قبل أن يغوص رئيس الوزراء الصيني لي تشيانج مع نظيره الأسترالي في مباحثات حول قضايا عكرت صفو العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، أخرها كان حكم بالإعدام لصحفي أسترالي من أصول صينية اتهم بالتجسس، قام تشيانج بزيارة حديقة الحيوان في اديليد في ولاية جنوب أستراليا، الأحد 16 من يونيو 2024، وهو ما أعاد للأذهان دبلوماسية الباندا التى تشتهر بها بكين منذ عقود من الزمن، ولكن الحقائق التاريخية تؤكد أن أصل تلك الدبلوماسية التى تعتمد على إهداء الحيوانات يرجع أصلها إلى المصريين، مع كامل الأسف للتنين الصينى.
[[system-code:ad:autoads]]
وقد استهل تشيانج زيارته الرسمية إلى استراليا، التي تنتهى غدا الخميس، بالإعلان عن تقديم بكين اثنين من حيوان الباندا بعد إعادة اثنين آخرين إلى موطنهما في وقت لاحق من هذا العام، كما زار مصنع نبيذ في ذات الولاية، وحضر لى في وقت لاحق فعالية مع مصدرى النبيذ في ولاية جنوب أستراليا، وكان مصدرو النبيذ في الولاية حتى وقت قريب خارج السوق الصينية في نزاع تسبب في تعليق صادرات زراعية ومعدنية أسترالية بقيمة 20 مليار دولار أسترالي ما يعادل نحو 12 مليار يورو العام الماضي.
[[system-code:ad:autoads]]
خلافات بين البلدين
وبحسب ما نشرته العديد من وكالات الأنباء العالمية، فقد نقلت قنوات التلفزة المحلية أولى محطات لي الرسمية، الأحد الماضى، وهي زيارة باندا معارين من الصين إلى حديقة حيوان اديليد، وظهر خلال البث حشود داخل الحديقة بعضها يلوح بأعلام صينية فيما البعض الآخر رفعوا لافتات كتب عليها "لا مزيد من بروباجندا الباندا"، وقال رئيس الوزراء الصيني عن العلاقات الثنائية بين بلاده وأستراليا فور وصوله، مساء السبت الماضى، أنها "عادت إلى مسارها الصحيح"، ما يشير إلى أن كان هناك مساعي مستمرة خلف الكواليس لإيجاد حلول لعدة قضايا عالقة بعضها منذ سنوات.
والصين كانت قد فرضت على أستراليا قيودا على مجموعة من الصادرات الزراعية والمعدنية الأسترالية في عام 2020، على خلفية نزاع دبلوماسي يبدو أنه هدأت حدته في الوقت الحالي، مع الضرورة بالإشارة إلى أن الصين أكبر شريك تجاري لأستراليا، ولي هو أول رئيس وزراء صيني يزور أستراليا منذ سبع سنوات، وقد التقي نظيره الأسترالي أنتوني ألبنازي، الإثنين الماضى، في كانبيرا، وقد طرح خلال المحادثات قضية الكاتب الأسترالي يانغ هينج جون، الذي حكم عليه بالإعدام مع وقف التنفيذ فى فبراير 2024، لاتهامه بالتجسس، بالإضافة إلى حادث في الشهر الماضي أسقطت فيه طائرة مقاتلة عسكرية صينية قنابل حرارية بالقرب من طائرة هليكوبتر دفاعية أسترالية.
توظيف الحيوانات في الدبلوماسية أصله مصرى
يعود تاريخ توظيف الحيوانات في الدبلوماسية إلى مصر القديمة، وهناك من يرجعه إلى مرحلة أقرب، وهي مرحلة الاستعمار، إذ تم تقديم أنواع مختلفة من الحيوانات كهدايا أو رشاوى أو تعويضات، وفي أحيان أخرى كان منحها يدل على الخضوع أو التحالف، وكانت الحيوانات التي يتم منحها ذات قيمة عالية في موطنها بسبب مظهرها الجسدي أو ضراوتها أو ندرتها، وكانت بمثابة وسيلة يمكن من خلالها لرؤساء الدول الفقيرة التأثير على الدول القوية.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك حديقة الحيوانات الملكية في المملكة المتحدة التي احتوت على حيوانات قدمت كهدية من رؤساء الدول حول العالم إلى التاج البريطاني، وجدير بالذكر أن جميع هذه الحيوانات قد أضيفت إلى مجموعة حديقة حيوانات (Regents Park Zoo) عندما منح الملك (ويليام الرابع) لأمناءها حديقة الحيوانات الملكية في العام 1831، وفي حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية برزت ملامح دبلوماسية الحيوان (Animal Diplomacy) التي تعرف اليوم بأنها: "استخدام الحيوانات المحلية لأغراض دبلوماسية".
والواقع يؤكد أنه تم استخدام الحيوانات على مر التاريخ للفوز على الأعداء، ولإقامة التحالفات، وأحياناً لتخويف الخصوم، في أواخر العشرينات من القرن التاسع عشر، على سبيل المثال، أرسل الحاكم المصري محمد علي باشا ثلاث زرافات إلى بلاط ملوك أوروبيين كمناورة دبلوماسية، وفي حقبة ما بعد الحرب، وقد عملت الحيوانات في الغالب كدعامات دبلوماسية، وكإشارات لإبداء حسن النية، وفي عام 1964، إثر اجتماع بين خروتشوف ورئيس وزراء النرويج أينار جارهاردسن، أهدى الزعيم السوفييتي جارهاردسن سمك الحفش الذي يستخرج منه الكافيار، وفي عام 1972 تلقت ملكة بريطانيا فيلا هدية من رئيس الكاميرون.
الباندا أبرز مثال على دبلوماسية الحيوان
عندما جلب التجار حيوان الباندا إلى الدول الغربية ومن ثم عرضه في حدائق الحيوانات في ثلاثينيات القرن الماضى، لفت أنظار الصين اهتمام الشعوب الغربية وانجذابها نحو حيوان الباندا، وعليه جعلت الحكومة الصينية جميع حيوانات الباندا في الصين – التي تعد الموطن الأصلي للباندا – ملكا للدولة، وأصبحت تعدها كنزا وطنيا، ولم يتم تصدير المزيد منها إلى الخارج، وفي العام 1941 قدمت زوجة الزعيم الصيني (شينج شاي شيك) زوجان من الباندا إلى الولايات المتحدة تعبيرا عن شكر وتقدير للحكومة الأمريكية على مساعدة الصين في محاربة اليابان، وعندما وصل الشيوعيين إلى السلطة في العام 1949 أعاد الرئيس (ماو تسي تونج) إحياء ممارسة منح الباندا للحلفاء، فتم تقديم الباندا إلى الاتحاد السوفيتي وكوريا الشمالية.
وبعد شهرين من رحلة الرئيس الأمريكي الأسبق (ريتشارد نيكسون) التاريخية إلى الصين في العام 1972 والتي أنهت 25 عاماً من العزلة والتوتر بين الصين والولايات المتحدة، أرسلت الحكومة الصينية زوجان من الباندا كهدية إلى الشعب الأمريكى، وهكذا استمرت الصين بتقديم الباندا كهدايا إلى الدول التي ترغب فى بناء علاقات دبلوماسية معها، ومنذ منتصف الثمانينيات توقفت الصين عن تقديم الباندا كهدايا إلى الحكومات الأجنبية، ولكن دبلوماسية الباندا (Panda diplomacy) التي أصبحت تعرف بهذا الاسم على نطاق واسع لم تتوقف، إذ أخذت تتجلى في ثلاثة أشكال جديدة:
- تأجير الباندا للحكومات الأجنبية مقابل مليون دولار سنويا، ووفقا للإحصائيات تعيش حيوانات الباندا المملوكة للصين في 25 حديقة حيوان حول العالم
- إرسال الباندا إلى الخارج للمشاركة في المعارض قصيرة الأجل
- إرسال الباندا إلى الخارج فى إطار البحث والتعاون العلميين.
وهكذا دخلت دبلوماسية الباندا على مسرح دبلوماسية الصين المعاصرة وأصبحت تمارسها الحكومة الصينية لخدمة أهداف سياساتها الخارجية.