قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

د. محمد عسكر يكتب: هل تنجح محاولات تعزيز قدرات العقل البشري تكنولوجيا؟

×

الذكاء الاصطناعي علم يهدف إلى خلق عقل اصطناعي شبيه بالعقل البشري، به تتمكن الآلات من التمتع بقدرات فكرية مساوية لقدرات البشر أو متفوقة عليها؛ ليتم توظيفها في مهام لم تزل إلى وقت قريب حكراً على الإنسان، وهذه الأنظمة الذكية يمكن لها أن تكون موجودة في العالم الافتراضي في صورة برامج ذكية، كبرامج تحليل الصور والتَعرُّف على الكلام والوجوه، ومحركات البحث، والمساعد الصوتى مثل :Google Assistant و Siri و Alexa ، كما يمكن تضمينها أيضاً في الأجهزة التي تعمل في العالم الحقيقي، كالروبوتات المتقدمة والسيارات ذاتية القيادة وتطبيقات إنترنت الأشياء وغيرها من الأنظمة الذكية.

ولقد تقدمت في السنوات الأخيرة مشاريع الذكاء الإصطناعي بصورة فائقة، حتى إستطاع الذكاء الإصطناعي مدفوعاً بالتقنيات الأخرى كالإنترنت والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية والهندسة العصبية وغيرها أن يُقدِّم أنظمة روبوتية قادرة على إستشعار البيئة المحيطة، والتفاعل معها، وإتخاذ القرارات المستقلة بشأنها، بناءً على جمع البيانات وتحليلها، بل وإدراكِّها بصوره تُحاكي الإدراك البشري، وبذلك أصبحت الآلة تحس وتستشعر، وتفكِّر وتدرك، وتتعلَّم ذاتيًّا، وتطور ذكاءها، وتتخذ قرارات ذاتيَّة وتنفذها بإستقلالية تامة بعيداً عن التحكم البشرى، كما باتت الآلات تتواصل مع البشر بلغاتهم الطبيعية بفضل التقدم الذي أحرزه الذكاء الإصطناعي في مجال الرؤية الحاسوبية ومعالجة اللغات الطبيعية، وتقنيات "إنترنت الأشياء" التي مكنت الآلات من التواصل مع بعضها، ومع البشر حتى صار الإنترنت بمنزلة الروح التي تُبَث في الآلات الصمَّاء؛ لتجعلها تحس وترَى، وتسمع وتسجِّل، وتتواصل وتتفاعل مع البيئه المحيطه بها من خلال برمجيات ذكية تحكم عملها.

كما تطورت أيضا مشاريع الروبوتكس وأنتجت لنا روبوتات تحاكي سلوك البشر وتصرفاتهم، وإقتحمت معظم الوظائف، وقامت بمهام كانت إلى وقت قريب لا تتأتى إلا من إنسان عاقل واع، مدرك ومتعلم، حتى أنها إقتحمت مجال الطب وبقوة، فتمكَّنت الروبوتات من تشخيص الأمراض كأمهر خبراء الطب البشريِّين، وتولت أداء الجراحات المعقَّدة بصورة تفوق أداء الإنسان نفسه، بل إنه أصبح من الممكن مؤخرًا - عن طريق الدمج بين الذكاء الإصطناعي وتكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية - إنتاج روبوتات نانوية تنطلق في الجسم للقيام بالوظائف التشخيصية والعلاجية والجراحية، والوصول إلى نقاط في الجسم كان من الصعب أن تصل إليها أيدي الأطباء، وقد مكَّن الدمج بين الذكاء الإصطناعي والتكنولوجيا الحيوية من إنتاج البدائل الطبية الموجَّهة مباشرة لعلاج الخلايا بدلا ًمن العقاقير، وإنتاج روبوتات دقيقة للكشف عن الخلايا المعيبة وعالجها، وأدى الدمج بين الذكاء االصطناعي وهندسة الإلكترونيات الحيوية (Bionics) إلى تصميم أجهزة إصطناعية لها خصائص الأعضاء الحيَّة، فظهرت الأطراف الروبوتية المزودة بالذكاء الإصطناعي؛ لتقوم بوظائف الأطراف البيولوجية عبر الإتصال المباشر بالدماغ وإرسال الإشارات العصبية وإستقبالها، والإستجابة لها على النحو الذي تعمل به الأطراف الطبيعية، وصُمِّمت الهياكل الخارجية (Exoskeletons) التي يُتَحَكَّم فيها بغرسات مزروعة في الدماغ لتعزيز قدرات من يرتديها، وامتد َّ الأمر إلى إمكانية تصميم أعين وآذان إصطناعية وأعضاء حسيَّة أخرى يمكن زرعها في الإنسان لتعزيز قدراته البيولوجية وإعطائه قدرات حسيَّة خارقة.

هناك أيضاً تطور ملحوظ فى مشاريع الدماغ البشري وفهم تركيبته وطريقة عمله، ويعد ربط الدماغ البشري بالكمبيوتر هو الإتجاه الذي يهتم به معظم الباحثين في الآونة الأخيرة، ومنهم من توصل بالفعل إلى إكتشافات مذهله، ومنهم من مازال يبحث ويدرس.

هذا وقد تمكن العلماء بالفعل من زرع شرائح إلكترونيه في العقل البشرى لتحسين قدراته المعرفية والإدراكية، وبات الحديث يتردد عن إمكانية تعزيز الذكاء البشري وتضخيم قدراته وتوصيله بالإنترنت والسحابة الإلكترونية بواسطة الشرائح المدمجة فيه لتحسين أدائه بما يتجاوز قدرات البشر الطبيعية ، وتردَد الحديث-أيضا-عن إمكانية الإتصال المباشر من الدماغ إلى الدماغ، وهي تكنولوجيا وإن كانت في مهدها الأول إلا أنها لم تعد ضربًا من الخيال العلمي، إلى غيرذلك من المشاريع التي فجرتها ثوره الذكاء الإصطناعي وفتحت آفاقًا جديدة في مجال تكنولوجيا الجسد والتعزيز البشري والتي يدعو إليها أنصار حركه "ما بعد الإنسانية".

إحدى التقنيات الواعدة في هذا المجال هى تقنيات التعديل العصبي التي تعتمد على تغيير النشاط العصبي للإنسان من أجل تغيير سلوك أو إدراك الشخص، إما لأغراض طبية أو لأغراض تحسينية، تلك التقنيات التي أنتجها الذكاء الإصطناعي في مجال التعزيز العقلي، والتي تعتمد على التدخلات التكنولوجية والشرائح المزروعة في الدماغ، وربطه بأجهزة الكمبيوتر؛ لدعم أو إستعادة أو زيادة وظائف الدماغ وتعزيز قدراته؛ حيث تمكن العلماء من إجراء هندسة عكسيَّة ومسح شامل للدماغ بإستخدام بلايين الماسِّحَات والنَّانويات الدقيقة، من أجل فك شفرة المخ، وفهم تركيبة الدماغ وما يحويه من خلايا عصبية، حتى توقع العلماء أنه صار بالإمكان تحديد مئات المناطق داخل المخ لزرع شرائح ووسائط غير بيولوجية، تعمل بصورة خارقة تفوق عمل الخلايا العصبية الطبيعية الموجودة داخل المخ، ومن أبرز أمثلتها تقنية التحفيز العميق للدماغ (Deep Brain Stimulation) التي قُدِّمت في القرن الماضي كعلاج لمرضى الشلل الرعاش عن طريق زراعه رقائق ذكية في الدماغ تعمل على إرسال نبضات كهربائية إلى خلايا عصبية معينة؛ ليتم تحفيزها لمساعدة المريض على الحركة، وقد أسهمت تلك التقنية بالفعل في عالج كثير من الأمراض العصبية، وعلى الرغم من عدم إستخدامها في مجال التعزيز العقلي حتى الآن، إلا أنها فتحت الباب أمام إحتمالية إستعمالها بالفعل في تعزيز القدرات البيولوجية للدماغ حيث أنه عن طريق تلك التقنية المدعومة بالذكاء الإصطناعي سيكون بالمقدور إرسال بلايين النانويات داخل المخ البشري لتتصل لاسلكياً مع بلايين النقاط المختلفة في المخ، بهدف ربط الذكاء البيولوجي بالذكاء الإصطناعي، وأنه سيكون بمقدورنا إنتاج كيانات كاملة غير بيولوجية تحمل نسخاً من المخ البشري منتجة عن طريق الهندسة العكسية، وسيكون بالإمكان تهجين بشر بيولوجيين يحملون في رؤوسهم بليونات النانويات لرفع مستوى ذكائهم.

من التقنيات المهمة هنا أيضا تقنية واجهة الدماغ والحاسوب (BCI) التي تتيح الإتصال المباشر بين الدماغ والحواسيب، والتحكم المباشر في الآلات الذكيَّة بمجرد التفكير فى ذلك بإستخدام نشاط الدماغ فقط دون الحاجة إلى توسيط قوة عضلية أخرى، عن طريق شرائح إلكترونيه مزروعة في الدماغ تستطيع ترجمة إشاراته وتحويلها إلى أوامر للأجهزة الذكية الخارجية المتصلة، وهذه التقنية وإن كانت ستفيد كثيراً في مجال الأطراف الصناعية الروبوتية ومساعدة مرضى الشلل وفاقدي الأطراف في زرع أطراف ذكيَّة يتحكمون فيها بعقولهم إلا أنها فتحت الباب على مصراعيه أمام إحتمالية إستخدامها من قبل الأفراد الأصحاء لتوسيع قدراتهم وإكسابهم قدرة الوصول والتحكم في البرمجيات وتطبيقات الإنترنت والواقع الإفتراضي والأجهزة الذكية وأتوقع أن هذه التقنية ستكون متاحة في غضون خمس إلى عشر سنوات من الأن، وأنها من بين التقنيات الناشئة التي ستطمس الخطوط بين البشر والآلات.

فمع تقدم وتطور أجهزة الكمبيوتر وإزدياد فهمنا لدماغ الإنسان نقترب أكثر فأكثر من تحويل الخيال العلمي إلي حقيقة.

فتخيل عزيزي القارئ أنك ترسل إشارات وتعليمات من الكمبيوتر إلى دماغ شخص ما أو أنك تقوم بتشغيل الكمبيوتر وطباعة ما تريد وتتصفح مواقع الإنترنت والقيام بكل شيء تحتاجه فقط بمجرد التفكير في ما تريد ومن ثم يقوم الكمبيوتر بقراءة أفكارك وتنفيذها بدون تردد.

يعود السبب في إمكانية إتصال الدماغ البشرى بالكمبيوتر إلى أن الدماغ يستخدم الإشارات الكهربية في نقل البيانات والتعليمات من المخ إلى الجسم عبر الشبكة العصبية المنتشره فى جسد الإنسان.

فعندما نقوم بالتفكير أو الحركة أو الشعور أو التذكر فان هناك إشارات كهربية تسري في الدماغ وتقدر سرعة إنتقال الكهرباء في الخلايا العصبية بـ 250 ميل في الساعة. والإشارة الكهربية تنتج بواسطة فرق جهد كهربي يتولد في الخلايا العصبية. ومن المعلوم إن الإشارات الكهربية تنتقل عبر الشبكة العصبية إلا أن العلماء تمكنوا من التقاط إشارات كهربية متسربة، وهذه الإشارات هي التي سوف تستخدم للتحكم في جهاز الكمبيوتر.

تقنية ثالثة مهمةٌ، وهي وإن كانت حتى الآن ضرباً من ضروب الخيال العلمي، إلا أنه جرى الحديث عنها في الأوساط العلمية كثيرًا، وتنبأت بها حركه ما بعد الإنسانية، وروَّجت لها بإعتبارها أكبر تطلعات الحركة في العقود القادمة، وهي تقنية "تحميل العقل"، وهي فكرة تعتمد على الإستفادة من التقنيات السابقة لنسخ الذاكرة من الدماغ وتحميلها على حاسوب يمكن زرعُه بعد ذلك في وسيط غير بيولوجي، كروبوت؛ ليحقق لصاحبه حالة من "الخلود الرقمي" عن طريق التخلي عن الجسد البشري، ونقل عقولنا إلى ركيزة غير بيولوجية وإبقائها عاملة بشكل كامل بعد الموت، لتحقيق الخلود الأبدي الذي تطمح إليه الحركة، وهو أمر يثير كثيراً من التساؤلات الأخلاقية والدينية والقانونية.