سكينة واطمئنان؛ لنستكشف خلجات نشعر بها للمرة الأولى، ونطالع حقائق مخبأة تحت طبقات الضجيج والتشتت، وهذا دون مواربة يعبر عن لقاء فريد من نوعه يتسم بالمصداقية المطلقة والعمق؛ ففي خضم هذا المناخ العابر نتيح للنفس البشرية أن تتحدث وتروي قصتها.

وحري بالذكر أن الرحلة الداخلية هي مفتاح النمو الشخصي والتطور عزيزي القارئ، فمن خلالها نتمكن من فهم أنفسنا بشكل أعمق، وتحديد قيمنا ورؤيتنا للحياة، والتعرف على نقاط قوتنا وجوانب الضعف لدينا، وهذا بدوره يساعدنا على اتخاذ قرارات أفضل وعيش حياة أكثر هدفًا وإرضاءً.

والتساؤل الذي يعنينا في هذا المقام فحواه: هل أنت راض عن نفسك؟، وللإجابة عن ذلك بمصداقية مطلقة، علينا الخوض أكثر في رحلة مع النفس لنستكشف بعض الطرق والممارسات التي يمكن للشخص من خلالها البحث عن ذاته والتعرف عليها بشكل أعمق، كما يمكننا أن نصل إلى أهمية النقد الذاتي البناء، وكيف أن التحديات التي نواجها في هذه الرحلة هي في الواقع فرص للنمو والتطور، ونتعرف مسار تطور الشخص مع الوقت وكيف ندرك أن البحث عن الذات قد يؤدي إلى تغييرات إيجابية في حياتنا.

ويمكن أن أشارك معك عزيزي القارئ مقوله "دعونا نشارك أفكارنا الإيجابية حتى تتكاثر وتملئ المحيط"؛ إذ يعتبر لقاء الشخص مع نفسه بمثابة حالة من الرفاه النفسي تمكّن الشخص من مواجهة ضغوط الحياة، وتحقيق إمكاناته، والتعلّم والعمل بشكل جيد، والمساهمة في مجتمعه المحلي. وهي جزء لا يتجزأ من الصحة والرفاه اللذين يدعمان قدراتنا الفردية والجماعية على اتخاذ القرارات وإقامة العلاقات وتشكيل العالم الذي نعيش فيه. والصحة النفسية هي حق أساسي من حقوق الإنسان. وهي حاسمة الأهمية للتنمية الشخصية والمجتمعية والاجتماعية الاقتصادية.

وإذا ما بدأنا هذه الرحلة الممتعة واللامتناهية إلى أعماق ذواتنا؛ فبماذا ستخبرنا نفوسنا اليوم؟؛ ولكي نتحصل على إجابة شافية عن هذا التساؤل الذي يدور في الخلد، هناك بعض النصائح المهمة للقاء النفس بطريقه ناجحة، تبدأ بأن *تخصص وقتًا محددًا للقاء النفس*؛ فحاول أن تجد وقتًا مناسبًا في جدولك اليومي للجلوس بهدوء والتأمل في حياتك وأولوياتك. قد يكون ذلك مثلاً لمدة 30 دقيقة يوميًا أو ساعة في الأسبوع.

وأحرص على أن *تبتعد عن المشتتات؛ فحاول أن تجد مكانًا هادئًا وبعيدًا عن أي مصادر إلهاء كالهاتف أو التلفزيون. هذا سيساعدك على التركيز والاسترخاء، وكذلك **استخدم التأمل والتنفس العميق*؛ حيث إن البدء بتمارين التأمل والتنفس العميق سيساعدك على الاسترخاء وزيادة الوعي الذاتي. حاول التركيز على تدفق التنفس والأفكار والمشاعر.

وركز في أن تكون** لطيفًا في رحلتك الداخلية*؛ فتذكر أن الهدف ليس إدانة نفسك أو التركيز على نقاط الضعف، بل قبول نفسك كما أنت وتقدير ما لديك من قوة وإمكانات، وأحرص على أن **تدوّن ما تتعلمه*: سجّل ملاحظاتك وما توصلت إليه خلال اللقاء مع نفسك. هذا سيساعدك على مراجعة أفكارك والتقدم في المستقبل، كما يمكن إيجاد العديد من الأماكن أو المواقع الإلكترونية التي تساعد الشخص في لقائه مع نفسه، ومنها الأماكن الطبيعية، والمساحات الهادئة بالمنزل، ودور العبادة.

وهناك العديد من المواقع والمصادر المختلفة التي يمكن أن تساعد الشخص على لقائه مع نفسه. إليك بعض الأهم منها مواقع التأمل والوعي الذاتي Headspace؛ إذ يعد تطبيقًا معروفًا لتقنيات التأمل والاسترخاء، Calm، وهو تطبيق آخر للتأمل والتركيز على الصحة النفسية، وهناك منتديات النقاش الذاتي والتطوير الشخصي Reddit/r/DecidingToBeBetter؛ حيث إنه منتدى للنقاش حول تحسين الذات، وأيضًأ مواقع للتفاعل الاجتماعي والدعم النفسي Supportiv، وهو عبارة عن منصة للدعم النفسي والتفاعل مع مجتمع داعم؛ بالإضافة إلى 7 Cups، وهي عبارة عن خدمة للاستماع والدعم النفسي عبر الإنترنت.

والأهم هو أن يجد الشخص المكان الذي يشعر فيه بالراحة والاطمئنان لممارسة لقاء الذات وتطوير وعيه الداخلي، وفي نهاية المطاف نختتم مسيرتنا بقول الله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) البقرة 286.. امتناني للجميع.