قالوا قديما إن الفن انعكاس لطبيعة المجتمع وأخلاق شعبه ، وقال أحد العالمين إسمعنى أغنية يفضلها مواطنونا أو بلد وأنا من خلالها أصنف وأفند ثقافة هذا الشعب ورقيه الحضارى . تاريخ الشعوب مرتبط بما تفرزه الحالة الفنية وماتتسم به كل مرحلة من ازدهار أو انهيار يعبر عنها الفن بوسائله المختلفة من سينما ودراما وأغانى ومسرحيات ومخطوطات وغيرها من وسائل الفن .
التاريخ يتحدث إلينا عن نماذج عبقرية استطاعت بفنها أن تقول ما عجز عنه الكثير ممن يمسكون بعصا الأمنيات والأمور من القول والحديث والأمر والنهى ، فقط الفن نجح فى ذلك وكم من أغنيات صدح بها الفنانون وجهت معانى سياسية وحسمت أمورًا وطنية من بينها الأغنية الشهيرة التى كان لها أثر كبير فى اعادة الزعيم المصرى سعد زغلول ومن منفاه والتى تحايل فيها الكاتب على السلطات الحاكمة حينذاك وقال " يابلح زغلول ياحليوه يابلح" وبالطبع كانت رسالة للشعب كله بأن يواصل دعمه للزعيم المصرى فى منفاه ويقول للحكومة حينها انه يرفض ماتقوم به من دعم سلطات الاحتلال فى تعاملها مع الرموز الوطنية وعلى رأسهم بالطبع سعد زغلول .
ويقولون ايضا أن أم كلثوم الوطنية حتى النخاع صدحت بكلمات تخص بها الكاتب الصحفى مصطفى أمين وتمثل رسالة منه الى الدولة باطلاق سراحه وهذه الكلمات تغنت بها أم كلثوم وأطربت مستمعيها وهى تقول " أعطنى حريتى أطلق يديا .. اننى اعطيت ما أستبقيت شيئا ، آه من قيدك أدمى معصمى ولما أبقيه ؤما أبقى عليا ".. الفن كان له رسالة وطنية أبرزتها هذه المواقف وتلك الوقفات ، فى عهد الفن الجميل والزمن الأجمل كان عمالقة هذا الفن وتلك المرحلة دلائل ثابتة على انعكاس رقى وأخلاق مجتمع متمسك بقيمه ورواسخه رغم مايشهده من مشاكل وأزمات على رأسها الاحتلال الانجليزى وماتبعه من سلبيات وترهلات حياتية وسياسية ، رموز الفن حينها كانوا يتمتعون بالتواضع والانخراط فى هموم ومشاكل بلادهم وكانوا سفراء رائعين لبلادهم فى كافة المحافل الدولية ، ومن أمثلة تواضع أهل الفن ما حكته الفنانة مريم فخر الدين عن العظيم فريد الأطرش وعن قصة له تقول فيها أنها عزمته فى منزلها على حفل بعد نجاح احد افلامها وكانت تنتظره فى الشرفة ولما رأته وصل انتظرته على باب الشقة كثيرا ولم يصعد اليها ، ولما قلقت نزلت اليه لتجده جالسا أمام باب العمارة محاطا بالعديد من حراس العقارات " البوابين " وهو يغنى لهم وهم سعداء جدا به ومعه .
ونموذج اخر عن الفنان فريد شوقى الذى ذكر عنه " عبد الله " (ميكى ماوس) الصحفى الاشهر وقتها أن شوفى كان يقطن فى احدى البنايات الملاصقة لمحلات صيدناوى الشهيرة وكان عند خروجه وعودته يجد احد العمال يجرى اليه ويسلم عليه ، وفى كل مره كان الامن يحاول منعه وشوفى يتدخل ، وفى يوم لم يرى هذا العامل فسأل عليه وعرف أنه مريضا فقام بزيارته فى منزله .. نماذج كثيرة لاتحصى ولاتعد ولن يتسع المقال لذكرها والحديث عنها وكلها تقول ان فنانى العصر القديم لم يتكبروا يوما عن المواطنين ولم يصدر منهم أو سلوك يقول فى أى لفظة منه اشمئزاز أو أمتعاض من سلوك المعجبين والمتابعين لهم ، ومع تغير الاخلاقيات وإختلاط المفاهيم وزحمة الواقع المجتمعى واختلاط أوراق تقييم الفن والفنانين ، وسيطرة لغة التريند والشهرة وتوابعها المادية ظهر الفن والفنانين مغايرين لسابقيهم وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات وصور غريبة لفنانين احدهم يصفع احد المعجبين لانه اقترب منه كثيرا وشده اليه كى يلتقط معه صورة ، وأخرى تتلفظ بالفاظ غريبة ، وآخرين يتباهون بحجم الثراء بطرق مستفزة تثير ألم غير القادرين وحزنهم . بالفعل نحن بحاجة الى ترديد كلمات الشاعر العظيم بيرم التونسى وهو يقول " ياأهل المغنى دماغنا وجعنا ، دقيقه سكوت لله.