ما يحدث فى منطقة الشرق الاوسط يجبرك على العودة فى قراءة احداث الحروب الأمريكية فى مناطق مختلفة من العالم ويتصدر بحثك تساؤلا وحيدا واحدا وهو : هل تعرف لماذا قصفت إسرائيل رفح بتلك الصورة الدموية؟
السبب والاجابة فى هذه المعلومات التى يسطرها تاريخ الولايات المتحدة الامريكية ولنبدأ من حرب فيتنام ومن شخص رفض تسلم جائزة نوبل للسلام عام 1973 وهو الفيتنامي ‘‘لي دوك ثو‘‘.بدايات المناضل تقول انه كان بطلًا في حرب التحرير ضد الفرنسيين والأميركيين، وبأنه قاد مفاوضات السلام نيابة عن فيتنام الشمالية مع الولايات المتحدة في باريس طوال العام 1972 و 1973..لكن الرجل كان يوصف على الدوام بأنه مفاوض شرس، رفض التنازل عن شرط توحيد بلاده وإسقاط النظام العميل للأميركيين في فيتنام الجنوبية.فى جولات مفاوضات ثو كان معه على الطرف الآخر من مائدة التفاوض الأميركي اليهودي هنرى كيسنجر..والتاريخ يذكر ونقول معه ويشهد معنا كل السياسيين والمفاوضين بأن كيسنجر كان بالفعل عبقريًا في السياسة الدولية بل ربما كان واحدًا من أهم عباقرتها في القرن العشرين، ونبوغه بدأ من شبابه الجامعي واستمر في ترقيه السريع المبنى على جيناته الذكية فى التحاور واثبات الحجة .. كانت عبقرية كسينجر شريرة لدرجة قاسية ويدل عليها جولة مفاوضاته مع الثائر الفيتنامي "ثو" فقد هاتف كيسنجر رئيسه الامريكى حينذاك نيكسون في مساء اليوم الرابع من ديسمبر عام 1972 وأخبره بأن "لي دوك ثو " صلب الرأس ويحتاج لمبرر قوي لتقديم تنازلات ؛ فسأله نيكسون وقال له : ماذا تقترح لاذعانه وجعله يوافق بلا شروط أو يوافق بشروطنا ؟..فأجاب كيسنجر على الفور ‘‘الكثير من B52 ‘‘.وبالفعل ولمدة الأسابيع الثلاثة الأخيرة من ديسمبر 1972 بدأت الطائرات الاميركية من ذلك الطراز قصفًا جنونيًا على العاصمة الفيتنامية هانوي لم تقصف الطائرات الامريكية مواقع عسكرية ولكنها كانت تستهدف المدنيين فقد كانوا الهدف الأول.21 ألأف قتيل سقطوا ، لم يموتوا ولم يتفحموا بل ذابوا من القنابل الحارقة والنابالم. ويروي أحد الناجين في برنامج وثائقي أذاعته شبكة PBS منذ سنوات بأنه شاهد 4 سيارات وقد تحولت جميعها لما يُعادل حجم صندوق.سأله المذيع وماذا عن عائلتك ؟ أجابه والدمع يتحجر في عينيه : كانوا داخل ذلك الصندوق.حققت أميركا هدفها وعاد ‘‘لي دوك ثو‘‘ لطاولة التفاوض مع كيسنجروكان توقيع اتفاق السلام في يناير 1973.ومن المضحكات المبكيات أن لجنة نوبل للسلام منحت الجائزة مناصفة لهنري كيسنجر ولي دوك ثو الذى رفضها لأنه كان يعلم في قرارة نفسه أن الجائزة ممسوخة ؛ وأن له ثأر مع الأميركيين لم ينته بعد، وبالفعل رفض الجائزة وعاود الحرب إلى أن استولى على فيتنام الجنوبية بعد أن خرجت منها الولايات المتحدة ووحّد بلاده. قتلت واشنطن 21 ألف روح في قصف جنوني فقط لإجبار لي دوك ثو على العودة لمائدة التفاوض.قتل كيسنجر الناس حرقًا، والعالم الأفاق منحه نوبل للسلام.
وتمضى السنوات وتاريخ الولايات المتحدة ينطق بكل حروفه دما بريئا فى العديد من بقاع العالم ومن بينها العراق بلاد الرافدين وعاصمة الثقافة والتاريخ العريق ، دخلت واشنطن العراق بخدعة أن بغداد لديها إسلحة كيماوية وان لم يكن لديها فهى تعتزم انتاج اسلحة كيماوية ، وعززت دخولها بنثر مبادىء الحرية والديمقراطية الجديدة ، عاثت امريكا فى العراق فسادا ونهبت خيرتها وبالطبع كانت تتخذ ذريعتها من غزو الرئيس العراقى صدام حسين الكويت في أغسطس 1990 وشنت أميركا وحلفاؤها حربًا لإخراج صدام من الكويت في يناير 1991.سحقت أميركا الجيش العراقي بقصف مروع كل تلك الأعمال ‘‘حربية‘‘..تقع فيها خسائر من هنا وهناك.لكن صدام قرر الانسحاب جنود مستسلمين عائدين لبلادهم الطبيعى ان تتركهم ببساطة يعبرون الحدود ولكن هذا لم يكن القرار الذي انتهى إليه اجتماع العسكرى الاميركي شوراتزكوف والرئيس الاميركي جورج بوش الأب ووزير خارجيته وجيمس بيكر..شوارتزكوف أوصل رسالته القاطعة التى تؤكد أنه لا مجال لترك عراقي واحد حي في الكويت؛ ووفق بوش الأب ووقعت المجزرة لتكون مقدمة لنزع تنازلات من صدام في إقامة مناطق حظر جوي فوق أراضيه بلا أدنى مناقشة والنتيجة؟..اندفعت الطائرات الأميركية لصيد الجنود المنسحبين بمدرعاتهم حتي إفنائها..إحدي تلك المجازر التي ارتكبت بحق الجنود المنسحبين كانت علي الطريق 8.فقد أطلقت واشنطن حمم طائراتها لتُدمر 2000 آلية عراقية كانت في طريقها للإنسحاب تجاه الحدود.القصف كان مرعبًا لدرجة أن التصقت الآليات بالأرض من شد احتراقها. جندي عراقي يطل برأسه خارج شاحنته العسكرية وضعية جسده تشي بأنه كان يحاول الهرب من القصف ؛ الذعر يكسو قسمات وجهه فيداه متشبثان بحافة الآلية ويجز علي أسنانه من فرط الألم كل ملامحه تقول انه يُدرك أن أوان الفرار قد فات..مات محروقًا بفعل قصف الأميركيين ، هذه الصورة التقطها ‘‘كينيث جاريك‘‘ مصور الأسوشيتيد برس عندما ترجّل من سيارته لإلتقاط صور الضحايا برفقة آلياتهم المُمدة علي جانبي ما عرف لاحقًا ب‘‘طريق الموت‘‘..وكانت الصورة لذلك الجندي العراقي..ذهب جاريك بالصورة لكبريات الصحف الدولية..لكنها جميعًا رفضت نشرها حتى لا يتعاطف العالم مع العراقيين..إلا صحيفة واحدة هي ‘‘لندن أوبزرفر‘‘..نشرها جاريك مصحوبة بتعليق ‘‘ إن كنت كبيرًا بما يكفي لخوض الحرب، فيجب أن تكون كبيرًا أيضًا لمشاهدة تلك الصور‘‘.
لعل ماذكرته من تاريخ الام الشرعية لدولة إسرائيل تجيب على هذه الاسئلة : لماذا تحرق إسرائيل الأطفال في غزة بصفة عامة وفى رفح بصفة خاصة وبعد مرور ثمانية اشهر من حرب تل ابيب على قطاع غزة ؟ لأن ذلك ما تعلمته من شيطان العالم الأكبر الولايات المتحدة وهو ان المدنيين بالنسبة لها أدوات حرب توجب التنكيل بهم لإجبار المقاوم على الاستسلام. لأن هذا هو درس كيسنجر وتلك هي تعاليم شوارتزكوف..ولأن العالم بالنسبة لهم مجبرا على الرضوخ والاذعان ووجب الخلاص منهم إن لم يقبلوا العيش كالعبيد..والفلسطيني لا يختلف كثيرًا عن الفيتنامي ولا العراقي..هو ضحية لنفس الآلة..لنفس الحضارة الامريكوانجلوية القائمة على استخدام للعنف المنظم من أجل بسط سيادتها والهيمنة.ولكن ما يجعل مأساة الفلسطيني مضاعفة أنه مستباح وأن الأصل في تعامل العالم معه ‘‘استباحته‘‘استباح فى البدايات أرضه فماله ونفسه وجسده..والان وما سوف يجعل عقابه من العالم أقسى وأشد تنكيلًا أنه خرج للمرة الأولى عن تلك الفرضية الغربية التى تنفذها اسرائيل وقرّر أن يهاجم بطوفانه وألا يكون الضحية من جديد..وما الحرق والقتل الجنوني إلا تذكير من العالم ‘‘المتحضر‘‘ بأمرين وهما أن عليك الجلوس إلى مائدة التفاوض والتنازل؛ وأنه يتعيّن عليك الندم على ما فعلت، وأن تقبل من جديد أن تعيش راكعًا جاثيًا.الفلسطيني يعاقب على أنه اختار للمرة الأولى أن يعيش كأقرانه.. إنسانًا.علك عزيزى القارىء قد عرفت الان سبب القصف الاسرائيلى البشع على خيام النازحين؟ هى حضارة الغرب وإسرائيل خير من يمثلها.
ووسط كل هذه الاحداث يبقى صوت فلسطين القائل "لافناء لثائر "