ما حكم من لم يستطع إكمال الحج لمرض؟ للحج أركان أهمها الوقوف بعرفة، وفي السطور نوضح أحكام الحج لمن لم تكتمل حجته لمرض.
حكم من لم يستطع إكمال الحج لمرض
ويعد المرض خلال العمرة عمله عمل المحصر وإذا أحصر المرء في مكة فعليه أن يذبح هديًا ودم الإحصار يذبح في مكان الإحصار سواءً كان في مكة أو في غيرها للفقراء، وبالنسبة للنساء فيتوجب عليهن أن يقصرن الشعر ويمكنها أن تحج بعد حين لأنها محصورة إلا إذا صحت قبل الحج وتيسر لها الرجوع للطواف والسعي وإكمال الحج.
[[system-code:ad:autoads]]
حكم حج من أحرم ثم مات بعد الوقوف بعرفة
وحول ما حكم من أحرم بالحج ثم مات بعد الوقوف بعرفة؟ فقد توفي أحد الحُجَّاج أثناء أدائه حَجَّةَ الفريضة، وذلك بعد الوقوف بعرفة وقبل إكمال باقي أعمال الحج، ولا يستطيع ذَوُوه أن يُكمِلوا الحَجَّ عنه، فما حُكمُه؟ وهل يجب عليهم في تركته شيءٌ؟
[[system-code:ad:autoads]]
وقالت الإفتاء إن إحرام الحاج الذي مات بعد الوقوف بعرفة وقبل إتمام باقي أعمال الحج قد انقطع بموته، ولا يُكمِل أحدٌ الحجَّ عنه، لا مِن ذويه ولا غيرهم، ولا يجب في تَرِكَتِهِ شيءٌ إلا إذا كان قد أوصى بإتمام الحج عنه بعد موته، فتجب حينئذٍ في تَرِكَتِهِ بَدَنَةٌ تُجزئ عن باقي أعمال الحج التي لَم يُؤَدِّها مِن طواف الإفاضة وغيره، ويَصِحُّ بذلك حَجُّهُ ويَكمُل.
والحج ركنٌ مِن أركان الإسلام، وهو فرضٌ على كلِّ مكلَّفٍ مستطيعٍ في العُمر مرةً واحدةً؛ قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].
والوقوف بعرفة أعظمُ أركان الحج وأهمُّها؛ فقد فسَّر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم الحجَّ بأنه الوقوف بعرفة، كما جعل تمامَ الحج الوقوفَ به؛ فعن عبد الرحمن بن يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ رضي الله عنه قال: شهدتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو واقفٌ بعرفة، وأتاه ناسٌ مِن أهل نَجْدٍ، فقالوا: يا رسول الله، كيفَ الحجُّ؟ قال: «الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» أخرجه الأئمة أصحاب "السنن" -واللفظ لابن ماجه-.
وشددت: أنَّ مَن أحرم بالحج ثم مات بعد الوقوف بعرفة وقبل طواف الإفاضة -كما هي مسألتنا-، فإنَّ إحرامَه يَنقطع بموته؛ لزوال مَحَلِّ التكليف وهو الحياة، ومِن ثَمَّ لا يُبنى على حَجِّهِ، فلا يُكْمِل أحدٌ عنه ما بقي مِن أعمال الحج، ولا يَلزمُه أو ورثتَه شيءٌ ما دام لَم يُوصِ، وهو مذهب الحنفية والمالكية؛ كما في "عمدة القاري" للإمام بدر الدين العَيْنِي (8/ 51، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"اللباب في الجمع بين السُّنَّة والكتاب" لجمال الدين المَنْبِجِي الحنفي (1/ 45، ط. دار القلم)، و"شرح التلقين" لأبي عبد الله المَازَرِي المالكي (1/ 1143، ط. دار الغرب الإسلامي).
فإن أوصى بإتمام الحج عنه فإنه يَجب في مالِهِ بَدَنَةٌ مِن طريق الوصية، ويكون ذلك مجزئًا عنه شرعًا بشأن باقي أعمال الحج الذي لم يأت بها بسبب موته، ويَصِحُّ بذلك حَجُّهُ ويَكْمُل، وهو المختار للفتوى على مذهب الحنفية.
قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي في "المبسوط" (4/ 40، ط. دار المعرفة) فيمَن مات بعد الوقوف بعرفة: [إذا مات بعد الوقوف، وأوصى بالإتمام عنه، تجب بدنةٌ لطواف الزيارة] اهـ.
وقال العلامة رَحْمَةُ الله السِّنْدِي في "لباب المناسك" (ص: 158، ط. دار قرطبة) في بيان أحكام طواف الإفاضة: [ولا فوات قبل الممات، ولا يجزئ عنه البدلُ، إلا إذا مات بعد الوقوف بعرفة وأوصى بإتمام الحج: تجب البدنة لطواف الزيارة، وجاز حَجُّهُ] اهـ.
قال المُلَّا علي القَارِي في "المسلك المتقسِّط" (ص: 118، ط. الترقي الماجدية) شارحًا: [(ولا فوات قبل الممات، ولا يجزئ عنه البدل) أي: الجزاء (إلا إذا مات بعد الوقوف بعرفة) متعلِّقٌ بالوقوف (وأوصى بإتمام الحج: تجب البدنة لطواف الزيارة، وجاز حجُّه) أي: صَحَّ وكَمُل، لكن في "مناسك الطرابلسي" عن محمدٍ فيمَن مات بعد وقوفه بعرفة وأوصى بإتمام الحج: يُذبَح عنه بَدَنَةٌ للمزدلفة والرمي والزيارة والصدر، وجاز حَجُّهُ.
فهذا دليلٌ على أنه إذا مات بعرفة بعد تحقق الوقوف تَجْبُرُ عن بقية أعماله البَدَنَةُ، فلا ينافي ما في "المبسوط": أنه تجب البَدَنَةُ لطواف الزيارة إذا فَعَلَ بقيةَ الأعمال إلا الطواف] اهـ.
وتنفذ وصيتُه هذه -إذا ثبَتَت بما تَثبُت به الحقوق قضاءً- في حدود ثلث التركة وجوبًا، سواءٌ قيَّد الموصي وصيَّتَه بالثلث أو لم يُقيِّد، ويجوز تنفيذها في أكثر مِن الثلث بموافقة الورثة إذا كانوا من أهل التبرع عالِمِين بما يُجيزونه، وذلك بإجماع الفقهاء.
قال بدر الدين العَيْنِي في "عمدة القاري" (8/ 91): [وأجمع فقهاءُ الأمصار أن الوصية بأكثر مِن الثلث إذا أجازها الورثة جازت، وإن لم تُجِزها الورثةُ لم يجز منها إلا الثلث] اهـ.
وعلى ذلك نصت الفقرة الأولى مِن المادة 37 مِن قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946م، إذ جاء فيها: [تَصِحُّ الوصية بالثلث للوارث وغيره، وتنفذ مِن غير إجازة الورثة، وتصح بما زاد على الثلث، ولا تنفذ في الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصي وكانوا من أهل التبرع عالِمِين بما يُجيزونه] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ إحرام الحاج المذكور الذي مات بعد الوقوف بعرفة وقبل إتمام باقي أعمال الحج قد انقطع بموته، ولا يُكمِل أحدٌ الحجَّ عنه، لا مِن ذويه ولا غيرهم، ولا يجب في تَرِكَتِهِ شيءٌ إلا إذا كان قد أوصى بإتمام الحج عنه بعد موته، فتجب حينئذٍ في تَرِكَتِهِ بَدَنَةٌ تُجزئ عن باقي أعمال الحج التي لَم يُؤَدِّها مِن طواف الإفاضة وغيره، ويَصِحُّ بذلك حَجُّهُ ويَكمُل.