يستعد حجاج بيت الله الحرام لرمي الجمرات كواجب مِن واجبات الحج، حيث كثير مِن العلماء أجازوا الرمي بعد نصف ليلة النحر للقادر والعاجز على السواء؛ استدلالًا بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت" رواه أبو داود.
أما في أيام التشريق: فمن العلماء من قال إن الرمي لا يكون إلا بعد الزوال، ومنهم من أجاز الرمي قبل الزوال يوم النفر، ومنهم من أجاز الرمي قبل الزوال في سائر أيام التشريق -بدءًا من منتصف الليل- وهذا ما عليه الفتوى.
وقت رمي الجمرات في أيام التشريق
يقول سائل: ما حكم رمي الجمرات في أيام التشريق الثلاثة؟ وما وقته؟ وهل هو يَلزَمُ وقت الزوال فقط؟ وما حكم مَن رمى الجمرات قَبل الزوال؟ وهل بعد منتصف الليل يُعَدُّ بدايةَ يومٍ جديدٍ لرمي الجمرات؟
وقالت الإفتاء إن رمي الجمرات مِن واجبات الحج، وكثير مِن العلماء كالشافعية والحنابلة وغيرهم أجازوا الرمي بعد نصف ليلة النحر للقادر والعاجز على السواء؛ استدلالًا بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت" رواه أبو داود، وقال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام": [وإسناده على شرط مسلم] اهـ.
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 493، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ووُجِّهَت الدلالةُ مِن الخبر بأنه صلى الله عليه وآله وسلم علَّق الرميَ بما قبل الفجر وهو صالحٌ لجميع الليل، ولا ضابط له، فجُعِلَ النصفُ ضابطًا؛ لأنه أقرب إلى الحقيقة مما قبله، ولأنه وقتُ الدفع مِن مزدلفة] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 219، ط. دار إحياء التراث العربي): [ولرمي هذه الجمرة وقتان: وقت فضيلةٍ، ووقت إجزاءٍ، فأما وقت الفضيلة فبعد طلوع الشمس... وأما وقت الجواز فأوله نصف الليل مِن ليلة النحر، وبذلك قال عطاء وابن أبي ليلى وعكرمة بن خالد والشافعي] اهـ.
أقوال الفقهاء في بداية وقت رمي الجمرات أيام التشريق
أمَّا رمي الجمرات في أيام التشريق: فللعلماء في بداية وقته ثلاثة أقوال:
القول الأول: قول جمهور العلماء؛ أن رمي كل يومٍ مِن أيام التشريق لا يجوز إلَّا بعد الزوال؛ استدلالًا بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عند مسلمٍ وغيره -ورواه البخاري معلَّقًا- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رمى الجمرة يوم النحر ضحًى، وأمَّا بعد فإذا زالت الشمس.
القول الثاني: أنه يجوز الرمي قبل الزوال يوم النفر؛ وهو مرويٌّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقول عكرمة، وإسحاق بن راهويه، والمشهور عن أبي حنيفة، وروايةٌ عن أحمد قال بها بعض الحنابلة إلَّا أنه اشترط ألَّا ينفر إلَّا بعد الزوال، وفي روايةٍ عن أبي حنيفة وافقه عليها أبو يوسف رحمهما الله تعالى جوازُ الرمي قبل الزوال في النفر الأول إن كان قصده التعجل.
القول الثالث: أنه يجوز للحاج أن يرمي قبل الزوال في سائر أيام التشريق، وهو مذهب جماعاتٍ مِن العلماء سلفًا وخلفًا، منهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، وطاوس بن كيسان، وعطاء بن أبي رباح في إحدى الروايتين عنه، والإمام أبو جعفر محمد الباقر، وهو روايةٌ عن الإمام أبي حنيفة، وذكر التقي السبكي أنه المعروف والراجح مِن مذهب الشافعي، وكذا قال العزُّ بن جماعة، والجمال الإسنوي، وغيرهم، ونقله إمام الحرمين في "نهاية المطلب" (4/ 323، ط. دار المنهاج) عن الأئمة، ونقله الروياني في "بحر المذهب" (5/ 217، ط. دار إحياء التراث العربي) عن بعض الشافعية بخراسان، واختاره حجة الإسلام الغزالي والفوراني والعمراني والرافعي وغيرهم من الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد قال بها جماعة من الحنابلة كأبي الوفاء بن عقيل وأبي الفرج بن الجوزي وأبي الحسن بن الزاغوني وغيرهم؛ قال ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (6/ 59، ط. مؤسسة الرسالة): [وجَوَّزه ابن الجوزي قبل الزوال، وفي الواضح: بطلوع الشمس إلَّا ثالث يوم، وأطلق أيضًا في منسكه أن له الرمي مِن أول، وأنه يرمي في الثالث كاليومين قبله، ثم ينفر] اهـ.