أكد الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، رئيس مؤتمر الأطراف COP28، قمة المناخ بالإمارات، على الترابط العميق بين الذكاء الاصطناعي والطاقة، وكيف يمكن لكل منهما أن يدعم الآخر نحو تحديات الطاقة وتقليل الانبعاثات.
وقال الجابر الذي يشغل وزير الصناعة الإماراتي ، إن "معيار نجاح أي اتفاق هو تنفيذ بنوده"، معبرا عن تصميمه على تنفيذ "اتفاق الإمارات" التاريخي سريعا لإنقاذ الكوكب.
وتضمن "اتفاق الإمارات" إنجازات غير مسبوقة من حيث التزامات الدول تجاه مناخ الأرض، وتمحور بشكل واقعي وعملي حول جوهر المسألة المناخية وهو الطاقة، سواء التقليدية أو المتجددة، فانتزع تعهدات صارمة كان الجميع يعتقد أنها مستحيلة قبل COP28، ولم يلبث رئيس COP28 أن أطلق جهودا جديدة لوضع تلك التعهدات على مسار التنفيذ مسلطا الضوء على طرف الخيط الرئيسي: قوة الذكاء الاصطناعي.
"نؤمن بالعلم ونحترمه جدا"،
وشدد الدكتور سلطان الجابر على هذه الجملة ومعانيها في أكثر من مناسبة، داعيا العالم لعد طم التخوف والتقدم بدلا من ذلك نحو تعزيز الإبداع والابتكار لإنتاج الحلول الجديدة القادرة على تغيير أوضاع العالم، وفي هذا السياق أكد رئيس COP28 على الترابط العميق بين الذكاء الاصطناعي والطاقة، وكيف يمكن لكل منهما أن يدعم الآخر.
وانطلقت دعوة الدكتور سلطان الجابر لاستغلال مزايا الذكاء الاصطناعي، من إيمانه بجدوى العمل المشترك وضرورة إيجاد الأرضية المشتركة والرؤية التي تحتوي الجميع ويغلفها التعاون الجماعي، والإجراءات المتوازنة، لتحقيق تنمية مستدامة للجميع جنوبا وشمالا.
وتضمنت تلك الدعوة حلولا عملية مبنية على تجارب ناجحة نفذتها الإمارات بالفعل، سواء في تعزيز الطاقة المتجددة التي تنتهجها الإمارات، أو كبح الانبعاثات الكربونية واحتجاز الكربون وتعزيز كفاءة العمليات ، إذ كشف الدكتور سلطان الجابر عن إنجازات رائعة بالأرقام لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في شركات الطاقة بالإمارات.
وتتضافر الجهود الإماراتية أيضا مع مكانتها المتميزة في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال منصات الاستثمار مثل "إم جي إكس"، ومطوري البنية التحتية مثل "جي42"، ونموذج المعالجة اللغوية الضخم الأكبر والأسرع نمواً في المنطقة.
وتتكامل بشكل عملي مع صندوق "ألتيرّا" للاستثمار المناخي، الذي أطلقته الإمارات خلال فعاليات COP28، وهو أكبر صندوق عالمي خاص لتحفيز استثمارات العمل المناخي يركز بنسبة 100% على حلول تغير المناخ.
ومثل هذا تنفيذا عمليا لأهم بنود "اتفاق الإمارات" التاريخي المتمثلة في الدفع نحو زيادة القدرة الإنتاجية العالمية لمصادر الطاقة المتجددة 3 مرات، ومضاعفة معدل كفاءة الطاقة، والحد من غاز الميثان والانبعاثات الأخرى في شركات النفط والغاز.
لماذا يتمسك رئيس COP28 باستغلال الذكاء الاصطناعي؟
في 4 يونيو الجاري، وخلال افتتاح أسبوع "باكو" للطاقة في أذربيجان (مستضيفة COP29)، دعا الدكتور سلطان الجابر جميع أصحاب المصلحة إلى الاستفادة من صعود الذكاء الاصطناعي لتسريع التنمية المستدامة للجميع.
ودعا قطاعي الطاقة والتكنولوجيا إلى العمل معًا بشكل أوثق لتسريع تبني الذكاء الاصطناعي، لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة بشكل مستدام ودفع عملية إزالة الكربون.
ويؤمن الدكتور سلطان الجابر بأن أكبر 3 توجهات عالمية شاملة ستشكل مستقبل العالم هي تطور الذكاء الاصطناعي، والانتقال المسؤول والمنظم في قطاع الطاقة، ونهوض الأسواق الناشئة ودول الجنوب العالمي.
الرؤية المتطورة التي كشف عنها الدكتور سلطان الجابر للعلاقة بين الطاقة والذكاء الاصطناعي، تتفق معها أيضا وكالة الطاقة الدولية التي لفتت في تقرير لها إلى أن أنظمة الطاقة أضحت أكثر تعقيدًا بشكل كبير مع نمو الطلب على الكهرباء وتكثيف جهود إزالة الكربون.
خارطة طريق واضحة
وفي مقال له بعنوان «الترابط الوثيق بين الذكاء الاصطناعي والطاقة»، نشرته منصة «بروجكت سنديكيت» المرموقة في 26 يونيو الجاري، قدم الدكتور سلطان الجابر، رؤية أكثر وضوحا لكيفية إسهام الذكاء الاصطناعي في تسريع وتيرة التقدم بقطاع الطاقة من خلال إعادة صياغة عمليات القطاعات الصناعية، وتحسين منظومة النقل، ورفع كفاءة الطاقة، وخفض الانبعاثات على نطاق واسع، فضلا عن تعزيز المرونة المناخية من خلال تقديم ودعم الابتكارات في مجالات الزراعة والأمن المائي والصحة.
ولفت إلى حقيقة مهمة قد لا يكون الجميع مدركا إياها، وهي أن نمو الذكاء الاصطناعي سيؤدي بالضرورة إلى زيادة الطلب على الطاقة بشكل كبير، وبالتالي "علينا السعي لإيجاد حل مزدوج يؤمِّن حاجته الكبيرة إلى الكهرباء ويتيح الاستفادة من قدرته على خفض انبعاثات قطاع الطاقة. ويتطلب إيجاد مثل هذا الحل تعاون شركات قطاعَي التكنولوجيا والطاقة بطرق جديدة ومبتكرة".
تجارب عملية من قلب الإمارات
ولفت إلى أنه في علوم المواد، "يستخدم الباحثون الذكاء الاصطناعي لتحديد الهياكل الجزيئية الأكثر ملاءمة لتخزين الكربون. وتُستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أيضاً لإحداث تغيير جذري إيجابي في قطاع الزراعة، وهو من القطاعات كثيفة الاستخدام للطاقة، من خلال تحليل المغذيات الدقيقة، وتعزيز غلال المحاصيل، وتقليل استخدام المياه بنسبة تصل إلى 40%".
وتابع: "خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، من المتوقع أن يدعم الذكاء الاصطناعي تحقيق إنجازات كبرى في مجالات الاندماج النووي، وطاقة الهيدروجين، ونماذج مفاعلات الطاقة النووية، ووحدات التخزين طويل الأمد للطاقة الكهربائية، والحلول المناخية المتطورة التي لا يمكن تصورها الآن".
وأضاف: "زاد الاستثمار في مراكز البيانات التي تعمل بالطاقة النووية، رغم أن بناءها يستغرق عقوداً. وفي أثناء ذلك، سيحتاج العالم إلى ما يصل إلى 200 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، وهو الوقود التقليدي الأقل في الانبعاثات، بالإضافة إلى استثمارات كبيرة في البنية الأساسية لشبكات الكهرباء العالمية لتلبية الطلب المتزايد".
مجلس صناع التغيير
وأعلن الدكتور سلطان الجابر في المقال أن أبوظبي تخطط لاستضافة جلسة لـ"مجلس صناع التغيير" الذي يقام وفق أسلوب المجلس الإماراتي، في نوفمبر القادم، لمواجهة تحديات الطاقة وجني الفوائد التي يتيحها الذكاء الاصطناعي والتي تتطلب نهجاً تعاونياً شاملاً.
وسينعقد المجلس بحضور ومشاركة عدد من قادة قطاعَي التكنولوجيا والطاقة، وصناع السياسات، والمستثمرين، ومنظمات المجتمع المدني، لتشجيع تبادل وجهات النظر، ومناقشة دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق الانتقال المنشود في قطاع الطاقة، ووضع تصور جديد للعلاقة بين الطاقة والذكاء الاصطناعي وتحقيق النمو الاقتصادي الشامل.