لم أكن أعرف الملك الفارسي قوروش الأول ولا خشايارشت الأول، ولم أكن أعلم أن هؤلاء الملكين سيكون لهما حضور كبير في القرن 21، إلا على لسان اللواء يحيى صفوي المستشار العسكري للمرشد الإيراني الأعلي خامنئي.
الحقيقة أن استدعاء ملكين من أشهر ملوك الفرس، عاشا قبل الميلاد، والاستدلال بأفعالهما اليوم بعد أكثر من 2500 سنة، واعتبار وصولهما بحسب يحيي صفوي لأورشليم القدس والبحر المتوسط فيه كثير من الخيال والإثارة السياسية الإيرانية.
المستشار العسكري الإيراني قال في تصريحات مثيرة: "نحن الإيرانيين توجهنا إلى البحر الأبيض المتوسط حوالي 500 سنة قبل الميلاد، حيث ذهب قورش الكبير، إلى أورشليم وحرر أورشليم واليهود"، ثم أضاف: وفي عام 480 قبل الميلاد، قاد الملك خشايارشا الأول 600 ألف جندي من إيران إلى الأناضول، تركيا حاليا، وعبروا مضيق الدردنيل أو البوسفور، واستولوا على اليونان"، ثم ربط ذلك التاريخ السحيق بالحاضر الآن بقوله:"وللمرة الثالثة، مع تشكيل جبهة المقاومة وبواسطة حزب الله اللبناني أصبحنا نحن في جوار البحر الأبيض المتوسط!!
وشدد صفوي: إن ايران ليس لديها أي نية لفتح البلدان الأخرى لكنه استدرك:"إذا هاجمتنا أميركا فسوف نتبعها إلى أقصى البحار". صفوي أيضا هو من قال سابقا: نحن لسنا في البحر الأبيض المتوسط فحسب، بل في البحر الأحمر وباب المندب أيضا".
والحاصل أن، استراتيجية إيران للتوسع في المنطقة مثير لكثير من التساؤلات والاعتراضات..
وعلى مستوى التساؤلات، فالواقع أنا لا أعرف لماذا يتمسك النظام الإيراني باستراتيجيته هذه في التمدد رغم انتهاء عصر الاستعمار فعليا، لماذا لا يكون التركيز على إيران الدولة وتقويتها سياسيا واقتصاديا ومجابهة مشاكلها بدلا من حمى التوسع هذه؟!
لكن في الواقع وبعيدا عن الدهشة، فإن إيران توسعت بالفعل وتتواجد اليوم في 5 عواصم عربية وهذا ليس سرا، فهي موجودة في بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء وتسيطر كذلك على جزء من القرار الفلسطيني من ناحية حماس.
أما من ناحية الاعتراضات، فالمؤكد أن الولايات المتحدة في عهد بايدن، الذي شارف على الغروب مع قرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وربما تكون نهاية بايدن وإعادة بزوغ نجم ترامب من جديد، فإن أمريكا لم ولن تحارب إيران ولكنها متمسكة في عهده باستراتيجيتها المعلنة منذ التسعينيات في الاحتواء والسيطرة. لذلك فإن تهديد يحيى صفوي للولايات المتحدة بتتبعها في أقصى البحار إذا هاجمتهم ليس له محل من الإعراب، فهي لن تهاجمهم وهذه ليست سياسة بايدن وهذا أيضا ليس سرا، لأن ما لم يفعله بايدن طوال ولايته في أربع سنوات، لن يفعله في نحو 5 شهور حتى موعد الانتخابات الأمريكية المقبلة، ويعني كذلك أن إصرار إيران على الوصول للمتوسط أو التباهي بالسيطرة على البحر الأحمر وباب المندب، لن يضر أمريكا ولن يفرق معها، ولكنه يضر في المقام الأول الدول العربية الموجودة على البحرين، حيث تمثل استراتيجية إيران هذه، استراتيجية عداء وتعدي، لأنه في المقابل لم تعلن دولة عربية من أفريقيا، أنها وصلت لساحل الخليج العربي، وإنها تعتبر وجودها هناك في مواجهة إيران عمق إستراتيجي لها، ومثلما يقول مستشار المرشد الإيراني أن العمق الاسترتيجي لهم، يجب أن يكون إلى 5 آلاف كيلومتر، ويجب أن تركز القوات البحرية والجو فضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني على هذه المناطق، لأن الحروب المستقبلية ستكون بحرية وجوية!!
نفوذ إيران لم يعد مادة سياسية للتسلية، ولكنه تواجد فعلي في عواصم عربية، ويؤثر تأثيرا مباشرا على الأمن القومي العربي، واعتقد أنه أصبح ضروريا للغاية أن يطرح ذلك للنقاش علنا على مائدة القادة العرب، في قمة تخصص لمناقشة نفوذ ايران وبحث تداعياته، واستغلال العلاقات العربية مع طهران، لحثها على اعادة النظر في هذه الاستراتيجية المضرة بالعرب.
أما الملك قوروش الأول، وهو أحد أعظم ملوس الفرس ومؤسسي الإمبراطورية الفارسية الغابرة، الذي سيطر على إمبراطورية ممتدة من آسيا الصغرى والوسطى حتى أوروبا الشرقية، فليرقد في سلام، لكن استدعاء روحه للتمثل بها في إعادة إحياء ملكه فهذا "محل أوهام"، وعودة الإمبراطورية الفارسية ثانية للحياة لن يوجد إلا في خيالات الإيرانيين.