هل يقبل الله التوبة بعد المعصية؟، سؤال يكثر البحث عنه خاصة مع تحري العباد لمواسم الطاعات وما أكثرها في الأشهر الحرم، ومع الاستعداد لشهر الله المحرم 1446 نوضح هل يقبل الله التوبة بعد المعصية؟، وكيف يكون ذلك؟.
هل يقبل الله التوبة بعد المعصية؟
تقول دار الإفتاء المصرية إن التوبة من المعصية واجبة شرعًا باتفاق الفقهاء؛ لأنها من أهم قواعد الإسلام، حيث قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (12/ 238، ط. دار الكتب المصرية) عند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]: [قوله تعالى ﴿وَتُوبُوا﴾: أمر، ولا خلاف بين الأمة في وجوب التوبة، وأنها فرض متعين.. والمعنى: وتوبوا إلى الله فإنكم لا تخلون من سهو وتقصير في أداء حقوق الله تعالى، فلا تتركوا التوبة في كل حال] اهـ.
وتابعت: التوبة من الذنوب واجبة، على المذنب أن يبادر بها؛ ليخرج من الدنيا سليمًا معافًى آملًا وراجيًا من الله عزَّ وجلَّ أن يتفضَّل عليه ويُدخله الجنة وينجيه من النار، وإذا تعلَّق الذنب بحقوق العباد فلا بد من التحلل من المظلمة؛ لأن الله تعالى قد يغفر ما كان من الذنوب متعلقًا بحقه، ولا يغفر ما كان متعلقًا بحقوق العباد، إلا إذا تحلَّل الظالم من المظلوم فسامحه.
وشددت على أنه مَن كان مِن المسلمين يفعل ذنبًا أو معصية فعليه بالتوبة من ذلك، وقد تفضل الله تعالى على عباده بقبول توبتهم والعفو عن سيئاتهم، فمتى تاب العاصي من معصيته واستغفر الله لذنبه قَبِل الله توبته وغفر له؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 110]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25]، وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف؛ فعن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه، أن رسول صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» أخرجه ابن ماجه والبيهقي في "السنن"، والطبراني في "الكبير".
شروط التوبة
وشروط التوبة ثلاثة هي:
1- الندم على الذنب.
2- الإقلاع عن المعصية.
3- العزم على عدم العود إليها. ينظر [فتح الباري 12/ 267].
ويضاف إليها شرطاً رابعاً إن تعلق بحقوق العباد، وهو إرجاع الحق إلى صاحبه، فمن سرق أو غصب مالاً فعليه أن يرده أو يتحلل من أصحابه.
وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم التائبين ببشرى عظيمة، فقد أخرج ابن ماجه عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ).
وتكرار الوقوع في المعصية لا يمنع من التوبة منها، وأن التوبة هي العزم على عدم العود للمعصية وليس عدم الوقوع فيها، فإذا رجع المرء للوقوع في نفس الذنب لم تهدم توبته السابقة، لكن عليه بتجديد التوبة.
أخرج البخاري في [صحيحه] عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا -وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا- فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ -وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ- فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ -أَوْ أَصَبْتُ- آخَرَ، فَاغْفِرْهُ؟ فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا، قَالَ: قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ -أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ- آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ).
قال النووي رحمه الله: "لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته" [شرح النووي على مسلم 17/ 75].
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: "فلو فعل الإنسان مثل هذا في اليوم مراراً وتاب التوبة بشروطها فإن الله يغفر له" [شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد، ص138].
فعلى المسلم أن يحسن الظن بالله عز وجل، ويتيقن بأن الله يقبل عبادة العابدين، وتوبة التآئبين، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53، وقال جل جلاله: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ) رواه الترمذي.