لطالما حلم المصريون بتحويل صحاري بلادهم الشاسعة إلى جنان خضراء تزخر بالخير والرخاء. حلمٌ يحقق فيه المصري أمنهُ الغذائي ويعمل من خلاله على زيادة مساحة الرقعة الزراعية في البلاد التي عانت من تجريف كبير لأراضيها الزراعية خلال العقود الماضية.
توشكى أو "توشكى الخير" كما يُحب أن يُطلق عليها العاملون بها كانت شاهدة على الحلم المصري، الذي تحقق في أعوام قليلة صاحبهُ إرادة وطنية نجحت في استصلاح نحو 500 ألف فدان وزراعتها بمحاصيل استراتيجية ومحاصيل متنوعة.. ونجحت الإرادة الوطنية في تطويع الطبيعة والصحراء لتحقيق الأمن الغذائي للشعب المصري.
ولرصد ما تحقق في المشروع القومي العملاق ؛ كان لـ "صدى البلد" جولة داخل مشروع توشكى وذلك من خلال الزيارة التي نظمتها إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة إلى المشروع القومي العملاق، - زيارة - ، رأينها فيها معجزة المصريين في الجنوب ، معجزة تحويل الصحراء الشاسعة الممتدة على عشرات الكيلومترات إلى مساحات خضراء لا تنتهى.
زيارة "صدى البلد" إلى توشكى ليست الأولى، بل سبقها زيارة في أغسطس من العام الماضي، رصدنا فيها ملحمة المصريين في تأهيل مئات الآلاف من الأفدنة من أجل زراعتها بالمحاصيل المختلفة وعلى رأسها محصول القمح الاستراتيجي؛ وذلك في إطار خطة الدولة لتحقيق الأمن الغذائي من السلع الاستراتيجية للشعب المصري.
رحلة الـ 1200 كيلومتر
في السابعة والنصف صباحًا وفي أجواء مُشمسة لم تصل إلى حدتها بعد، أقلعت إحدى الطائرات مُتجهة إلى مطار أبوسمبل، قاصدة مشروع تنمية جنوب الوادي "توشكى" في أقصى جنوب البلا، وعلى مدار ساعتين من الرحلة التي قطعت فيها الطائرة مسافة اقتربت من 1200 كيلومتر حتى وصلت إلى وجهتا، كانت الأسئلة تراودنا .. ماذا سنرى في توشكى بعد الملحمة التي رأينها في العام الماضي.
الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية
وبعد مُعاناة شديدة مع حرارة الجو خلال الرحلة التي استغرقت ساعة من مطار أبو سمبل إلى منطقة توشكى، استقبلنا رئيس الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية بماء رطب، وأوضح في بداية حديثه أننا محظوظين لأن درجات الحرارة اليوم رائعة في حين أنها اقتربت من الخمسين .. فكيف هي الحياة عندما ترتفع درجات الحرارة.
بعد الترحيب بنا، تحدث معنا رئيس الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية بأن السر وراء إحياء العمل في منطقة توشكى مرة أخرى يكمن في "الإرادة السياسية"، بعد أن أُهمل المشروع منذ عام 2000 ولم يتم إنجاز المُستهدف منهُ منذ ذلك الوقت، كما أوضح رئيس الشركة أنه تلقى تكليفات رئاسية مباشرة من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي بدراسة إحياء مشروع توشكى من جديد وإضافة مساحات كبيرة لهُ، وهذا ما حدث لأكثر من عامين في الفترة من 2017 حتى 2019 ، والتي بدأت باستصلاح مزرعة توشكى بمساحة 25000 فدان حتى بدأت الشركة في مشروع تنمية جنوب الوادي بتوشكى بمساحة 500 ألف فدان عام 2019 تصل لـ 600 ألف فدان بنهاية عامة 2025.
جولة داخل مزارع توشكى
اصطحبنا رئيس الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية في جولة داخل مزارع.. بدأت بحضور الجزء الأخير من حصاد القمح كما تجولنا في مزارع النخيل والعنب والمانجو المنتشرة في جميع أنحاء المشروع .. رأينا خلال جولتنا إرادة وطنية حقيقية لم تتنازل في يوم من أجل نجاح المشروع الذي ظل يعاني طيلة السنوات الماضية.
وخلال جولة "صدى البلد" في المشروع القومي العملاق الذي نفذه المصريون في الجنوب، تغير اللون الأصفر "لون الصحاري" داخل المزرعة إلى "اللون الأخضر" خلال عام واحد .. جولة رصدنا فيها ملحمة المصريين في تحدى التحدي ذاته من أجل إدخال مئات الآلاف من الأفدنة إلى الخدمة لزراعتها بالمحاصيل الإستراتيجية المختلفة وعلى رأسها محصول القمح وذلك لتقليل الفجوة الاستيرادية ولتحقيق الامن الغذائي.
رئيس الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية أكد خلال الجولة أن المخطط الاستراتيجي لتوشكى يشمل زراعة محاصيل استراتيجية مهمة للدولة كـ "القمح - الذرة" كذلك زراعات مُهمة كـ "الخضار - الفاكهة - البرسيم - والنخيل" وزراعات لها مستقبل واعد كـ "النباتات الطبية والعطرية".
وعند الحديث عن الزراعة يتم الحديث عن الماء ، لذلك ، كشف رئيس الشركة أن المياه التي تُغذي مشروع توشكى قادمة من بحيرة السد العالي عبر ترعة الشيخ زايد ويمتد منها 4 فروع مياه، ويتم استخدام تلك المياه في تحقيق أقصى استفادة منها.
4000 مدني يعملون داخل الشركة
أثناء جولة "صدى البلد" في مشروع توشكى تحدث معنا رئيس الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية عن أهداف الشركة ومُستهدفاتها التي أنُشئت من أجلها عام 1995، وأوضح أن الشركة تعمل على استصلاح وزراعة الأراضي الصحرواية وتقليل الفجوة الغذائية وخلق فرص عمل للشباب وإقامة مجتمعات عمرانية جديدة.
وأوضح خلال أن هُناك ما يزيد على 4000 مدني يعملون داخل الشركة نصفهم في مشروع توشكى، بجانب المئات من العمالة غير المباشرة ومهن وصناعات مرتبطة بمشروعات الشركة الزراعية المنتشرة في ربوع مصر.
العاملون يتحدثون لـ "صدى البلد"
ولأن البطل الحقيقي في هذا المشروع القومي العملاق هم العاملون فيه؛ فكان لـ "صدى البلد" لقاءات مع العاملين في المشروع للحديث عن قصص نجاحهم في تحويل صحراء توشكى إلى جنان خضراء.
"بخيت جرجس ميخائيل" أحد العاملين في المشروع تحدث عن عمله داخل مشروع توشكى، وأوضح أنه يقوم بزراعة النخيل ويعمل على حصاد التمر، بالإضافة إلى أنه يقوم بزراعة أصناف أخرى من الزراعات حسب موسم الزراعة الخاص بها.
وأضاف ابن محافظة أسيوط في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد" أن الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية توفر لكافة العاملين في المشروعات التابعة لها كل المتطلبات الإدارية والمعيشية التي تساعدهم على تأدية عملهم بدقة وإتقان.
من جهته، قال ممدوح أحمد محمد أحد العاملين في المشروع أنه يعمل في الشركة منذ عام 1998 وكانت بداية عمله في مزرعة شرق العوينات؛ ومع تكليف الشركة بالإشراف على مشروع تورشكى، كان من ضمن المستدعين إلى المشروع القومي للمساهمة في تحقيق الحلم بتحويل الصحراء إلى مناطق مزروعة.
وكشف في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد" أنه تم زراعة ٥٠٠ ألف فدان قمح في منطقة توشكى في الموسم الحالي كاشفا أن متوسط إنتاجية فدان القمح من ١٨ لـ ٢٠ أردب في الوقت الحالي وأن الشركة لديها هدف بأن تصل إنتاجية الفدان لتصل ٢٤ أردب قمح للفدان الواحد خلال الفترة المقبلة.
في ذات السياق؛ قال المهندس الحسين عبد الرحمن أحد المسؤولين في المشروع، إن مشروع توشكى يوجد به ٢٧ ألف فدان نخيل بواقع ٢.٦ مليون نخلة، تم زراعة ١.٦ مليون منها، والباقي تتم زراعته وفق خطة معدة مُسبقا.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد" أن هناك أكثر من ٣٠٠٠ عامل يعملون في مزرعة النخيل في مشروع توشكى، وأن جميع الزراعات التي تتمم داخل المشروع يتم التنسيق لزراعتها في تعاون مع الجهات المختصة في وزارتي الري والزراعة وذلك لتحقيق أفضل إنتاجية بجودة عالية بأقل نسبة مياة.