القمة.. التي كانت طموحة في البداية، انتهت بالتعقيدات الجيوسياسية وأجندات قوى الجنوب العالمي من الصين إلى الهند.
ولم تسفر التي استمرت يومين بشأن الحرب في أوكرانيا عن سوى القليل من النتائج الملموسة نحو السلام، أراد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حشد الدعم الدولي، وخاصة من الجنوب العالمي، للحفاظ على التركيز العالمي على الغزو الروسي.
لكن دول الجنوب العالمي الكبرى، بما في ذلك الهند وجنوب أفريقيا والمملكة العربية السعودية وإندونيسيا وتايلاند والمكسيك والإمارات العربية المتحدة، امتنعت عن تأييد البيان المشترك، ما يظهر انقسامًا عالميًا كبيرًا.
لقد كانت هذه انتكاسة لزيلينسكي!!
كانت الصين قد رفضت حضور القمة يومي 15 و16 يونيو، والتي كانت تتويجا لجهود زيلينسكي التي استمرت 19 شهرا لإشراك زعماء العالم لحل أكبر صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
واستضافت سويسرا هذا الحدث على أمل إرساء الأساس لعملية سلام تشمل روسيا، على الرغم من عدم دعوة موسكو، كما اختار الرئيس الأمريكي جو بايدن عدم الحضور، وحلت مكانه نائبة الرئيس كامالا هاريس.
وكان غياب بايدن، الذي كان ظاهرياً بسبب حملة لجمع التبرعات في كاليفورنيا، مؤشراً على انخفاض توقعاته للقمة.. ويبدو أن هذه هي توقعات العديد من المشاركين في القمة.
وعلى الرغم من الدعوات الموجهة إلى أكثر من 160 دولة ومنظمة دولية، فقد تقلبت قائمة الحضور وانخفضت في النهاية إلى حوالي 100، وأرسلت دول مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا ممثلين على مستوى أدنى، وألقى المنتقدون باللوم على نفوذ الصين في انخفاض المشاركة.
ووصفوا التوافق المكون من ست نقاط بين الصين والبرازيل بشأن الأزمة الأوكرانية بأنه مقاطعة ماهرة للغرب.
لكن هذه الرواية تبدو ممطوطة بعض الشيء… وإلقاء اللوم على الصين وحدها في غياب بعض البلدان يتجاهل التعقيدات الجيوسياسية الأوسع.
أما جنوب أفريقيا والهند، بابتعادهما عن البيان المشترك، فهما يتحوّطان رهاناتهما بمبادرات السلام الخاصة بهما، وتتطلع نيودلهي على وجه الخصوص إلى القيام بدور الوساطة.
وتجنب الرئيس مودي، وإدارته اتخاذ موقف حازم بشأن الصراع الأوكراني لتجنب استعداء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويعكس هذا الغموض الاستراتيجي التوازن الذي تمارسه الهند، بهدف الحفاظ على نفوذها الدبلوماسي.
ومن خلال عدم الالتزام، تريد الهند أن تبقي خياراتها مفتوحة، وأن تكون مستعدة للتحرك عندما تسنح فرصة الوساطة، في حين تحافظ على علاقاتها الحاسمة مع روسيا، وبالمثل، تبحث المملكة العربية السعودية عن دور لها في هذا المجال، وتقف المملكة على استعداد لمساعدة عملية السلام لكنها تؤكد على أن أي حل مستدام سوف يستلزم "تسوية صعبة".
تهدف إحدى القوى إلى تأطير الصراع في سرد "الخير مقابل الشر"، وهو ما يترجم إلى دعم روسيا ومعارضتها، وتدعو مجموعة أخرى إلى وقف إطلاق النار ووقف الأعمال العدائية ــ مع بعض التنازلات غير المريحة بطبيعة الحال ــ باعتبارها الأولوية القصوى.
وفي خطوة أخرى غير متوقعة بالنسبة لزيلينسكي، عشية القمة، أصدر بوتين شروطًا صارمة لوقف إطلاق النار، وفي ازدراء محسوب، طالب أوكرانيا بالتنازل عن سيطرتها على أربع مناطق، بما في ذلك الأراضي الواقعة تحت الاحتلال الروسي.
وتوقعاً للرفض السريع من كييف والعواصم الغربية، طرح بوتين عمداً مصطلحات تهدف إلى جذب انتباه وسائل الإعلام والتقليل من أهمية القمة، وواجه زيلينسكي انتكاسة أخرى في القمة عندما ظل مكان الاجتماع التالي غير محدد.
ومن الضروري أن ندرك أن أهداف القمة كانت طموحة، وأن مستويات المشاركة المتنوعة تعكس وجهات نظر عالمية متنوعة بشأن الصراع في أوكرانيا.
ولكن على الرغم من أن القمة لم تحقق أهدافها الأساسية، إلا أنها سلطت الضوء على الحاجة إلى استمرار الجهود الدبلوماسية، وتؤكد ردود الفعل المتباينة الديناميكيات المعقدة للعلاقات الدولية، وخاصة في معالجة مثل هذه الأزمة العميقة،
والخلاصة واضحة: يحتاج زيلينسكي إلى القيام بالمزيد من الواجبات قبل إطلاق مثل هذه الاجتماعات الطموحة.
من المرجح أن تكون ردود الفعل المتنوعة في القمة قد زودت زيلينسكي بمواد وافرة لمراجعة وإعادة ضبط نهجه الدبلوماسي في حشد الدعم، إن اعتماده الكبير على الحلفاء الغربيين مع إهماله التعامل مع الجنوب العالمي جعله عرضة لمثل هذا الموقف المحرج.
ويكمن جذر المشكلة في غياب إطار أمني مشترك وشامل وتعاوني ودائم. وبدون هذا الإطار فإن مؤتمرات القمة للسلام سوف تسفر عن نتائج محدودة. إن فهم هذه الحقيقة أمر بالغ الأهمية إذا كان للعالم أن يرسم الطريق نحو السلام المستدام في المنطقة.