قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

نهال علام: ليالي الصيفية

نهال علام
نهال علام
×

أمقت الجدل.. وكل ما يؤدي إليه من سبب.. اختياري هو السلام والحوار مع من أشعر معه بالأمان، لا يعنيني الاختلاف مادام لا يدفعني لخوض ميادين الخِلاف، فلكل منا شأنه الحياتي وتفكيره الإنساني، وواقعه المعاش وتجربته الغواش، فنحن أبناء عقل حائر وقلب سائر، بين جناحي التسيير والتخيير كلنا نتلمس من الحياة بعض التساهيل، وإن كانت في أمور شديدة البساطة حد التهييف وترتبط بالتكييف!

فصدق أولا تصدق.. أن ذلك الصراع الدائر على مواقع التواصل الاجتماعي بين محبي الصيف والشتاء، بدء في اصابتي بالتوتر والاعياء، وذلك القَدْر من الهجوم المغلف بالسخرية على محبي فصل الانطلاق والحرية، كاد يضعني في خانة الشعور بالذنب والإحساس بالدونية على سوء اختياراتي القلبية، فمحبتي للصيف تاريخية بدأت منذ أن وطأ مهدي الإسكندرية، وأنا طفلة في الإسبوع السادس من عمرها على ظهر البرية، قبل أن تسجل درجات الحرارة تلك النسب الجنونية.

لذا إن كنت ناسي عزيزي الكائن الشتوي دعني أُذَكرَك، بما عشته في نهارات وليال الموسم الصيفي يوماً كنت فيه طفلاً أو شاباً، والذي يبدأ بارتداء رجال الشرطة والمرور زيهم الأبيض إيذاناً باستقبال الفصل ذو العطاء الأفيض، هذا التوقيت الإبريلي الذي كان دائماً متلازماً لموسم المذاكرة الكئيب والاستعداد لعفريت الامتحانات البغيض، وكان هذا الزي هو البشارة والوعد، والمُعِين على الصبر، أنها هانت وما هي إلا بضع أيام وستنتهي المذاكرة والأحزان، وقاب أسابيع أو أدنى سننطلق لنصنع البهجة والذكريات والضحكات، وسنبدأ شهور لا تعرف إلا الألوان.

فيا عزيزي الشتوي هل تتذكر علاقتنا المرتبكة بصندوق الدنيا بسبب شتوياتنا المرتبطة بالمذاكرة، هذا الصندوق السحري المسمى بالتلفزيون الذي جاء عشقنا له فطري، وكانت تلك العلاقة مُحرمة في فصل الشتاء بالطبع! اللهم إلا في أيام الجُمع لنتناول الإفطار أمام سينما الأطفال، ومنحة يوم الخميس القابلة للمنع بحسب درجات نهاية الأسبوع لنشاهد ماما نجوى وبقلظ، وإذا كان الحظ ألمظ، نشاهد البرلمان الصغير و المسرحية التي تعرض في المساء، وتقطعها أحداث ٢٤ساعة فنذهب لننام ونحن ثكلى من هذا الفاصل الإخباري الذي كان بمثابة الابتلاء.

أما في فصل الصيف فيصبح التلفزيون والڤيديو ملك يميننا وصخر والأتاري ملك شمالنا، بكل ما فيهما من ذهب وياقوت ومرجان من تاكسي السهرة وحدث بالفعل ونادي السينما وكرنبة، بالإضافة لأحدث شرائط الڤيديو المستأجرة من الأفلام الأجنبية والبرامج الكارتونية المشفرة.

وأذكرك ونفسي يا صديقي الشتوي، بمسلسلات السادسة على القناة الثانية والسابعة على القناة الأولى والتي كانت تعرض في الثامنة شتاء هذا إذا حالفها الحظ وعرضت، بحسب انتهاء بث جلسة مجلس الشعب التي تسبقها.
أما برامج الثانية ظهراً مثل أماني وأغاني، وبرامج العاشرة مساء المتمثلة في اكسب ثواني ونافذة على العالم والعالم يغني وكلام من ذهب، وغيرهم من البرامج التي منحتنا أوقات أحلى وأغلى من كل الذهب فهي ذكريات صيفية بامتياز يا عاشق الليالي الشتوية ذات الذكريات التي تتكأ على عكاز.

والآن دعني أهمس في أذنك بالتعويذة السحرية، "أشوفك بكرة بعد العصر" فهل نسيت تلك التجمعات العبقرية لأصحابك من أبناء منطقتك السكنية، وتلك الساعات المليئة بالشقاوة والبراءة والبلي وأكياس المقرمشات من هولاهوب وكاراتيه وشيكولاتة چيرسي الفوضوية!


استحلفك بالله أن تتذكر معي تلك الساعات الطويلة التي امضيتها في اصلاح سير العجلة، والبحث عن الجادون تحت غطاء زجاجات المياه الغازية واستكمال ألبوم الشمعدان اللي زي ما تحبه بيحبك كمان وكمان، ولعب بدون كلام وأكس أو وأتوبيس كومبليه، ناهيك عن لعب الدومينو والكوتشينة على كابوت إحدى السيارات الركينة، أليس الصيف هو موسم استعادة كل ما تم مصادرته في شهور الشتاء من السلم والثعبان وبنك الحظ ومونوبولي، إذاكيف تمقت فصل استعادة الحقوق يا ولدي!

ألم تلعب الراكيت والكرة في حديقة المنزل الخلفية وأوصالك ترتعد أن تصيب في إحدى الجولات بكرتك شبابيك الجيران بأذية، فينكشف أمر مؤامرتك الكونية وتتلقى عقاباً لائقاً من عائلتك قد يمتد للحرمان من عدم الذهاب للنادي أيام متتالية، وهذا يعني أن قصة الحب الصيفية وصداقاتك الموسمية في مهب ريح الغياب دون أعذار استباقية!

عزيزي الشتوي أغمض عينيك وافتح قلبك، أنه انت في ردهة بيتك تتلمس مصدر تلك الرائحة أهي الجيران أم الأهل والخلان، نعم إنها تلك الرائحة المعبقة القوية الناعمة المعلقة في ذاكرتك، بما أوتيت من حب، استكشفها وفك شفرتها.. أصبت يا صديقي إنها رائحة الكزبرة وبالشبت معطرة يتخللها عبير الفلفل الأخضر والباذنجان الأبيض ومن أجلهما ستغفر للكوسة الدخيلة على تلك الجمعة البديعة، استحضر فرحتك عندما تتصاعد رائحة الملوخية والدجاج المقلي وتعلم أن مصدر تلك العظمة هو مطبخ منزلكم الموقر، يا لها من أيام مليئة بالعزة والتقلية وصينية البطاطس التي لا اعترف بها إلا كوجبة ساحلية، قبل زمن التيك أواى الذي أنهى هوية الطعام وبصمته الصيفية المميزة عن الشتوية.

صديقي الحران هل لي أن اصطحبك معي لشواطئ الأحلام وعوالم ما قُدر لها النسيان، أنا معك أينما كانت وجهتك من المنتزه للمندرة وحتى ستانلي والعصافرة ولوران التي سنقف فيها دقائق معدودة لنبحث عن ذلك البواب الأسمر الجميل الذي لا يبيع إلا السينالكو البرتقالية والتيم البيضاء والسبورت كولا السمراء.. تباً للشوق والحنين الذي لا يُمحي مهما مرّت السنين.

سأحدثك عن البيطاش وبيانكي وليالي السهر في شارع شهر العسل، والتسكع في شارع الحنفية فجراً على أمل أن نعرف هوية الضيوف المتواجدين في ڤيلا فاتن حمامة وطاهر القويري.. لن نلوم ذلك الفضول فهو طيش مراهقة وما كان إلا ليزول عند بائع الأيس كريم المبدع الذي يصنع البسكويتة أمامك وياله في هذا الوقت اختراع مذهل! لا يماثله فرحة إلا العثور على كوبون كونو أو شيبسي هدية، أنه الصيف وعطاياه الربانية.

وعام بعد عام يمُر، نكبر والفضول يكبر معنا ويدفعنا غرباً للبحث عن المزيد من الأحلام، شاطئ النخيل وسيدي كرير وحتى مراقيا وانتهاءً بمارينا حيث المسرح الروماني وحفلات الصيف.. آه ياني!

يا من تدعي عداوة الصيف ألا تفتقد چيلاتي إيليت الخفيف، وليمون جروبي وكم كان ظريف، وأيس كريم الصودا الذي تقدمه الميريلاند.. أتتذكر تلك الموضة! ولن أنتقل بالحديث إلى بحري في المريا وخاصة چيلاتي مكرم، بعد وجبة سمك فاخرة في النادي اليوناني أو زفير بالمكس وحتى لو كان اتجاهك العكس في أبو قير، قطعا ستجمعنا ألبان الشيخ أحمد أو جيلاتي عزة.. حسناً سأصمت وادعك لذكرياتك وأكون أكرم.

وإذا خانتك الذاكرة ولم تجد للصيف كرامة ولا مغفرة، حلق بخيالك حتى مصر الجديدة وتذكر ملاهي أدهم الساحرة ومدينة السندباد الساهرة، وإذا اشتهيت العصير فتذكر نصيحة عادل إمام الخالدة "عارف بتاع العصير اللي على الناصية متشربش منه" وعوضاً عنه كان خروب العائلات بميدان تريومف والدكتور في الإسكندرية فهما جنة فواكه حقيقية، أما سندوتشات الهمبورجر فما أجمل ومبي وفاهيتا أربيز بعد منتصف الليل لإزاحة عناء اللعب في النادي لساعات قليلة وإن طالت فهي قصيرة، وتلك الخيارات من بين خيارات لم تكن كثيرة مثل شاورمة أبوحيدر أو سمسمة والامفتريون ومن الكافيهات لم نعرف إلا تريانون ولكن كلها اختيارات عظيمة، لذا رجاء ذكرني بما لديكم في الشتاء غير عربة البطاطا!

يا أهل الشتاء كيف تكنوا الكراهية والعداء لفصل مليئ بالأفراح والليالي الملاح، فقطعاً كل الأفراح كنت فيها حاضرة وكل أنكلات وطنتات العائلة أنا على زيجاتهم شاهدة، ولم أبالي يوماً بالجملة العقيمة نتمنى للأطفال نوماً هانئاً، كنت أضرب بها عرض الحائط وأصر على الذهاب متعللة بأني طفلة هادئة وشروط الفرح تناسبني فقد كنت في ذلك الوقت كائناً ساهراً، فمن ذا الذي يحول بيني وبين اجواء الفَرْح ولو كانوا أصحاب الفَرَح.

أتعلم عزيزي الشتوي قيمة تلك الفرحة الممنوعة شتاء بسبب الدراسة والمدرسة، وهي فرحة طفلة بالذهاب للكوافير وشراء السواريه ووضع القليل من أحمر الشفاه ومورد الخدود.. ليت لحظة من تلك السعادة تعود، وليشهد الله إنني إلى اليوم لازلت أتذكر مذاق قلم الروج المذكور، والذي لم يكن مصرح لي باستخدامه إلا في العيد وأفراح الصيف.

يا كائن المطر ورياح الخماسين وزعابيب أمشير، ألا تحن للڤراندات في الليالي الصيفية، التي كان السهر فيها حتى مطلع الفجر بصحبة الووكمان أو الكاسيت ذو البابين له بهجة غير عادية، ولن ننسى عُلبة الشرائط الدوارة، والتي يحمل كل صف منها نجم من نجوم المرحلة، ألم تشهد في تلك الڤراندة حكاية سواء كنت بطلها أو متطفلاً عليها، وهي حكايات الصيف والحب الملتهب بفعل الحرارة وما أن يعود الشتاء حتى تكتشف كم كان ذلك كوميدياً بجدارة.

يارفيق البرتقال والموز ألا يشفع للصيف خيره من اللب والجوز واللوز على الشاطئ الذي يصيب تلك المسليات بالرطوبة ولكن عجباً وكأن موج البحر يصبغها بحلاوة أعجوبة يختلط طعمها بالفريسكا ذلك الاختراع الذي سيظل حلاوة طعمه مرتبطة بملوحة البحر وما يطالها من رمل، ورجاء اطلعني عن ذكريات المانجو وعائلتها الكريمة، والتين بأنواعه والعنب بألوانه السخية والبطيخ بأحجامه.. طمني رجاء على ذاكرتك الفتية.


هل لازلت تذكر تلك " اللحوسة" التي كنا نستمتع بها ونخرج عن كل قواعد اللياقة التي علمتنا إياها أمهاتنا كجزء أصيل من تربيتنا "الكويسة"، ولكنها زحمة المصيف طوبى لها هي من جعلتنا نختلس تلك الذكريات الراسخة ونستمتع عندما تصبح ملابسنا ببقع المانجو والبطيخ متسخة، فذلك التمرد هو عطية صيفية يا ويلك وسواد ليلك لو أتيتها في إحدى الليالي الشتوية.

لا زلت أتذكر لحظات الحرية والخروج من فتحة سقف العربية عندما كنت صبية في شوارع المعمورة البهية وليالي المنتزه التاريخية، وألبوم عمرو دياب الجديد يصدح في الخلفية كم كانت لحظات هنية، تشبه تلك التي عرفنا فيها المولات وتغير نمط ترددنا على السينمات بعد أن تطورت ودخلتها النظارات الافتراضية، ألا يستحق الصيف أن نهيم فيه شوقاً وولعاً وامتناناً لكل تلك الذكريات السخية!

والآن وبِناءً على كل ما سبق.. يسر رابطة محبي الصيف أن تهنئ المواطنين بحلول فصل الصيف العظيم أعاده الله علينا وعليكم بالبحر والعصير والأيس كريم، وتود الرابطة أن تؤكد أدانتها لكل ما يتداول على السوشيال ميديا من شركاء الوطن الشتويين بالتطاول على اشقائهم الصيفيين من كلمات بلغت حد الإهانة، ويسعدنا أن نبدأ فصل جديد سنتغاضى فيه عما بدر منكم وعفا الله عما سلف عنكم، ولنبدأ فصلاً مبهجاً من فصول الحياة، دعونا نتشارك لحظاته الاستثنائية ونحاول السهر حتى الفجرية، فهو فصل سعيد لنستمتع به سوياً بالشمس الجريئة والنسمة البريئة والملابس الملونة وموجات البحر الصاخبة وضحك الأطفال المبهج وضجيجهم المحبب، وقت اللعب من بعد العصرية، في الشوارع ومداخل العمارات وحدائق الكمبوندات والنوادي حيث تجمع الأمهات الفاتنات.

كما تندد الرابطة تداعيات التغير المناخي الذي دفع بدرجة الحرارة لأرقام غير مسبوقة، وتداعيات ليست معهودة، وندعو الله أن يكون فصلاً رائقاً هوائه مشبع باليود ونهاره بلا جمود ولياليه يا عيني.. لتملأها أصوات العود والسهر في السينمات والتأخير بلا حدود والتسكع بلا هدف، فيكفي أن الصيف ولو أصبح لافحاً لاهباً سيظل ضيفاً عزيزاً مقدراً لازال له وجود، فيكفي أنه بخزائن الذكريات والحنين يجود، وذلك ربما هو ما يمنحنا القدرة على الاستمرار والصمود.