"الحب" هذا الشيء غير الإرادي، ذلك الحس الوحيد الذي لا يستطيع الإنسان التحكم فيه مهما علا أو نزل شأنه أو فكره، لعله الشيء الوحيد الخالص من أي أغراض أو أهداف مادية، فقد يكون ما يتمناه صاحبه هو إشباع ذاته بروح يملؤها حافز ذلك الحب.
يقول أحدهم رغم أنفي أتذكرها، وظل يسرد شعوره ويقول: "حبيبتي، يا من لم أنساكِ، أكتب إليك آخر بنان قلبي، كيف حالك؟ ما زلت أتذكرك، أتوه في الذكريات، أفرح معها، أحزن لبعدك.
سنوات مرت، كان يملؤها فرح الحياة، لمست قلبك، ناداني بكل ما فيه من مشاعر تجاهك.
فيا قلبي؟ كيف حالك؟ أتعجب من حالك الغريب؟! كم تحبها وهي بعيدة!
بعيدة بكبر السنين التي مرت، أتتذكر عندما قلت؛ سأظل كما أنا؟
تحولت يا قلب، ولم تكن كما كنت، بقيت القلب المشتاق للذكرى، فما أجملها من ذكرى.
أحبك يا فتاة قلبي ووليدة عمري وأول حبي.
اكن ما أقوله لحفظ الذكرى، عن قلب حب بفيض عدد ليالي الدهر، لخليلة قلبي.
لم أعد أتذكر وصفها، بل أتذكر نبضات قلبي الذي أحب الأماكن التي مررت عليها من الأيام الخوالي.
تصبيني الذكرى، كأنها أول خطأ وعوقبت عليه، خطأ كان جرحه عميقًا في القلب الذي لم يلتئم منه.
لم أعد أريد لقياها، ولن أرغب، لكنها الأماكن، فلعنة الأماكن مثل عقارب ساعتي تدور بها الأيام، وهي تحتفظ بعدد أرقام ساعاتها، دون أن تقلل أو تكثر منها، أظن أن الساعة بات انتهاؤها حتميًا لبداية يوم جديد.
غير أنها تعيد الكر والفر مجددًا، تعود منذ البداية لتعيد الساعة من منبع الذكرى.
فيا ذكرى كفي عن لمس الماضي".
وأرد على صديقي المتحدث - صاحب الذكرى - بأني أتفق معك، لأنها ذكرى خالصة شريفة وعفيفة وحب لن يتكرر، فيرحل الأشخاص وتبقى المشاعر، وشعورك كبر كبرًا جمًا لتفهم معنى الحب.
فإنه لا يخضع لمقاييس المنطق، لن يفهمه إلا من لا يبات في قلبه كره، فمن أحب لن يكره، قد ينسى شكله، إلا ما أخلص فيه من مشاعر وعاطفة وخطوات أخطوها.
فضرب ابن الفارض في شعره قولًا يوصف ويختصر: "فغَرامي القديمُ فيكُمْ غرامي.. ووِدادي كما عَهِدْتُمْ وِدَادِي".
الحب ليس محض زيف، فعنانه في سمو عدم الخصام الروحي، قد يفترقون أو يتشاجرون وينتهي ارتباطهم، لكن إخلاص المشاعر وعدم زيفها يظهر معنى معدن الشخص الذي خضع لقلبه، واختار من أمامه دون أي غرض، إلا لمنال أن يلتقي من أحبته عيون روحه.
نعم إننا نظلم الحب فلا يوجد في الحب خصام، ولا خصام مع الحب حتى وإن افترقت الطرق لمن التقوا يومًا.