ربما أثارك الحيرة من طبيعة العلاقة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكى جو بايدن، وهل هى بالفعل علاقة توافق دائم، أم أن بينهما توتر خلال الفترة الأخيرة، وقد تكون شعرت الاستغراب من خروج زعيم الحرب الإسرائيلي أمس في مقطع فيديو يشن فيه هجوم حاد على الـ"بابا أمريكا"، بزعم أنها تتلكأ فى إرسال شحنة أسلحة التى تحتاجها تل أبيب لاستكمال مهمتها المقدسة على الأرضى الفلسطينية، واستكمال إبادة سكان قطاع غزة.
[[system-code:ad:autoads]]
وما قد يزيد من توترك أيضا، طبيعة الرد الأمريكى، الدولة العظمى الأولى بالعالم، فبحسب المتابع للصحف الأمريكية، يجد أن الرد تنوع ما بين تبرير الموقف الامريكى من تأخير شحنة وحيدة، وتقديم فروض الطاعة للاحتلال وكيف كانا شركاء فى كل اجناز بغزة، بحسب تحليلهم، فيما تسرب صحيفة ما أو أخرى عن امتعاض واشنطن من تصريحات نتنياهو، ولكن الخلاصة التى قد تزيح تزاحم الأفكار فى عقلك، فإن المشهد ما هو إلا أسلوب ابتزاز من الطفل المدلل، وذلك لتبرير مزيد من الأسلحة، أو لفت انتباه واشنطن بعدم الخوض فى فكرة مراجعة الأسلحة.
[[system-code:ad:autoads]]
أسوشيتد برس وإدعاء نتنياهو
وفى سردها لما خرج به نتنياهو أمس من تصريحات مثيرة للجدل، وصفت الوكالة الأمريكية أسوشيتد برس، تلك التصريحات بـ"الادعاء"، إذ قالت فى تقريرها: "ادعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الثلاثاء أن الولايات المتحدة تحجب الأسلحة وألمح ضمنا إلى أن ذلك يبطئ الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، حيث أدى القتال إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل للفلسطينيين"، وفى محاولة لتبرير موقف واشنطن، ذكرت الوكالة الأمريكية، أن الرئيس بايدن أرجأ تسليم بعض القنابل الثقيلة منذ مايو، بسبب مخاوف بشأن قتل إسرائيل لمدنيين في غزة.
بل وجاء بالتقرير تفنيد لجهود بايدن وإدارته لمنع قرار بحظر إرسال الأسلحة إلى تل أبيب، وذكرت أن الإدارة الأمريكية بذلت قصارى جهدها لتجنب أى إشارة إلى أن القوات الإسرائيلية قد تجاوزت الخط الأحمر في غزو رفح المتزايد، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى فرض حظر أكثر شمولاً على عمليات نقل الأسلحة، وكان التقرير يفند ما خرج به نتنياهو، في مقطع فيديو قصير، مباشرة إلى الكاميرا باللغة الإنجليزية وهو يوجه انتقادات حادة لبايدن بشأن “الاختناقات” في عمليات نقل الأسلحة، حيث قال نتنياهو: "من غير المعقول أن تقوم الإدارة في الأشهر القليلة الماضية بحجب الأسلحة والذخائر عن إسرائيل"، مضيفا: "أعطونا الأدوات وسننهي المهمة بشكل أسرع بكثير".
بلينكن يدافع: التأخير الوحيد ونعمل على مدار الساعة لإنهائه
وفى موقف رسمى واضح، نسبت الوكالة الأمريكية إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، قوله خلال زيارة قام بها مؤخرًا إلى إسرائيل، إنه يعمل على مدار الساعة لإنهاء التأخير، ومع ذلك، قال بلينكن أمس الثلاثاء إن التوقف الوحيد كان يتعلق بتلك القنابل الثقيلة اعتبارًا من مايو، وذكر خلال مؤتمر صحفي لوزارة الخارجية: "نحن، كما تعلمون، نواصل مراجعة إحدى الشحنات التي تحدث عنها الرئيس بايدن فيما يتعلق بالقنابل التي تزن 2000 رطل بسبب مخاوفنا بشأن استخدامها في منطقة مكتظة بالسكان مثل رفح، وهذا لا يزال قيد المراجعة، ولكن كل شيء آخر يتحرك كما هو معتاد".
وخلال مقطع الفيديو، لم يوضح نتنياهو تفاصيل الأسلحة التي تم احتجازها، ورفض الجيش الإسرائيلي الرد على طلب للتعليق للصحف الأجنبية، فيما أحال أوفير فولك، مستشار السياسة الخارجية لنتنياهو، الأسئلة حول التفاصيل إلى الحكومة الأمريكية، وردا على ادعاء نتنياهو، قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير: "لا نعرف بشكل عام ما الذي يتحدث عنه، فنحن لا نفعل ذلك"، وأضافت أن الولايات المتحدة تجري "مناقشات بناءة" مع إسرائيل بشأن الشحنة المتوقفة مؤقتًا من القنابل الثقيلة، وأنها عملية النقل الوحيدة التي تم تأجيلها.
البيت الأبيض يكشر عن أنيابه... توبيخ بسيط وتأجيل لقاء
ورغم جرأة وشدة تصريحات نتنياهو، إلا أن صحيفة إكسيوس الأمريكية، أظهرت رد الفعل الأمريكي وهو يكشر عن أنيابه، فى مجرد توبيخ من البيت الأبيض للطفل المدلل، والحديث عن إلغاء لقاء كان مخطط له غدا الخميس بخصوص الملف الإيرانى، وذلك قبل أن تخرج مصادر مجهلة أيضا للحديث عن تأجيل اللقاء وليس إلغائه، وبحسب ما جاء بتقرير الصحيفة الأمريكية عنوان "سبق صحفي: البيت الأبيض يلغي اجتماعا ويوبخ نتنياهو احتجاجا على الفيديو"، ذكرت فيه، أن البيت الأبيض ألغى اجتماعًا أمريكيًا إسرائيليًا رفيع المستوى بشأن إيران كان من المقرر عقده يوم الخميس بعد أن نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقطع فيديو يوم الثلاثاء زعم فيه أن الولايات المتحدة تحجب المساعدات العسكرية، حسبما قال مسؤولان أمريكيان لموقعAxios.
وقال مصدران أمريكيان وإسرائيليان إن كبار مستشاري الرئيس بايدن غضبوا من الفيديو – وهي رسالة سلمها المبعوث الأمريكي عاموس هوشستين شخصيًا لنتنياهو في اجتماع بعد ساعات من نشره، ثم قرر البيت الأبيض أن يذهب أبعد من ذلك بإلغاء اجتماع الخميس، ويقول مسؤول أمريكى: "هذا القرار يوضح أن هناك عواقب لمثل هذه الأعمال المثيرة"، ولزيادة حجم قوة رد الفعل، نسبت الصحيفة الأمريكية لمسؤول إسرائيلي كبير قوله: "الأميركيون غاضبون. فيديو بيبي تسبب في أضرار جسيمة".
ورغم أن التقرير قوامه الأساسى كان قوة رد الفعل الأمريكى بإلغاء اللقاء الذى وصفت بالهام، وذلك على لسان مسؤولين أمريكيين، وأرجع ذلك الإلغاء لإرسال رسالة حول الفيديو، إلا أن ذات الصحيفة، وفى ذات التقرير نسبت إلى مصدر ثالث مجهل أيضا، وقله بأن الاجتماع تم تأجيله فقط بدلاً من إلغائه، وذلك بسبب مشكلة في الجدولة.
شركاء حرب وجرائم ضد الإنسانية وتحدى للمجتمع الدولى
وفى توضيح صريح للشراكة بين أمريكا وتل أبيب فى كل ما يحدث داخل قطاع غزة من حرب وجرائم، بل وتحدى للمجتمع الدولى، ذكرت "أسوشيتد برس"، أنه مع دخول الحرب الإسرائيلية ضد حماس شهرها التاسع الآن، تتزايد الانتقادات الدولية بشأن الدعم العسكري والدبلوماسي الذي تقدمه الولايات المتحدة لحملة التدمير المنهجي التي تشنها إسرائيل في غزة، والتي أسفرت عن خسائر فادحة في أرواح المدنيين.
بل وقد خلصت المحكمة العليا التابعة للأمم المتحدة إلى وجود “خطر معقول بوقوع إبادة جماعية ” في غزة – وهو ما تنفيه إسرائيل بشدة، وتلقي إسرائيل باللوم في مقتل مدنيين على حماس قائلة إن النشطاء ينشطون بين السكان، وهى الإدعاءات التى تصدق عليها دائما الإدارة الأمريكية، وذكرت الوكالة الأمريكية، أن كلا من نتنياهو وبايدن يعملان على الموازنة بين مشاكلهما السياسية الداخلية والوضع المتفجر في الشرق الأوسط، وقد ازدادت مقاومة الزعيم الإسرائيلي المحاصر لهجمات بايدن العلنية ومناشداته الخاصة.
والدليل الحقيقي لطبيعة العلاقات هو الشق العملى، ورغم قول نتنياهو عن تأخير الأسلحة، فقد مهد اثنان من كبار الديمقراطيين في الكونجرس الطريق هذا الأسبوع للمضي قدمًا في صفقة بيع طائرات أمريكية من طرازF-15 لإسرائيل بقيمة 15 مليار دولار، بعد تأخير بينما سعى أحد المشرعين للحصول على إجابات من إدارة بايدن بشأن استخدام إسرائيل الحالي للأسلحة الأمريكية في الحرب في غزة، ولكن دائما ما يكون ذلك دون جدوى.
ابتزاز سياسى
وخلاصة العلاقة بين تل أبيب وواشنطن فنده عدد من الخبراء للوكالة الأمريكية، والتلميح الواضح لابتزاز نتنياهو للحصول على مزيد من الدعم المطلق، إذ قالوا إن رسالة نتنياهو – التي تم تسليمها باللغة الإنجليزية فقط – تهدف على الأرجح إلى تعزيز دعم الأسلحة الأمريكية ولا يبدو أنها تشير إلى نقص على الأرض، ويقول إيتامار يار، النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الذي يقود مجموعة من كبار المسؤولين الأمنيين السابقين: "لست قلقاً، وأعتقد أن نتنياهو يريد أن يجعل من الصعب على إدارة بايدن تأخير إمدادات الأسلحة في المستقبل.
فيما اقترح أفيف بوشينسكي، مستشار نتنياهو السابق، أن مكتب رئيس الوزراء يعمل على وضع جدول أعمال لاجتماعات وزير الدفاع يوآف غالانت في الولايات المتحدة الأسبوع المقبل مع السماح لنتنياهو – وليس غالانت – بادعاء الفضل في إطلاق شحنة القنابل، وأضاف أن الفيديو يعرض أيضا خطابا من المقرر أن يلقيه نتنياهو أمام الكونجرس خلال أسبوع تقريبا، وقال بوشينسكي: "إنه أسلوب دبلوماسي عدائي للغاية، لكنه في وضع مربح للجانبين، فليس لديه ما يخسره في الوقت الحالي - وهذا يخدمه في جميع الأبعاد، داخليًا وعلنيًا".