أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله سوق البُن العالمي، مشيراً إلى أن البُن يعتبر من السلع التي تحظى باهتمام شديد في معظم دول العالم.
وأشار إلى أن أي تهديد يمس تلك السلعة مثل التهديدات المناخية التي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة؛ كتغير المناخ والظواهر الجوية المتطرفة كالجفاف والفيضانات، قد يشكل تحديًا كبيرًا لإنتاجية البُن على المستوى العالمي، فعلى سبيل المثال خفض المحصول، أو رفع تكاليف الإنتاج الخاصة بصناعة القهوة يؤدي إلى تأثيرات اقتصادية واجتماعية على المجتمعات المعتمدة على زراعة البُن.
ونوه التحليل بأنه في ضوء ذلك، يجب الاعتماد على التقنيات الحديثة للتكيف مع ظروف المناخ المتغيرة بشكل أفضل؛ لتعزيز استدامة إنتاجية البُن وصناعة القهوة في ظل تلك التحديات.
وأوضح التحليل أن البُن يُعَّد من أكبر السلع تداولًا حول العالم، نظرا لكونه ثاني أكثر المشروبات استخدامًا بعد المياه، وتأتي أهميته الاقتصادية من احتواء سلسلة التوريد الخاصة بإنتاجه على العديد من المراحل، بداية من مرحلة زراعته وحصاده، مرورًا بمراحل تصنيعه، حتى يتم وصوله للمستهلك النهائي، وهناك ما يقرب من 25 مليون مُزارع وعامل في أكثر من 50 دولة حول العالم في صناعة البُن.
وفيما يتعلق بصناعة القهوة، تمر تلك الصناعة بالعديد من المراحل مثل مرحلة التحميص، والتعبئة، ثم التغليف، مما يتطلب إنشاء مصانع لتوفير الآلات والمُعدات اللازمة لكل عملية حتى يتم الوصول إلى المستهلك النهائي، كما أن هذه الصناعة تعمل على توفير العديد من فرص العمل، وزيادة الإيرادات. كما أن قطاع النقل والشحن البري والبحري للدول المُنتجة للبُن يشهد نشاطًا بشكل دائم ومستمر، ويرجع ذلك إلى ارتفاع حجم الطلب العالمي على هذه السلعة.
وذكر المركز أنه وفقًا لتقرير حديث صادر عن منظمة القهوة العالمية في ديسمبر 2023، بشأن سوق القهوة وأهم التوقعات، فإن حجم إنتاج البُن عالميًّا بلغ نحو 168.2 مليون عبوة في عام 2022/ 2023، كما بلغ حجم استهلاك البُن عالميًّا نحو 173.1 مليون عبوة في عام 2022/ 2023. ومن المتوقع أن يرتفع إنتاج البُن لعام 2023/ 2024، بنسبة 5.8%، ليصل إلى 178.0 مليون عبوة.
كما أنه من المتوقع أن ينمو الاستهلاك العالمي للقهوة بنسبة 2.2% ليصل إلى 177.0 مليون عبوة، مع مساهمة البلدان غير المنتجة بأكبر مساهمة في الزيادة الإجمالية. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن يحقق سوق القهوة العالمي فائضًا قدره 1.0 مليون عبوة في عام 2023/ 2024.
وفيما يتعلق بأكثر المناطق إنتاجًا للبن على مستوى العالم، فقد استحوذت أمريكا الجنوبية على إنتاج البُن عالميًّا بنسبة بلغت 48.3% من إجمالي إنتاج البن العالمي في عام 2022/ 2023، تلتها آسيا وأوقيانوسيا بنسبة بلغت 29.6%.
وبحسب التقرير، يعزى انخفاض الإنتاج في كل من (آسيا وأوقيانوسيا)، وأفريقيا خلال عام 2022/ 2023، بنسبة 4.7% و7.2%، ليصل الإنتاج إلى 49.84 مليون عبوة و17.9 مليون عبوة على التوالي مقارنةً بعام 2021/ 2022، إلى الظروف الجوية المعاكسة التي تؤثر سلبًا على المنتجين الرئيسيين، ولا سيما فيتنام وكوت ديفوار وأوغندا.
وفيما يتعلق بكبرى الدول إنتاجًا للبُن عالميًّا، تصدرت دولة البرازيل في إنتاج البُن عالميًّا، نظرًا لما تتميز به من طبيعة خاصة مناسبة لزراعة البُن، حيث وصل حجم إنتاجها إلى نحو 3172.6 ألف طن من البُن خلال عام 2022، تلتها فيتنام بنحو 1954 ألف طن، ثم إندونيسيا بنحو 794 ألف طن ثم كولومبيا بـ 665 ألف طن.
وبالنسبة للتجارة الخارجية لسوق البُن، تصدرت البرازيل الدول في قيمة صادرات البُن، بقيمة بلغت نحو 8.5 مليار دولار أمريكي عام 2022، تلتها كولومبيا بقيمة 4.1 مليار دولار أمريكي، ثم ألمانيا بقيمة بلغت 3.4 مليار دولار أمريكي.
وبالنسبة لكبرى الدول استيرادًا للبن، تصدرت الولايات المتحدة الأمريكية الدول في استيراد البُن على مستوى العالم، بقيمة بلغت 9.8 مليار دولار أمريكي في عام 2022، تلتها ألمانيا بقيمة بلغت 5.7 مليار دولار أمريكي، ثم فرنسا بقيمة بلغت 3.2 مليار دولار أمريكي ثم فرنسا بـ 3.2 مليار دولار وبلجيكا بـ 2 مليار دولار.
وتناول مركز المعلومات بالتحليل سوق البُن عالمياً في ظل التحديات العالمية والتقلبات المناخية، مشيراً إلى أن زراعة البُن تعتمد على ظروف مناخية معينة، والتي في الغالب تكون في مناطق محددة على مستوى العالم، وقد تؤدي درجات الحرارة المرتفعة، وأنماط الطقس غير المتوقعة، والجفاف، وندرة المياه، وتلف التربة، وغيرها من العواقب المناخية إلى القضاء على محاصيل البُن في مناطق بأكملها، حيث دمرت هذه التغيرات بالفعل بعض المناطق التي يُزرع بها البُن، بينما لجأت بعض المناطق الأخرى إلى اتباع بعض الأساليب للتكيف مع آثار تغير المناخ، مثل اعتماد تقنيات الزراعة الحديثة.
وأضاف أن العديد من الدراسات التي أجريت على مدى العقد الماضي تتوقع انخفاضا يصل إلى 50٪ من إجمالي مساحة اليابسة الصالحة لإنتاج البُن بحلول عام 2050.
ويشكل انخفاض حجم إنتاج القهوة عالميا تهديدا للعاملين في ذلك السوق، حيث يعتمد أكثر من 125 مليون شخص بشكل مباشر على سوق البُن من أجل البقاء، وينتمي معظم هؤلاء الأشخاص إلى المجتمعات الأكثر فقرًا في العالم، بالإضافة إلى عدد الأشخاص الذين يعملون في صناعة القهوة في الأسواق الاستهلاكية الرئيسة على مستوى العالم، وقد يشهد الكثيرون أضرارا اقتصادية نتيجة عدم توفر مصدر دخل بديل مباشر لهم، بالإضافة إلى تأثر الاقتصادات المحلية، سواء بالنسبة لكبرى مُنتجي البُن في العالم مثل البرازيل أو الأسواق الاستهلاكية مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي ظل التهديدات المناخية التي تؤثر بشكل مباشر على حجم إنتاج البُن، مع ارتفاع الطلب العالمي عليه، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع تكلفة صناعة القهوة في السنوات القادمة. ونتيجة إلى ذلك، استثمرت بعض الشركات بالفعل في برامج لتعليم المزارعين كيفية زراعة البُن في المناخات الأكثر دفئًا، واستخدام ممارسات إدارة التربة؛ للتخفيف من الآثار السلبية لتغير المناخ على جودة التربة.
وتناول التحليل دور الابتكار الرقمي في سوق البُن، موضحاً أنه لا يخفى أن الابتكار الرقمي له أهمية بالغة في سوق البُن؛ حيث أحدث تغييرًا جذريًّا في نماذج الأعمال، وتقديم ميزة تنافسية في قطاع القهوة، فقد أدى دمج الابتكار الرقمي في سلاسل التوريد لسوق القهوة المتخصصة إلى حدوث نقلة نوعية، من خلال نشر التقنيات المُتطورة مثل إنترنت الأشياء (IoT)، والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وتقنية البلوك تشين (blockchain)، مما أدى إلى تغيير في عمليات إنتاج البُن من خلال الاعتماد على معايير الاستدامة الصناعية. وذلك على النحو التالي:
-إنترنت الأشياء (IoT): يمكن لمزارعي البُن، على سبيل المثال، استخدام أجهزة الاستشعار التي تدعم إنترنت الأشياء لمراقبة المتغيرات البيئية، وضمان ظروف نمو مثالية لمحصول البُن، كما يمكن استخدام تقنية إنترنت الأشياء لتحسين عمليات تصنيع القهوة، ومراقبة الجودة في قطاع القهوة المتخصصة، بالإضافة إلى توصيل أجهزة إنترنت الأشياء بآلات القهوة للتحكم في إعدادات التخمير، مما ينتج عنه قهوة عالية الجودة.
-الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي: تم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في سوق القهوة المتخصصة؛ لتحسين تجارب العملاء، وتبسيط العمليات التجارية. وتوفر الروبوتات والمساعدون الافتراضيون المدعومون من الذكاء الاصطناعي تفاعلات مخصصة للمستهلكين، مما يساعد العملاء في اختيار نكهات القهوة المفضلة لديهم، وتقديم توصيات بناء على تفضيلاتهم. وقد تعمل خوارزميات التعلم الآلي على تقييم بيانات العملاء لاكتشاف الاتجاهات والأنماط، مما يسمح للشركات بتعديل استراتيجيتها التسويقية وعروض منتجاتها وفقا لذلك.
-تقنية البلوك تشين (Blockchain): تعمل تقنية البلوك تشين في قطاع القهوة المتخصصة على ضمان إمكانية التتبع، وتعزيز الشفافية والثقة، حيث يمكن لشركات القهوة المتخصصة تزويد المستهلكين بمعلومات يمكن التحقق منها حول إجراءات الإنتاج، وشهادات التجارة العادلة لحبوب البُن الخاصة بهم، مما يسمح للمستهلكين باتخاذ قرارات أكثر وضوحًا، والمساهمة في استدامة إنتاج القهوة.
وسلَّط التحليل الضوء على سوق البن المصري، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن يصل حجم استهلاك البن في مصر نحو 31.5 مليون كيلوجرام في عام 2024، مقابل 29.8 مليون كيلوجرام خلال عام 2023، بنسبة ارتفاع تبلغ 5.7%.
وفيما يتعلق بسوق القهوة الجاهزة (RTD) في مصر، أوضح أنه شهد نموًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك إلى العوامل التالية:
-تفضيلات العملاء: أظهر المستهلكون المصريون تفضيلًا متزايدًا لاستهلاك الطعام والشراب أثناء التنقل، مما ساهم في زيادة شعبية القهوة الجاهزة للشرب، بالإضافة إلى نمط الحياة المزدحم، والذي ساهم في زيادة رغبة الأفراد في الطلب على المشروبات الجاهزة.
-اتجاهات السوق: أحد الاتجاهات الرئيسة في سوق القهوة في مصر هو التوسع في تنوع المنتجات، حيث قامت العلامات التجارية المحلية والعالمية بالاعتراف بإمكانيات هذا السوق، وقدمت مجموعة واسعة من خيارات القهوة؛ لتلبية تفضيلات المستهلكين المختلفة. ويشمل ذلك التغييرات في النكهات وتنسيقات التعبئة ومحتوى الكافيين، علاوة على ذلك، هناك تركيز متزايد على الخيارات الصحية، مع إدخال البدائل ذات السكر المنخفض والنباتية لمنتجات القهوة الجاهزة التقليدية. هذا بالإضافة إلى الرغبة في تجربة المنتجات الجديدة، مع كون عدد السكان في فئة الشباب في مصر يمثل فرصة سوقية هامة لكبرى الشركات العالمية في سوق القهوة، حيث إن هناك طلبا قويا على تلك المشروبات الجاهزة.
وأشار التحليل في ختامه إلى أنه يمكن القول إن هناك فرصًا واعدة في سوق البُن يمكن تعزيزها واستثمارها من خلال بذل المزيد من الجهد لتسريع الابتكارات في مجال زراعة البُن من أجل تعزيز الإنتاجية، وحماية السوق من تداعيات التغيرات المناخية، وتبني تقنيات أكثر مراعاة للبيئة، بالإضافة إلى التركيز على جعل سلسلة توريد البُن بأكملها أكثر استدامة.