ظلت مصر طوال تاريخها مقاومة ضد الاستعمار وأعوانه، ولم تنحن يومًا إلى الرضا بوجود المحتلين، حتى إن تخلخل الرصاص صدور المقاومين.
وضربت مصر مثالًا قويًا من خلال أدبائها ومثقفيها وصحفييها ومحاميها ورجال أمنها وجنودها البواسل وفدائييها بكل طوائفهم ونسائها، في مقاومة هؤلاء الأعداء بكل الطرق لمنع استقرارهم في أراضينا.
وظل حلم الاستقلال هدفًا توارثته الأجيال، فتعاقبت الحركات والثورات وتوحدت أهدافها من أجل "الاستقلال ولا شيء سواه".
فالثورة العرابية التي قادها البطل المصري "أحمد عرابي" من 1879 حتى 1882، ضد التدخل الأجنبي السافر، كانت أهم مطالبها إنشاء برلمان، وتغيير الحكومة، ومساواة الجنود المصريين بأمثالهم، وتعزيز قوة الجيش المصري.
وبقراءة لما قاومه عرابي آنذاك، فما هو إلا سعي بيقين لإيقاف التدخل الذي تسبب فيه "الخديوي عباس" برمي بساط التساهل أمام سفراء الدول الأجنبية وتسهيل الامتيازات أمامهم.
واستمر هذا الفداء والنضال ليكلل جهود الشعب باندلاع ثورة 1919، التي كانت نتيجة غضب شعبي ضد السياسات البريطانية، والاحتلال الإنجليزي الذي تمادى كثيرًا، حتى إنهم قرروا مصير المصريين وبلادهم بإلغاء الدستور المصري الصادر عام 1882، بخلاف إعلان الأحكام العرفية، ومصادرة أملاك المصريين للإسهام في تكاليف الحرب العالمية الأولى، التي لم تكن مصر طرفًا فيها.
فقاد الزعماء مصطفى كامل ومحمد فريد المقدمات والبدايات التمهيدية لهذه الثورة، بمشاركة الصحفيين والكتاب والمحامين في زيادة للوعي وتوطين التحرر الوطني.
ليطالب الزعيم سعد زغلول وقادة شعبيين آخرين، بتحقق مصير شعبهم استنادًا لإعلان "ويلسون"- الهدنة التي أنهت الحرب العالمية الأولى-، وطلبوا تمكينهم من الذهاب إلى أوروبا بعد مقابلة المندوب السامي البريطاني، لعرض حق استقلال مصر على مؤتمر "الصلح" الذي سيعقد في أوروبا، والذي كان من ضمن طياته حق تقرير الشعوب مصيرها واستقلالها.
لكن طلب سعد زغلول ورفاقه لم يلق قبولًا من قبل الاحتلال، فاستغلوا ما أقامه الشعب من احتجاجات ضد الموقف السلبي لـ"السلطان فؤاد"، ورفض المندوب سفر سعد زغلول "بعد أن فوضه المصريون لتمثيلهم في هذا المؤتمر لنيل الاستقلال"، فنفوا سعد زغلول ومحمد محمود وحمد الباسل وإسماعيل صدقي إلى جزيرة مالطة.
لكن الشعب بكل طوائفه خرج في مظاهرات ضد ما فعله الاحتلال، ليسقط كثير من الشهداء من أجل مصر، وتتراجع إنجلترا عن قراراتها، وتفرج عن سعد وأعوانه، وسمحت للوفد المصري بالسفر إلى أوروبا للتفاوض بشأن استقلال مصر، ليجد طالبو استقلال مصر الأبواب مغلفة أمامهم، بعد أن قررت الدول الكبرى الحماية البريطانية على مصر.
ونفى الإنجليز "سعد" مرة أخرى، لتزداد الثورة اشتعالًا من جديد، ويضطروا إلى إعطاء مصر بعضًا من حقوقها بإعلان تصريح 28 فبراير 1922، الذي نص على إلغاء الحماية البريطانية على مصر، وإعلان مصر دولة مستقلة، وتهيئة البلاد للحياة الدستورية.
ليعقب ذلك بعد نضال، تحقيق بعض المزايا لمصر بإعلان معاهدة 1936 التي نصت على انتهاء الاحتلال البريطاني لمصر عدا منطقة قناة السويس، وإلغاء الامتيازات الأجنبية، ودخول مصر عصبة الأمم.
ليخالف الاحتلال وعوده ويتدخل في شئون مصر بعد حادثة 4 فبراير 1942 من جديد، وتتعاقب أحداث المقاومة التي من أهما ما قام به بواسل الشرطة في 25 يناير 1952 بالإسماعيلية.
ويقود الضباط الأحرار ثورة 1952 ضد الملك فاروق وأعوانه والاحتلال، بعد فساد استشرى في كل ربوع مصر ومصالحها.
ليكون من أهم نتاج ثورة يوليو 1952، إبرام اتفاقية الجلاء في 18 يونيو 1956 التي أجبرت البريطانيين على الخروج من مصر، بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر.
ليكن في تنفيذ الاتفاقية إنهاء لما عانته مصر من احتلال دام أربعة وسبعين عاما جنى فيها الاحتلال قوت الشعب.
ومن الصور التي خلدها التاريخ ببهو "البرلمان المصري" مرور الرئيس جمال عبد الناصر ومعه المفوض عن إنجلترا "المستر ناتنج" أمام صورة الزعيم أحمد عرابي.
بما يعطي ويؤكد استمرار الكفاح والنضال، بل إن رمزية المرور أمام صورة "عرابي" تدلل على أن كفاحه لم يذهب هباء، فتكلل سعيه بنجاح أبناء وطنه بخروج من حاربهم بعد مرورهم أمام صورته.
عاشت مصر حرة مستقلة.. عاش شعبها الباسل.
[[system-code:ad:autoads]]