هل دعاء العائدين من الحج مستجاب؟ سؤال أجابته دار الإفتاء المصرية، حيث أكدت أن زيارة العائدين من أداء فريضة الحج والتماس الدعاء منهم والتبرك به أمرٌ مستحبٌّ شرعًا؛ على ألَّا ينشغل القادم من الحج باستقبال الزائرين والضيوف عن القيام بمهامه وتكليفاته المنوطة به؛ وخاصة أداء الصلاة جماعة في المسجد -كما ورد في السؤال-، بل عليه أن يحافظ على أداء الصلاة جماعة في المسجد، ويحصل فضل الجماعة له بصلاته في بيته مع مَن حَضَر معه.
هل دعاء العائدين من الحج مستجاب؟
وقالت الإفتاء إن الحج ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه على كلِّ مسلمٍ مُكَلَّف قادر مستطيعٍ في العمر مرةً واحدةً، قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97].
وأخرج الإمام البخاري في "صحيحه" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».
وقد بينت نصوص الشرع الشريف أجرَ الحج المبرور وثوابه، منها: ما أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ».
حكم استقبال العائدين من الحج وطلب الدعاء منهم
وأوضحت الشخص الذي أكرمه الله تعالى بأداء فريضة الحج، ثم عاد إلى وطنه سالمًا، فإنه يُرجى له أن يكون مُجابَ الدعاء؛ وذلك لما حصله من الأجر العظيم والثواب الجزيل بمغفرة ذنوبه، ورجوعه من الحج كيوم ولدته أمه، لذا فإن عادة بعض الناس في استقبال العائدين من الحج؛ ليسألوهم الدعاء وليتبركوا بقدومهم من بيت الله الحرام -أمر مشروع، ولا حرج فيه؛ فقد بوَّب الإمام البخاري في "صحيحه" بابًا أسماه: "بَابُ اسْتِقْبَالِ الحَاجِّ القَادِمِينَ وَالثَّلَاثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ"، وأورد فيه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم مَكَّةَ، اسْتَقْبَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَآخَرَ خَلْفَهُ».
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/ 619): [وكون الترجمة لتلقي القادم من الحج، والحديث دال على تلقي القادم للحج، ليس بينهما تخالف؛ لاتفاقهما من حيث المعنى، والله أعلم] اهـ.
وقال الإمام بدر الدين العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (10/ 133، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقال صاحب "التوضيح": وفيه: تلقي القادمين من الحج إكرامًا لهم وتعظيمًا؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر تلقيهم، بل سُرَّ به لحمله منهم بين يديه وخلفه.. نعم، يُمكن أَن يُؤْخَذ مِنْهُ تلقي القادمين من الْحَج، وَكَذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ مَن قَدِم مِن جِهَادٍ أَو سفرٍ، لِأَن فِي ذَلِك تأنيسًا لَهُم وتطييبًا لقُلُوبِهِمْ] اهـ.
ومما يؤكد جواز تلك العادة المستحبة -استقبال القادمين من الحج- ما أخرجه الإمام الحاكم في "المستدرك على الصحيحين"، عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: «أَقْبَلْنَا مِنْ مَكَّةَ فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَلَقِيَنَا غِلْمَانٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَ أَهَالِيَهُمْ إِذَا قَدِمُوا».
وقد أخرج الإمام البيهقي في "شعب الإيمان"، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «لَوْ يَعْلَمُ الْمُقِيمُونَ مَا لِلْحُجَّاجِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَقِّ، لَأَتَوْهُمْ حِينَ يَقْدَمُونَ حَتَّى يُقَبِّلُوا رَوَاحِلَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ وَفْدُ اللهِ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ».
وهو ما جرت عليه عادة بعض البلاد؛ كما قال الإمام بدر الدين العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (10/ 133) في تلقي القادمين من الحج: [وتلك العادة إلى الآن يتلقى المجاورون وأهل مكة القادمين من الركبان] اهـ.
قال الشيخ محمَّد الخَضِر الجكني الشنقيطي في "كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري" (14/ 49، ط. مؤسسة الرسالة): [«لِأَنَّهُمْ وَفْدُ اللهِ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ»، وما للمنقطع حيلة سوى التعلق بأذيال الواصلين] اهـ.
هل دعاء القادم من فريضة الحج مستجاب؟
قد وردت عدة آثار تدل على أن دعاء القادم من فريضة الحج مستجاب؛ ومنها: ما أخرجه الإمام الحاكم في "المستدرك على الصحيحين"، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ».
وما أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه -موقوفًا- قال: «يُغْفَرُ لِلْحَاجِّ وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ وَعَشْرٍ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ».
وله شاهد آخر أخرجه الفاكهي في "أخبار مكة"، عن معاوية بن إسحاق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْحَاجُّ يُغْفَرُ لَهُ، وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ إِلَى انْسِلَاخِ الْمُحَرَّمِ».
قال العلامة ابن علان الشافعي في "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (3/ 237، ط. دار المعرفة): [وأشار إلى فضل السفر الصالح، وأن القادم منه أرجى لإجابة دعائه.. وقد ورد: «إذا لقيت الحاج فمره فليستغفر لك»، وفي حديث آخر: «إن الله يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج حتى يرجع إلى بيته»] اهـ.
وقال الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (3/ 88، ط. دار السلام): [«اللَّهم اغفر للحاج» فرضًا أو نفلًا «ولمن استغفر له الحاج» حين حجه وبعده وإن كان ظاهرًا في الأول، وفيه أنه يطلب الاستغفار من الحاج ليدخل في دعائه صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
جاء ذلك في جواب سائل يقول: ما حكم طلب دعاء العائدين من الحج، وتركهم صلاة الجماعة في المسجد بعض الأيام؟ فقد سافر بعض الناس في قريتي لأداء فريضة الحج، وبعد عودتهم إلى بلدهم، لم يحضر عدد منهم إلى صلاة الجماعة في المسجد مدة أسبوع أو يزيد، فذهبت أنا وأحد الأصدقاء إلى بيوتهم نسأل عنهم، فوجدناهم بخير حال، ولما سألناهم عن سبب عدم مجيئهم لصلاة الجماعة كان جوابهم أن عادة العائلة عندهم أن الحجاج عند رجوعهم من البقاع المقدسة إلى بلدانهم يلزمون بيوتهم أسبوعًا لا يخرجون؛ لأن الناس تنكب عليهم لطلب دعائهم، فهل هذا أمر جائز شرعًا؟